حراك سوري تركي في عينتاب

حسن النيفي

جسّد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002، منعطفاً هاماً في السياسة الخارجية التركية، ففضلاً عن سعي هذا الحزب إلى انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، فقد أبدى اهتماماً واضحاً أيضاً بإقامة علاقات متينة مع محيطه العربي، وعلى وجه الخصوص، مع الدولة السورية، لأسباب كثيرة، لعل أبرزها تخوم الجغرافية  المشتركة التي تمتد إلى نحو (  900 كم ) أضف إلى ذلك أن سورية هي البوابة الاقتصادية نحو، الوطن العربي بالنسبة إلى أنقرة. وقد شهدت العلاقة بين أنقرة ودمشق ازدهاراً ملحوظاً في الفترة الواقعة ما بين 2002 – 2011 ، وخاصة على المستوى الاقتصادي، وكذلك في مجال الاستثمارات المتبادلة.

موازاة مع انطلاقة الثورة السورية في آذار/مارس 2011 ، وانحياز نظام دمشق إلى منهج العنف والتوحّش، حاولت الحكومة التركية إقناع رأس النظام في سورية بتبنّي منهج إصلاحي من شأنه أن يلبي تطلعات الشعب السوري ويضع حدًّا للعنف يحول دون دخول البلاد في حالة من الحرب والاقتتال، وذلك من خلال زيارتين قام بهما وزير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو إلى دمشق، ولكن إصرار نظام الأسد على اتّباع المنهج الأمني المتوحّش قد حال دون أن تثمر الوساطة التركية، ولم تتأخّر أنقرة بإعلان موقفها الصريح والمعلن بالانحياز إلى جانب ثورة السوريين العادلة وحقوقها المشروعة.  وخلال عقد مضى من عمر الثورة، كانت البلاد التركية  ملاذًا آمناً للاجئين السوريين الذين بلغ تعدادهم ما يقارب أربعة ملايين لاجئ، ومع تشعّب مسار القضية السورية وتعدد سلطات الأمر الواقع داخل الجغرافية السورية وانعدام الحالة الأمنية التي تتيح للسوريين العودة الآمنة إلى بلدهم، كان لا بدّ من الوقوف، بل إعادة النظر في الحالة التي سيكون عليها اللاجئ السوري في تركيا، كيف ستكون طبيعة العلاقة بين هذه الكتلة البشرية الكبيرة من اللاجئين وبين الشعب التركي، وما هي الأسس التي يمكن أن تتقوّم عليها تلك العلاقة، وما هي التصورات المشتركة لأي عمل مستقبلي مشترك بين السوريين المتواجدين على الأرض التركية والشعب التركي المضيف؟ وعلى وقع هذه التساؤلات وسواها، قامت الجالية السورية في مدينة غازي عينتاب التركية وبالتعاون والتنسيق مع منظمة منبر الشام، بالدعوة إلى ندوة حوارية حضرها عدد غفير من السوريين، معظمهم من أصحاب الشهادات والمثقفين والمهنيين المنتجين والناشطين في الشأن العام السوري، وأشرف على الندوة المفكر التركي الأستاذ تورغاي ألدمير، أحد الشخصيات الفكرية والثقافية في حزب العدالة والتنية، فضلاً عن كونه رئيساً لمنظمة منبر الأناضول/ وبلبل زادة. عُقدت الندوة بتاريخ 14 – 12 – 2021 ، تحت عنوان ( عملنا المستقبلي المشترك)، حيث تحدث في بداية الندوة الأستاذ تورغاي، مؤكّداً على ضرورة إنتاج تصورات مشتركة بين السوريين والأتراك من أجل مواجهة التحديات المستقبلية التي تهم الطرفين، كما أكّد الأستاذ تورغاي على أن المستقبل الذي ينتظرنا، علينا نحن – سوريين وأتراك – أن نسهم في صياغة معالمه، وعلينا أن نكون مبادرين بالأفعال والأفكار، لنتمكّن من مواجهة ما تفرضه المرحلة القادمة من مستحقات، سواء على المستوى الحياتي المعيشي، أو على المستوى السياسي. ثم أتاح الأستاذ تورغاي المجال للحضور، ليدلي كلٌّ برأيه، ويمكن القول: إن مجمل المداخلات، والتي استمرت قرابة ساعتين ونصف، اتجهت نحو مسارين متوازيين: الأول يشمل المداخلات التي تحدث أصحابها عن مجمل المسائل التي تتعلق بمفهوم تنظيم علاقة السوريين بقوانين المجتمع والدولة التركية، من الناحية الإدارية والتنظيمية، وفي هذا السياق، تطرق البعض إلى ضرورة توفير المناخ الإيجابي للتفاعل بين السوريين والأتراك، وكذلك على ضرورة أن يتحول السوريون إلى قيمة إضافية مُنتِجة في المجتمع التركي، وهذا يوجب على الجميع السعي نحو التمسك بالقواسم والمصالح المشترك، بغية استثمارها وتطويرها بما يخدم الطرفين، فيما ركّزت المداخلات التي تندرج في المسار الثاني على أفق العلاقات السياسية المستقبلية بين الشعبين السوري والتركي، إذ أشارت معظم المداخلات إلى المصالح والروابط المشتركة التي تفرضها عوامل الجغرافية والعمق التاريخي والدين بين سورية وتركيا، الأمر الذي يوجب على الجميع مزيداً من التنسيق والعمل بغية تجاوز السياسات التي تقوم على ردّات الفعل فقط، والانتقال نحو برامج وتصورات أكثر تماسكاً وقدرة على مواجهات التحديات الراهنة والمستقبلية، وفي هذا السياق أشارت بعض المداخلات إلى ضرورة أن يستفيد السوريون من التجربة الديمقراطية التركية التي تتأسس على مفهوم التعددية والتداول السلمي للسلطة، وتكريس مبدأ القانون والمساواة، وخاصة أن السوريين يسعون إلى التحرر من سلطة الاستبداد والانتقال إلى دولة العدالة والديمقراطية.

جدير بالذكر أنه سبق أن انعقدت ندوة مماثلة لهذه الندوة، في مدينة أورفا التركية، وأخرى في مرعش، وكما أكدت الجهة المنظمة لهذه الفعالية، فإن ثمة ندوات أخرى مماثلة، سوف تُعقد في بعض المدن التركية الأخرى، وربما خارج تركيا أيضاً، وذلك ضمن برنامج يهدف إلى إجراء سلسلة من الحوارات واللقاءات السورية التركية المشتركة، لاستخلاص رؤى وتصورات مشتركة، من شأنها أن تكون أساساً لبرامج عمل مستقبلية من جهة، وكذلك من أجل إشراك معظم الشرائح السورية ذات التوجهات الفكرية والسياسية والإنتاجية في صياغة مستقبل العلاقة بين السوريين والأتراك.

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى