رحل عن عالمنا بالأمس تاريخ 10 كانون ثاني / يناير 2022، الأخ الكبير الدكتور محيي الدين بنانه، عن عمر يناهز 73 عامًا، قضاه في العمل الوطني والعروبي، وفي مقارعة الاستبداد الأسدي، كان في مسيرته مثال المناضل الناصري المؤمن بعروبته ووطنه، المتطلع نحو الحرية والكرامة، وهو ما دفعه إلى الانحياز مباشرة مع بدايات الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة في أواسط آذار/ مارس 2011 إلى جانب شعبه الثائر في كل المحافظات السورية، ومنها بالضرورة ضمن حلب الشهباء، حيث الثورة والحراك الشعبي ضد الطغيان الأسدي.
كان أبو أحمد هادئًا دمث الخلق، يتحدث بعمق فيمتلك ناصية الحق والحقيقة، ويحاور بكل إيمان بمنطق الحوار الوطني نحو ملاذات لابد منها في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي نذر عمره من أجلهما. وككل المناضلين فقد اضطر أبو أحمد إلى المغادرة خارج الجغرافيا السورية بعد توقيفه من قبل نظام القهر الأسدي، كمرحلة مؤقتة من أجل عودة مظفرة إلى الوطن بعد سقوط الطاغية الفاشيستي. وهو ولم يرد الابتعاد كثيرًا عن الوطن السوري الجريح بل ظل في تركيا/عينتاب على مقربة من حلب الشهباء وإدلب اللتين أحبهما.
الدكتور محيي الدين بنانة من المؤسسين الأساسيين لملتقى العروبيين السوريين، وأول رئيس للهيئة الادارية للملتقى، وهو الذي شارك في العديد من الهيئات والتجمعات الوطنية السورية والعربية المكافحة ضد الطغيان الطاغوتي الأسدي، خلال السنوات العشر المنصرمة من عمر ثورة الحرية والكرامة.
في هذه الورقة نحاول أن نقف مع أصدقاء الراحل، وفي محاولة لايفاء الفقيد بعضًا من حقه وهي شهادات لابد من الوقوف معها لأهمية الغياب الكبير للراحل.
فقد أكد السيد عبد الرحيم خليفة الكاتب العروبي ورفيق درب الراحل : بقوله: “عرفت الراحل الكبير في أواسط الثمانينات من القرن الماضي في إطار التنظيم الشعبي الناصري (الفرع السوري لتنظيم الطليعة العربية) وامتدت علاقتنا الشخصية والنضالية حتى اليوم الأخير من حياته. فقد تشاركنا في العمل في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي بعد عودته من غربته القسرية واندماج تنظيمنا (الشعبي الناصري) مع حزب( الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي) في إطار وحدة العمل الناصري.
كما تشاركنا في العمل في المنظمة العربية لحقوق الانسان، وبعد الثورة في تأسيس التيار الشعبي الحر والتجمع الوطني السوري للانقاذ، وملتقى العروبيين السوريين.
في كل المراحل التي مررنا بها وعملنا معًا كان راحلنا واضحًا في جذرية مواقفه دون مجاملة لأي كان، كما أنه عرف بهدوءه وأخلاقه وإخلاصه واتزانه.
لاشك أن رحيله خسارة إضافية وكبيرة ليس لنا فقط بل لكل أطر العمل الوطني والعروبي، في وقت نحن أحوج مافيه لأمثاله بموقعه العلمي والاجتماعي، إضافة للسياسي والنضالي.
أشعر شخصيًا بالفقد والمرارة وأنا أودع أخًا ورفيقًا جمعتنا الأحلام والأمنيات، الاخفاقات والمرارات سنوات عديدة. رحمه الله وعوضنا بأمثاله، وسنظل أوفياء لما آمنا به وعاهدنا أنفسنا. تغمده الله بواسع رحمته”.
أما صديق الدكتور محيي الدين بنانة الكاتب والإعلامي السوري ياسر الحسيني فقال:
” هناك رجالات لا تستطيع أن تختزل تجربتهم الحياتية أو السياسية ببضعة أسطر، ولا حتى تجربتك معهم مهما كانت متواضعة أو قصيرة زمنياً قياساً لعمره النضالي الذي أكاد أن أجزم بأنّه يتجاوز عمر نظام الاستبداد الأسدي نفسه من الأب إلى الإبن.
