بعد عَقد من اندلاع انتفاضة عام 2011 ضد الأسد، تواجه مايسمى الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا التي تسيطر على شمال شرق سوريا، العديد من التحديات المتعلقة بالحكم. وفى هذا الصدد، أجرى الكاتب مقابلة وجهاً لوجه مع اللواء مظلوم، قائد قوات سوريا الديمقراطية المسؤول عن حماية الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا لمناقشة قضاياها الحالية والمستقبل المحتمل.
في ظل حماية قوات سوريا الديمقراطية، تحاول الإدارة الذاتية البقاء على قيد الحياة وذلك رغم حالة عدم الاستقرار المستمرة. ومع ذلك، شهدت العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية إخفاقات متعددة وعانت من نكسات عديدة كخسارة عفرين وتل أبيض ورأس العين والعجز عن بناء مسار دستوري والضعف الإداري.وفي ظل هذه الخلفية، هناك تقارير مقلقة تفيد بأن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بدأت بتوظيف بعض الأساليب الاستبدادية بشكل متزايد لقمع المعارضة. وحاليا، تخشى الإدارة الذاتية من تعرضها لتصدع جديد في علاقاتها الخارجية خاصة في ظل التقارب الروسي التركي ، وتهديدات أنقرة بالاستيلاء على المزيد من أراضي الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ودعم طهران لنظام الأسد ومخاوف الإدارة الذاتية من تكرار الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وسط تراجع الثقة في التزامات واشنطن تجاه شركائها في الشرق الأوسط.
هذا كله يؤجج السخط المحلي والارتياب من المستقبل لدى سكان شمال شرق سوريا على تلك الإدارة.فاليوم في شمال شرق سوريا، أدت سوء الخدمات والتقارير المتضاربة عن انتهاكات حقوق الإنسان، وإن كانت واسعة الانتشار، الى زيادة استياء الرأي العام المحلي، حيث يرى منتقدي الإدارة الذاتية أن اتصالاتها الاستراتيجية غير شفافة بشكل متزايد، مما يعمق من عدم ثقة الجمهور بشأن مستقبلها، ويكرس عدم ثقتهم في الهيئة الحاكمة.
كان هذا الواقع الصعب – المرتبط بتزايد التذمر الداخلي، وتراجع الأمل في المستقبل، والزيادة المذهلة في الهجرة – بمثابة نقطة الدخول في لقاء قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، الذي يقود مجموعة كبيرة من القوات التي تسيطر على ثلث سوريا وحوالي 40 في المائة من اقتصادها.
في محض رده على سؤالنا الخاص عن الاستياء العام في مناطق حكمه قال الجنرال مظلوم:
مرت الإدارة الذاتية بعدة تحديات ومعارك منذ عام 2020، بدأت بتهديدات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وبعدها الهجمات التركية على شمال سوريا، وبعدها جائحة كورونا، هذا بالإضافة إلى الحصار الاقتصادي المفروض علينا. وتتمثل الأزمة الحالية لدينا في الاقتصاد، وهي أزمة عامة في عموم سوريا، ونعمل حاليا على معالجتها. المعارك انتهت، والشعب يتساءل ويبحث عن مستقبله السياسي وهذا يولّد تحديات لنا. ومع ذلك، وفي حال مقارنة وضعنا مع جيراننا الداخليين سواء تحت الاحتلال التركي أو حكم دمشق فإن وضعنا أفضل بكثير.
ماهي تلك التحديات وهل قانون قيصر واحد منها؟ وما هي الحلول المطروحة؟
لابد أن يعلم الجميع أن الأساليب العسكرية لا تكفي وحدها لمحاربة تنظيم ” داعش”، فتحقيق النصر القاطع لا يمكن أن يتأتى إلا في وجود الدعم الاقتصادي والإداري لروج آقا. وفى ما يتعلق بقانون قيصر، كان للقانون أثرا سلبيا على الاقتصاد، ولكنه ليس السبب الرئيس لهذه التحديات. لقد طلبنا استثناء الإقليم من تلك العقوبات، وكان هناك قبول أولي وننتظر صدور قرار رسمي به.
