تدور حول قاعدة التنف الأميركية في مثلث الحدود بين سوريا والعراق والأردن الكثير من التحركات العسكرية والأمنية التي قد تكون لها امتدادات أوسع من مجرد الإيحاء برغبة إيران في الانتقام لمقتل الجنرال قاسم سليماني.
وأبلغت، يوم أمس (الأحد)، قوات التحالف الدولي الموجودة في القاعدة، فصيل “مغاوير الثورة” الذي يتولى حراسة منطقة الـ 55 كيلومتراً المحيطة بالقاعدة، برفع الجاهزية العسكرية وأخذ الحيطة والحذر تحسباً لأي هجوم من الميليشيات الإيرانية. وقال “المرصد السوري لحقوق الانسان” المعارض إن قوات التحالف الدولي المتمركزة في قاعدة التنف عملت خلال الأيام السابقة على تجهيز ملاجئ لحماية العناصر داخل القاعدة من أي هجمات محتملة قد تنفذها الميليشيات المدعومة من إيران. وجاء ذلك بالتزامن مع مرور الذكرى الثانية لمقتل قاسم سليماني في ضربة جوية أميركية في محيط مطار بغداد مطلع عام 2020، اذ تتزايد المؤشرات الى قيام أذرع إيران في المنطقة بالتجهيز لمحاولة استغلال الذكرى من أجل توجيه تهديدات ضد القوات الأميركية بغية استخدامها ورقة ضغط على طاولة المفاوضات بخصوص الاتفاق النووي.
وفي هذا السياق، ذكر “المرصد السوري”، اليوم (الاثنين) أن الميليشيات التابعة لإيران عمدت خلال الساعات الماضية، إلى نقل أسلحة متطورة إلى ما يعرف بـ”كتيبة الكيماوي” الواقعة ضمن سلسلة جبال تدمر الشرقية، في بادية حمص الشرقية، بالقرب من منطقه الصوانة التي تمتاز بطبيعتها الجبلية، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً جنوب تدمر. وتقع “كتيبة الكيماوي” في منطقة مواجهة لقاعدة التنف، الأمر الذي من شأنه أن يبرر سبب الاستنفار الأميركي في القاعدة.
وتعرضت قاعدة التنف خلال العام الماضي لأكثر من هجوم، كان أشدها الهجوم الذي وقع في شهر تشرين الأول (أكتوبر) باستخدام طائرات مسيّرة، واتهمت الولايات المتحدة طهران بتنفيذ الهجوم رغم أن الأخيرة لم تتبنََّ العملية رسمياً.
ولكن إيران ليست وحدها من تضع قاعدة التنف نصب عينيها، فقد أجرت قوات الجيش السوري والقوات الروسية مناورة عسكرية، أخيراً، في بادية السويداء جنوب سوريا، بالقرب من قاعدة “التنف”، بالتزامن مع مناورات أخرى أجراها التحالف الدولي بمشاركة فصيل “جيش مغاوير الثورة” التابع للمعارضة السورية، الذي يشارك في حماية “التنف”. واعتبر مراقبون أن المناورة الروسية السورية المشتركة ترمي إلى توجيه رسالة إلى واشنطن التي تعتبر قاعدة التنف قاعدتها الأهم في سوريا. ودأب مسؤولون روس خلال السنوات الماضية على مطالبة الولايات المتحدة بإنهاء وجودها العسكري في سوريا لأنه غير شرعي، واتهموا هذا الوجود بأنه السبب وراء عدم تقدم العملية السياسية في سوريا.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تعمل كل من إيران وروسيا بشكل منفصل ضد الوجود العسكري الأميركي في سوريا عموماً وللضغط على قاعدة التنف خصوصاً، أم ثمة تنسيق بين الطرفين؟
قد لا يكون من السهل الإجابة عن هذا التساؤل، لا سيما في ظل عدم وضوح السياسة الروسية إزاء الوجود الايراني في سوريا، وبقاء الموقف الروسي في خانة الألغاز التي يصعب حلها نتيجة تقلبه بين عدم الرضا عن هذا الوجود حيناً والجنوح نحو تشجيعه وحتى التنسيق معه في أحيان أخرى. ويرى البعض أن الموقف الروسي من النفوذ الإيراني المتنامي في سوريا يتغير أحياناً بحسب معايير جغرافية وميدانية. ففي منطقة الجنوب السوري وتحديداً في محاذاة الحدود مع الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ترفض موسكو أن يكون لإيران أي وجود في المنطقة وتنسق مع جهات إقليمية ودولية بغية الحد من التحركات الايرانية هناك. غير أن هذا الرفض المتشدد بخصوص المنطقة الجنوبية يصبح أقل تشدداً في مناطق أخرى، وقد يتحول إلى نوع من الحياد في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” كما في مدينة القامشلي على سبيل المثال.
ولكن الموقف الروسي يصبح أكثر مرونة عندما يتعلق الأمر بضرورة التنسيق مع القوات الإيرانية بهدف محاربة تنظيم “داعش” في البادية السورية. ونظراً الى امتداد البادية الواسع في كل الاتجاهات وصولاً إلى محيط قاعدة التنف جنوباً، يبدو التنسيق الروسي – الايراني في تلك المنطقة أبعد من مجرد العمل على محاربة الإرهاب. وفي ظل سيطرة موسكو على المطارات العسكرية في المنطقة مثل مطار تدمر ومطار “تي فور” ومطار الطبقة ومطار القامشلي، بما يمنح موسكو سيطرة واسعة على الأجواء، يصبح التساؤل عن إمكان قيام القوات الإيرانية بأي تحركات ضد القواعد الأميركية من دون رضا موسكو أو علمها، تساؤلاً مشروعاً ومفتوحاً أمام تكهنات مختلفة.
ويشهد التنسيق الروسي – الايراني في منطقة البادية السورية تنامياً متسارعاً في الفترة الأخيرة وذلك لأسباب عدة من بينها ضرورة مواجهة تصاعد عمليات تنظيم “داعش” ضد القوات السورية والقوات الحليفة لها في المنطقة. غير أن موسكو بدأت تتجاوز، أخيراً، خطوطاً حمراً كانت تحكم علاقتها بالقوات الإيرانية مثل عدم توفير غطاء جوي لأي عملية عسكرية تقوم بها الميليشيات الإيرانية في البادية حتى وإن كان المستهدف هو تنظيم “داعش”.
وتبدّى هذا الاختراق الروسي على صعيد العلاقة بالميليشيات الإيرانية من خلال قيام الطائرات الروسية بمؤازرة ميليشيا “فاطميون” اثناء هجوم قام به تنظيم “داعش” على حقل الضبيات النفطي في ريف مدينة تدمر في 21 الشهر الماضي. وبحسب مراقبين كانت هذه المؤازرة الجوية الأولى من نوعها لمساندة ميليشيا إيرانية من سلاح الجو الروسي.
وسرعان ما تكشفت جوانب أخرى للتنسيق الروسي – الايراني من شأنها أن تضعه في مسار استراتيجي أوسع من مجرد التصدي لتحديات ميدانية يفرضها التنظيم الارهابي.
وأهم هذه الجوانب، يتعلق بقيام قوات الفيلق الخامس المحسوب على روسيا، بالتوغل داخل مناطق سيطرة الميليشيات الإيرانية في منطقة جبل البشري وبوادي المسرب والتبني غرب ديرالزور عند الحدود الإدارية بين محافظتي دير الزور والرقة، يوم الجمعة، للقيام بعمليات تمشيط.
وكشف موقع “عين الفرات” أن هذا التوغل جاء بناء على تنسيق بين القوات الروسية وميليشيا “النجباء” وميليشيا “فاطميون” التابعة لـ”الحرس الثوري” الايراني. وأضاف الموقع المختص بنقل أخبار الميليشيات الإيرانية في المنطقة الشرقية، أنه جرى الاتفاق بين الأطراف على السماح للميليشيات المدعومة روسياً بالتوغل ضمن مناطق النفوذ الإيراني مقابل توغل الميليشيات الإيرانية في مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة “قسد” والتحالف الدولي تحت راية الفيلق الخامس والدفاع الوطني المتواجدين هناك.
المصدر: النهار العربي
وتضمن الاتفاق رفع التنسيق بين الروس والإيرانيين حول الغارات التي تنفذها الطائرات الروسية في البادية السورية بشكل عام وبادية دير الزور بشكل خاص لتجنب وقوع أخطاء بشرية في ظل الانتشار الإيراني في البادية.
ووفق الموقع من المتوقع أن يجري، اليوم الاثنين، اجتماع بين قيادات الروس والفيلق الخامس من جهة، وقيادات “النجباء” و”فاطميون” من جهة أخرى داخل مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي لتثبيت بنود الاتفاق بين الطرفين.