لابدّ أن يترك أثراً لديك .. لطالما سنحت لك الفرصة الالتقاء به …هو كذلك الدكتور المهندس محي الدين بنانة، رجل العلم والسياسة والنضال ضدّ الديكتاتورية، الذي عاش معظم فترات حياته خارج السجن الكبير (سورية) ينتظر لحظة بزوغ شمس الحرية ليعود إلى ضيعته ويداعب بأصابعه تربتها الحمراء، هناك في الجبال القريبة من حارم حيث الطبيعة الساحرة التي استمدّ منها شغفه المزمن بالانعتاق ومن جبالها أخذ الصلابة ونسج منها شخصية المقاتل العنيد على مقاعد العلم وفي ميدان السياسة. رغم تعب قلبه الذي أجهده في الغربة وهموم الوطن العربي، ظلّ منتصباً في مدرجات الجامعة يلقي المحاضرات العلمية من ليبيا إلى سورية ثم تركيا ليقضي آخر لحظات عمره وهو يتحضر للذهاب إلى جامعة غازي عينتاب حيث ينتظره طلابه. ولكن الفارس لم يصل فقد ترجل لأنّ القلب لم يعد يستطيع مجاراة تلك الحماسة التي بزّت حماسة الشباب.
حزني على فقدانه قد يعوضني عنه معرفتي به عن كثب خلال العامين الأخيرين، فلقد كانت مغنماً بالنسبة لي في زمن قلّ فيه الرجال الصادقين وعزّ فيه أصحاب المبدأ.
عزائي أننا قضينا وقتاً معاً كعلاقة عائلية أعتزّ بها، وكذلك في ميدان السياسة والحراك الثوري ولكن الأجل داهمه وداهمنا قبل أن يجد ما نحلم به قد صار واقعاً بزوال نظام الإجرام عن ربوع بلادي. رحمك الله أبا أحمد عشت رجلاً لا يعرف لليأس وجوداً وغادرتنا رجلاً كما الأشجار تموت واقفة.”
من جهته فقد كتب الإعلامي ومدير راديو فجر في عينتاب السيد علاء الدين حسو تحت عنوان (الرجل الذي قال “لا” في عصر “نعم”) “رحمه الله وغفر له، كان من حسن حظي أن أحظى بتسجيل مطول على مدار ستة حلقات ضمن برنامج حوار مع مغترب وأن أتعرف على الدكتور محي الدين بنانة الإنسان. ذلك ابن قرية قرقانيا الفقير الذي انتقل لحلب ليدرس ويتخرج ثم يكمل الدراسات العليا ونشاطه الرائع في الجامعة وكيف رفض أن يعطي علامة النجاح لباسل الأسد الذي كان عنده طالبًا. وتعرفت على رب الأسرة الحنون والخائف على ابنه وأسرته وكيف كان جل همه سلامة أهله أثناء فراره من سورية فلبنان فمصر والاستقرار في ليبيا .
وتعرفت على نضاله الوطني المخلص منذ بداية حياته حتى آخر لحظة، كان مؤسسًا معًا في الصالون السياسي وكان همه الاستمرار.لا يمكن اختزال حياته بكلمات قصيرة. هو باق والشعلة مستمرة. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.”
الدكتور زكريا ملاحفجي صديق الراحل وزميله في الصالون السياسي قال: ” الدكتور محيي الدين بنانة عرفناه مثقفًا عروبيًا مناضلًا ضد الاستبداد، لين الجانب ظريف المعشر هادئ الطبع جمعتني معه الكثير من اللقاءات التلفزيونة والنقاشات وكنا نتوافق كثيراً، كان وزيراً للتربية في الحكومة السورية المؤقتة حريصًا على ملف التعليم لأن التغيير والثورة هي على الجهل وباتجاه الانفتاح والمعرفة. الدكتور محي الدين خسارة لنا ولسورية”.
أما الكاتب السوري والمناضل السيد محمد عمر كرداس فقال :” طالما اختلفنا واتفقنا ولكن كانت أعيننا نحو هدف واحد مشترك هو كرامة وحرية الشعب السوري والعربي عامة فنحن إخوة ننتمي لتيار واحد على مدى الوطن العربي. تميز الراحل بالأخلاق والحس الوطني والعمل الدؤوب لنصرة شعبنا وقضيته العادلة. رحمك الله أبا أحمد وإنا لله وإنا اليه راجعون والعزاء لزوجتك وأولادك وأصدقاءك ورفاق دربك الذين فقدوا ركنًا مهيبًا من أركان العمل الوطني”.
المهندس والمناضل السيد أحمد طه قال عن الراحل:” رحم الله الدكتور محي الدين بنانه الذي ورغم كبر سنه وكثرة أمراضه إلا ن روحاً شابة عاشت معه، فقد كان صديقًا للجميع ومن مختلف الأعمار، عرفته في عنتاب وجمعتنا قاعات حوار بعض المنتديات كما جمعتنا بيوت الأصدقاء فقد كان حريصًا على التواصل وتبادل الزيارات، التي عادة ما كانت تتخللها نقاشات وحوارات حول الهم العام، والتي كان يصر المرحوم على اضافة مسحة من التفاؤل عليها، مخالفًا لنا جميعًا في رؤية ضوء في نهاية النفق، رحمك الله يا أبا أحمد ، فلم تعش حتى ترى الضوء الذي طالما بشرت بوجوده”.