كيف هي علاقتكم مع الحكومة في دمشق؟
علاقاتنا مع النظام متواصلة ولم تنقطع، ونحن نريد أن نصل إلى حل للخلافات بيننا، والذي استنبطناه هو أن نظام الأسد غير جاهز حاليا للتوصل لحلول، و يتحدث النظام من موقع المنتصر، ومن وجهة نظره يحق له فرض قراراته والعودة الى ما يشبه عام 2011!
وأنتم ما رأيكم في موقف النظام السوري؟
نحن لا نقبل العودة إلى السابق. الإدارة الذاتية موجودة منذ عشرة سنوات وعليهم تقبّلها دستورياً. أيضاً، وبالنسبة للملف العسكري وأقصد قسد والأسايش (وحدات الشرطة في شمال شرق سوريا) لابد على النظام أن يعترف بهما. لكن، النظام غير مستعد لتلك الخطوة بعد.
كما أن التوصل إلى حل لن يتحقق إلا بفرض ضغط مستمر من قبل الأطراف الدولية على نظام الأسد. ونحن نؤمن أنه في حال حدوث اتفاق بين شرق الفرات وغربها وبرعاية دولية فإن كل المشاكل في سوريا ستُحل تباعاً.
من هي تلك القوى وما رأيك باللقاءات الحالية حول سوريا؟
أننا نرى أنكل من روسيا والولايات المتحدة الامريكية هما اللاعبان الرئيسيين في المنطقة، وفي اعتقادنا انه في حال حصول اتفاق بينهما فإنهما يمكنهما تحقيق تقدم في الملف السوري.
كما أننا لا نعتقد أن اللقاءات الدولية سواء في جنيف أو أستانة أو سوتشي ستتمكن من إيجاد مخرج ما، وذلك لأن الأطراف التي ترعاها غير جدية. لا النظام ولا المعارضة القريبة من تركيا يريدون الحل لكونهم يستفيدون من استمرار الصراع.
هل تعنّتت دمشق نابع من الأيديلوجية البعثية أم من الدعم الذي تتلقاه؟
إن تعنت النظام في الحوار والتوصل لحلول ينبع من إيديولوجية وسياسة حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا الذي يرفض تقبل الآخرين.
كيف هي علاقاتكم مع المُعارضة؟
علاقاتنا مع المعارضة ليست جيدة، خاصة بعد احتلال عفرين وتل أبيض ورأس العين، وتعاملهم مع تركيا وطلبهم منها احتلال تلك المناطق. كما انه لدينا علاقات مع بعض أطراف المعارضة في الخارج كمنصتي موسكو والقاهرة ولدينا علاقات مع شخصيات مُعارضة بارزة. ولكن، ليس لدينا علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين.
كردياً، كيف هي علاقاتكم مع القوى الكردية الرئيسية وأذكر هنا أربيل وخاصة مع صدى المناوشات بين عناصر حزب العمال الكردستاني وقوات البيشمركة في إقليم كردستان؟
نحن في روج آقا ليست لدينا مشاكل مع الإقليم، و لدينا علاقات مع حكومته ونسعى الى بناء علاقات مع الجميع أي مع جميع الأحزاب وقياداتها. ومع ذلك، ارتفعت وتيرة الخلافات في الفترة الأخيرة. فمنذ عقدين من الزمن ولم يحدث اقتتال بين الأكراد. صحيح أن الكُرد لم يحققوا وحدتهم، ولكنهم لم ينجّروا إلى حروب أهلية داخلية. فمنذ بدء الربيع العربي والكل يقاتل الكل، واندلعت الحروب الداخلية في كل مكان. لكن، بين الأكراد لم يحدث أي اقتتال. الكُرد يحلّون خلافاتهم بالحوار. سفك الدم الكردي أصبح مُحرّم. وصحيح في هذه الفترة الأخيرة كان هناك ملامح خطر، ولكنه لم يتطور الى صراع مسلح.
إقليمياً شاهدنا ظهور إبراهيم رئيسي في طهران وهناك مفاوضات حول الملف النووي ما أثر تلك التطورات على الوضع في سوريا وعلى الإدارة الذاتية؟
كل شيء مُرتبط بنتائج المفاوضات مع الولايات المتحدة الامريكية. بالنسبة لنا، لا نريد أن يكون إقليمنا جزء من الصراع الإقليمي ولا الصراع الأمريكي الإيراني. قلنا هذا لهما. لكن، كان من المُفترض على إيران أن تلعب دور إيجابي في الملف السوري كونها تملك التأثير على النظام السوري.
في حال حصول الاتفاق مع إيران هل سيتراجع دوركم في المنطقة لدى الغرب؟
لا اعتقد ذلك. مشكلاتنا مع إيران حُلّت حتى قبل وصول الأمريكان. لا توجد مشاكل حالياً مع إيران، وإن كانت هُناك مشاكل فإنها تظهر بعيدة عنا، ولكنها تؤثر علينا.
هناك جهود تبذلها بعض الدول الخليجية للتقارب مع النظام هل لهذا الانفتاح تأثير على العلاقات بينكم وبين تلك الدول؟
من المفترض لا. لسنا ضد علاقاتهم مع دمشق، ولكن لا يجب أن تكون هذه العلاقة على حسابنا وحساب الشعب السوري. وإن كانت علاقاتهم مع النظام ستنعكس بالإيجاب على المشكلة فنحن ندعمها. لكن، عندما يرى النظام في هذه العلاقات قوة وتزداد عدوانية فعندها ستتحول هذه العلاقات إلى شيء سلبي.
هل هناك أمل في الوصول إلى سلام مع تركيا؟
بشكل عام نريد حل خلافاتنا مع تركيا بالحوار، فنحن كقسد وضّحنا مراراً أننا لسنا طرف في الحرب بين تركيا وحزب العمال الكردستاني. نحن مستعدون لأي لقاء معهم. المشكلة الرئيسية في الحكومة الحالية في أنقرة حيث أن التقارب الحالي بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بقيادة بخجلي يهدف الى شن حرب على الأكراد. وهم يرفضون وجود كيان كردي في سوريا وقالوا إنهم لن يكرروا خطأ العراق. لكن، اعتقد أن هذا النهج العدواني لن يدوم. حالياً، هم يزدادون ضعفاً، وفي النهاية، وتحت الضغط الداخلي والدولي، سيبدؤون بالخطوة التالية (الحوار).
كيف تنظرون إلى علاقاتكم مع روسيا؟
لدينا تنسيق وعلاقات عسكرية قوية ولدينا نقاط عسكرية مُشتركة. علاقاتنا السياسية موجودة ومستمرة ونرغب من روسيا زيادة دورها. لقد لعبوا دور الوسيط بينا وبين دمشق، ونعتقد أن الروس هم الجهة التي تستطيع التأثير المباشر على النظام.
لكن روسيا التي لعبت دور في درعا نكثت بعهودها وساعدت دمشق؟
الوضع في درعا وهنا مختلف، درعا هُزّمت عسكريا وبعدها حدثت المصالحة. لم نهزم ولم نقبل المصالحات. لدينا اتفاقات سياسية وروسيا جاءت لأننا طلبنا منها ذلك بسبب الدولة التركية. الوضع هنا مُعقّد أكثر ويوجد أكثر من ضامن. لذا، من الصعب على روسيا أن تقوم بشيء مُماثل وهي تحتاج الى هذه المنطقة.
وقضية المقايضات الروسية التركية السابقة؟
لم يعد هناك أي شيء تُقدمه روسيا لتركيا. روسيا وضّحت موقفها وأعلنت أنها لن تقبل أن يتم احتلال أي أراض سوريا جديدة من قبل تركيا.
