فقد الكثير من أطفال إدلب ذويهم في الحرب، ليجدوا أنفسهم محرومين من السند والحنان والرعاية، في ظل ظروف صعبة، يفاقمها ضعف استجابة المنظمات الإنسانية لأوضاعهم واحتياجاتهم .
التخلي عن الدراسة
معظم ﺍلمنظمات الإنسانية والمشاريع ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻡ ﺧﺪﻣﺎﺗﻬﺎ ﻟﻸﺭﺍﻣﻞ ﻭﺍﻷﻳﺘﺎﻡ في إدلب، ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﺗﺆﺩﻱ ﺃﺩﻭﺍﺭﺍٌ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﻣﻦ ﺻﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻋﻠﻴﻬﻦ، ﺇﺫ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺑﺮﺍﻣﺞ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﻭﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﺨﺪﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻪ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺟﻤﺔ، ﻻﺳﻴﻤﺎ ﺃﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺳﻤﻮﻥ ﺍﻟﺰﻭﺟﺔ ﺍﻟﻜﻔﺎﻻﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ ﻷﺑﻨﺎﺋﻬﺎ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻔﺎﻻﺕ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻻ ﺗﻜﻔﻴﻬﺎ ﻣﺼﺎﺭﻳﻒ ﻟﻬﺎ ﻭﻷﻃﻔﺎﻟﻬﺎ، ﺧﺼﻮﺻﺎٌ ﺑﻌﺪ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ الأسعار ﺃﺿﻌﺎﻓﺎً ﻣﻀﺎعفة، لذلك يضطر الكثير من الأطفال الأيتام لترك مقاعد الدراسة، والتوجه نحو العمل لكسب لقمة العيش بعد فقد المعيل.
خالد الشحود (11 عاماً) نازح من معرة النعمان إلى مدينة إدلب، هو الابن الأكبر لأسرته، يعمل في فرن للخبز، ويتقاضى مبلغ 15 ليرة تركية بشكل يومي، وعن معاناته يقول: “فقدنا والدي بشظية قذيفة منذ سنتين، وقد كنت آنذاك في الصف الثالث فتركت المدرسة سعياً وراء لقمة العيش .”
ويتابع بحزن: “أحب المدرسة، وكنت أتمنى أن أكمل تعليمي، لكن وفاة والدي وضيق الحال أجبرتني على العمل .”
يبين الطفل أن عمله يستمر من الصباح الباكر حتى المساء، ويعود منهكاً من الوقوف طوال اليوم.
المصير المجهول
تعاني النساء الأرامل في تربية أبنائهن، حيث يغيب الأب وتتولى المسؤولية وحدها، وتخشى عليهم من الوصم المجتمعي والانحراف إن فشلت في تربيتهم.
دلال البرق (38 عاماً) أم لخمسة أطفال، أربعة فتيات، وصبي واحد هو أكبر أولادها بسن السادسة عشرة، فقدت زوجها بغارة حربية على مدينتهم سراقب منذ أكثر من سنة، وتعاني في تربية أبنائها، وعن ذلك تتحدث لإشراق بالقول: “ولدي يعتبر نفسه قد أصبح رجلاً بعد وفاة والده، ومسؤولاً عن الأسرة، حيث يعامل أخواته بأنانية، ويدخن السجائر، حتى دون أن يكون قادراً على تأمين ثمنها .”
أما عامر الكردي (15 عاماً) النازح من بلدة جرجناز بريف إدلب الجنوبي، فقد أصبح عدوانياً بعد وفاة والديه، واختار الانضمام لإحدى الفصائل العسكرية في إدلب، وعن ذلك يقول لإشراق: “قتل النظام السوري أبي وأمي نتيجة سقوط برميل متفجر، وانهيار المنزل فوقهم منذ خمس سنوات، ثم انتقلت للعيش في كنف أهل أبي، ولكنني أفكر بالانتقام لوالديّ من نظام الأسد المجرم، من خلال حمل السلاح والقتال في الصفوف الأمامية ضده .”
المعاناة النفسية
يقع الأطفال الأيتام فريسة الضغوطات النفسية التي تفاقم أوضاعهم وتهدد مستقبلهم.
المرشدة النفسية رانية الدياب (33 عاماً) من مدينة أطمة تتحدث لإشراق عن معاناة الأطفال الأيتام بقولها: “تحتاج الأسر التي فقدت المعيل إلى تلبية حاجاتها الغذائية والصحية والنفسية والتربوية، مما يضع مؤسسات المجتمع المدني والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية أمام مسؤولياتها تجاه تلك الأسر، والسعي لتأمين مصدر دخل يبعدهم عن العوز ويضمن حياة كريمة لهم .”كما تطالب المنظمات الدولية والمحلية المعنية بشؤون الطفل، بالتدخل السريع لمنع تفاقم مشكلة عمالة الأطفال الأيتام التي تؤثر سلباً على الطفل، وتحرمه من حقه في التعليم، والسعي لإبعاده عن التأثيرات المضرة وسوء المعاملة والاستغلال في بيئات العمل.”وتبين الدياب أن الطفل اليتيم قد يتعرض للضغوط النفسية التي تتمثل بالاكتئاب في سن مبكرة، والعزلة الاجتماعية وقلة تواصله مع أقرانه والمحيط، ويمكن أن يصبح أكثر عنفاً، ناهيك عن الخوف عليه من الانحراف، مؤكدة على ضرورة تكثيف الجهود لنشر الوعي بخطورة عمالة الأيتام، والتركيز على صقل الأطفال دراسياً ليتمكنوا في المستقبل من انتشال أسرهم من الفقر.
لا توجد إحصاءات دقيقة بعدد الأيتام في سورية، لكن التقديرات المختلفة تشير إلى وجود قرابة مليون طفل يتيم في سورية، فمع بداية العام 2018 قدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” عدد الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما بنحو مليون طفل، 90% منهم غير مكفولين.
وذكرت المنظمة في دراسة خاصة لها أن سورية تعد أحد أخطر المناطق في العالم بالنسبة للأطفال، مشيرة إلى أن “آلاف الأطفال فقدوا حياتهم وأشقاءهم وشقيقاتهم وأصدقاءهم ومن يقدمون لهم الرعاية ومنازلهم واستقرارهم، كما بات عشرات الآلاف منهم معاقون إعاقات دائمة، مع تقطع السبل بمئات الآلاف من الأطفال في المناطق المحاصرة.
ووفق إحصائية لفريق (منسقو استجابة سورية) بلغ عدد الأطفال الأيتام في مناطق شمال غرب سورية 203743 طفلاً دون سن الثامنة عشرة، فيما وصل عدد النساء الأرامل دون معيل إلى 47771 امرأة .
يدفع الأطفال الأيتام فاتورة الحرب، حيث لا يتوقف ألمهم عند فقد ذويهم، بل يفقدون القوة والسند في الحياة، كما يخسرون فرصهم بمتابعة تعليمهم، مما يضعهم أمام مستقبل مجهول، ومعاناة لا تنتهي.
المصدر: اشراق