صور معاناة أهلنا في مخيمات اللجوء والنزوح جراء موجة البرد القارص، والصقيع، التي تضرب منطقتنا، مصحوبًا بهطول الثلج، وماتسببه ذلك من وفيات، تصفع وجوه العالم الذي تخلى عنهم وتركهم يواجهون أقدارهم ومصيرهم دون شفقة أو رحمة، وقبل ذلك وبعده، تؤشر إلى حالة تخلي مؤسسات المعارضة السورية عن واجباتها ومسؤولياتها، بل وعدم الاكتراث بما يجري مع تكرار هذه المشاهد القاسية والمؤلمة، سنويًا، أو أقله عجزها وعدم قدرتها على الوفاء بمهامها المنوطة بها، وفي مقدمتها تأمين مستلزمات الحياة والصمود لملايين من السوريين المهجرين والنازحين.
هذا التخلي وترك هؤلاء يواجهون مصيرهم وحتفهم جرس إنذار لكل صاحب ضمير حي، ولديه ولو قليلاً من الحس والشعور الإنساني والوطني، كما هو لكل الغيورين من قوى وشخصيات ماتزال وفية لقيم الثورة ومطالبها، لفعل كل ماهو ممكن للخلاص من هذا الواقع المؤلم، التي تضافرت كل العوامل الذاتية والموضوعية في تأزيمه وتعقيده.
في ظل هذا المشهد القاس والمعاناة المستمرة يقف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عاجزاً عن إصلاح ذاته، وتجديد بنيته، وفق لائحة داخلية تستجيب للمتغيرات الكبيرة التي طرأت على الواقع السوري منذ تشكيله وحتى الآن، ودون أي قدرة له على مراجعة مواقفه ونقد وتصويب خياراته المرتهنة، لهذا الطرف أو ذاك من القوى المؤثرة والمتدخلة في الشأن السوري، والحال هذه يصبح معها من يدعي تمثيل السوريين عبئًا عليهم، ووجهًا آخر لاستبداد النظام وفساده وسلوكه المشين، وإذا ما صدقنا المبعوث الدولي بيدرسون، وأخذنا تصريحاته على محمل الجد، حول عدم حديث المعارضة عن رحيل نظام الأسد وتغييره، نصبح أمام كارثة وطنية، وفعل موصوف، ردت عليه المعارضة الرسمية، الحاذقة، بسخرية وتهكم واستخفاف بعقول ومشاعر السوريين عبر تجهم أنس العبدة، رئيس هيئة المفاوضات، في وجه بيدرسون واعتبار مسؤول (الاستراتيجيات؟!) ذلك “صدقة” وكأننا في عالم التكايا ومجالس الذكر والرحمن، لا عالم السياسة وصراعات الدول والمصالح، والمخططات والمشاريع الطامعة والمتنافسة.
هذا كله، تزامنًا مع لقاء مرتقب يثير اهتمام المتابعين والمشتغلين بالهم الوطني العام من السوريين، سيعقد في العاصمة القطرية/ الدوحة، بداية الشهر القادم، شباط/ فبراير، لما يمكن أن يتمخض عنه، يحدوهم الأمل بأن يستطيع الخروج بالحد الأدنى مما هو مطلوب، رغم ضآلة آمالهم، وانخفاض مستوى توقعاتهم، بناءً على تجاربهم المريرة مع غالبية من تصدروا المشهد، الذي يتم جمعهم في كل مرة، تحت مسميات وعناوين مختلفة، تضطر القوى المؤثرة لفعل شيئ ما، ويعاد توزيع أدوارهم وسط استمرار حالة الضياع والتيه الوطني.
ولا يغيب عنا في مقابل ذلك تعثر محاولات بعض الشخصيات والقوى السورية، الجادة والمخلصة، لكنها مبعثرة، ومشرذمة، ومختلفة، على ما يمكن أن يشكل بداية لحالة نهوض وطني، وهم يقتربون من الدخول في العام الثاني عشر لثورتهم المجيدة.
حيال هذا الواقع ندعوا من هذا المنبر الوطني لتغليب القضية الوطنية على ما عداها من قضايا يقينًا منا أن خلاص السوريين بوحدتهم أولًا وتجاوز انقساماتهم وقدرتهم على صياغة بديل وطني حقيقي يمثل كافة السوريين، ويتوجه إليهم جميعًا، ويحسهم على تجاوز كل العقبات التي تهدد وجودهم ووحدة كيانهم، بل بقاءه.
من المؤسف أن يطال الانقسام والفرقة كل شيء في حياة السوريين، واصطفافهم بمجموعات كقبائل متحاربة لاتحترم اجتهاداً أو رأيا آخراً، أو جهداً، لمن يحاول أن يعطيهم بعض الأمل في غدهم وينصفهم أمام ما تعرضوا له من قتل، وتشريد، وتهجير، واعتقال، وآخر أمثلتنا على ذلك اللغط المثار حول الحكم الذي صدر بحق الضابط السابق، أنور رسلان، بالسجن المؤبد من قبل إحدى المحاكم الألمانية وفق مبدأ الولاية القانونية، والذي من المنتظر أن يتبعه حكمًا آخر بحق علاء موسى الطبيب الذي حنث بيمينه وحول مهنته المقدسة لأداة إجرام وقتل خدمة للطاغية الدولي بشار الأسد، متخليًا عن إنسانيته وآدميته قبل كل شيء.
مع اقتراب الذكرى الثانية عشرة للثورة نعتقد أنه مطلوب من السوريين، وهم قادرون على ذلك، تجاوز كل الأطر التي شوهتهم، وزورت إرادتهم، والارتقاء إلى مستوى قضيتهم وعذاباتهم بروح كفاحية مبادرة وخلاقة، يستعيدون فيها وهج الثورة وبريقها، ويعيدون لها نبلها، حتى تستعيد جماهيرها ثقتها بنفسها وتنال تاليًا ثقة العالم، وتضعه أمام مسؤولياته .
هذا خطابنا العاجل والمكرر لكل قوى الشعب السوري المكلوم بنظامه ومعارضته والمجتمع الدولي، إيماناً منا بأن طُهر قضيتنا وقداسة تضحيات الشعب السوري تستحق أداءً وسلوكا مختلفين.
أيها السوريون: لقد طمى الخطب …فماذا أنتم منتظرون.؟!