لقد بدأت علاقاتكم في عهد أوباما ومرت بترامب وحالياً مع بايدن ففي أي فترة كانت علاقاتكم أفضل؟
بصراحة، تعرفنا على أوباما في كوباني، وتعاونا ضد تنظيم “داعش” واستمرينا حتى نهاية حكمه، واستمرينا مع ترامب، ولكن، ربط إدارة ترامب التزاماتها نحو الإدارة الذاتية بالقضاء على تنظيم ” داعش” عسكريا سببت تلك المشاكل بيننا. ما فعلته إدارة ترامب سببت أضرار لهذه المنطقة وللمكتسبات التي حققناها نحن والجيش الأمريكي معاً. بعدها شعرت إدارة ترامب بالخطأ وحاولت تلافي الأخطاء. حالياً، نجد أنه هناك فرق بين الإدارة الديمقراطية الحالية والجمهورية سابقاً. نرى حالياً القرارات أكثر مؤسساتية، ونشعر بإنهم أكثر شفافية معنا حيث يتشاركون ويتناقشون معنا في القضايا الخاصة بالمنطقة، وبنا. ولديهم التزامات واضحة ومنها البقاء هنا وعدم الانسحاب.
كيف كانت تداعيات الانسحاب من أفغانستان عليكم؟
في البداية كان هناك خوف وقلق لدى الشعب والمعنيين من الأوساط السياسية. لكن، الأطراف السياسية والعسكرية الأمريكية كانت لديهم لقاءات معنا وأكدوا لنا أن سوريا ليست أفغانستان وأن قسد ليس الجيش الأفغاني وأكدوا أنهما ملفان مُنفصلان.
الكل تشدّد ضدنا حتى داعش والقاعدة! نظام الأسد وكافة الأطراف أخبرونا بضرورة عدم ثقتنا بأمريكا. الجميع قال إن أمريكا ستنسحب من هنا بذات الطريقة التي حدثت في أفغانستان وكل طرف أراد الاستثمار في هذا المجال.
ماذا تريدون من بقاء الجيش الأمريكي في سوريا؟
بالمُختصر: نحن لا نقول على الجيش الأمريكي البقاء هنا للأبد ولا أن يقوموا بحمايتنا. لكن، نقول إنهم لا بد أن يبقوا حتى الوصول إلى حل سياسي. نعم هزمنا داعش، ولكن الحرب ضده ما زالت مُستمرة. للوقوف في وجه داعش نحتاج إلى الوصول إلى حل سياسي. بالمختصر، نريد أن نحول بقاء أمريكا هنا إلى أرضية للوصول إلى حل سياسي.
في النهاية برأيك سوريا إلى أين؟
شخصياً، أنا متفاءل. النظام السوري مُجبر على تغير مواقفه. الوضع الداخلي والاقتصادي والدولي لا يسمح له بالعودة إلى عام 2011. كذلك القوى الدولية بدأت تشعر أن المشكلة السورية لا بد أن تحل. الجهات التي تريد خيار الحرب كتركيا والنظام السوري لا مستقبل لهم. الجهات التي تنادي بالحوار هي التي تتقدم. في حال البدء بذاك الحوار سنكون موجودين ضمنه كوننا واقع ملموس هنا منذ عشرة سنوات. اعتقد انه في عام 2022 ستبدأ تلك الخطوات وسنشهد تقدم للعملية السياسية.
الواقع الذي يتطور في المنطقة الممتدة من الحدود العراقية السورية إلى نهاية الحدود الإدارية في منبج يحتاج إلى رعاية أكبر من التحالف الدولي. هذه الرعاية لا تعني فقط التعاون العسكري بل لا بد أن تتخللها دعم واضح لقادة وأحزاب تلك المنطقة للانخراط أكثر في العملية السياسية في سوريا، وإعلان صريح من واشنطن عن أجندتها السياسية في الملف السوري، والتصدي للعداء التركي الغير مفهوم ضد ذاك الإقليم، وتثبيط الرغبات الروسية المناوئة لشركاء واشنطن في سوريا، والضغط للوصول إلى حل دستوري مع دمشق، والدفع أكثر لتطوير مهارات الإدارات المحلية في مجالات مُرتبطة بالحوكمة، والاقتصاد، والبرامج الإنسانية والاجتماعية، مع التذكير والضغط المستمر على تلك الإدارات للالتزام الأوسع بقضايا الحريات وحقوق الإنسان.
براء صبري هو كاتب وباحث من سوريا، مقيم في إقليم كردستان العراق، ويعمل مع المنظمات الدولية الإنسانية الغير حكومية، ويكتب في العديد من الصحف العربية المعروفة، والمراكز البحثية المختصة عن شؤون الشرق الأوسط السياسية والاجتماعية.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى