كررت الدول الضامنة الثلاث (روسيا وإيران وتركيا) في صيغة أستانا الخاصة بسوريا، مواقفها المتعلقة بمحاربة الإرهاب ورفض الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتهديدات الأمن القومي لدول الجوار.
وانهت الدول الثلاث اجتماعها الدوري الـ 17 الأربعاء، وأدان البيان الختامي ما وصفه بتكثيف الأنشطة الإرهابية في أنحاء متفرقة من سوريا، واستمرار التعاون فيما بينها للقضاء على تنظيمي «الدولة الإسلامية» وهيئة «تحرير الشام» وكل الجماعات والتنظيمات والأشخاص المدرجين على لوائح الإرهاب في مجلس الأمن الدولي.
وأكد البيان على ضرورة دعم التهدئة في منطقة خفض التصعيد الرابعة – المتبقية من أربع مناطق- بشمال غرب سوريا، رابطا ذلك بـ« تطبيق كافة الاتفاقات المبرمة بشأن إدلب بالكامل» في إشارة إلى اتفاق موسكو بتاريخ 5 آذار (مارس) 2020.
وركز البيان على منطقة شرق سوريا، وشدد على تصميم الدول الضامنة على مواجهة المخططات الانفصالية في شمال وشرق سوريا، مشيراً إلى أنه لا يمكن إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، إلا على أساس الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها. وأعربت الدول عن قلقها إزاء تصاعد الأعمال القتالية وكافة أنواع القمع بحق المدنيين في شمال وشرق سوريا من قبل الجماعات الانفصالية (في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية) كما رفضت الاستيلاء على عائدات النفط السورية بطريقة غير قانونية.
واستنكر البيان استمرار هجمات الاحتلال الإسرائيلي على سوريا ووصفها بانها تنتهك القانون الدولي والإنساني وسيادة سوريا والدول المجاورة لها وتهدد استقرار وأمن المنطقة، كما دعا إلى وضع حد للهجمات.
وأبدت دول الصيغة قناعة بأنه لا حل عسكريا للنزاع السوري وأكدوا تمسكهم بتقديم عملية سياسية قابلة للحياة وطويلة الأمد يديرها السوريون أنفسهم بمساعدة الأمم المتحدة بالتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
وفي ختام الجولة الـ 17 قال رئيس وفد المعارضة السورية إلى أستانا، الدكتور أحمد الطعمة لـ«القدس العربي» إن المسار «حقق تقدما على مستوى ملف المعتقلين والمفقودين والمعتقلين والمغيبين قسرياً» واعتبره «أهم ملفات البحث سواء من قبل وفد الأمم المتحدة أو الروس أو الأتراك». مضيفا «ركزنا على مصير المفقودين والمغيبين بوصفه أمانة في أعناقنا حملتنا إياها أمهات المعتقلين وذويهم». واتهم النظام بالتعامل مع المعتقلين على أنهم «رهائن».
وينظر الطعمة بإيجابية إلى استمرار خفض التوتر في إدلب، ويلمس مساع «لتحويل تخفيض التصعيد إلى وقف إطلاق نار دائم» رغم حجم استمرار النظام بالانتهاكات التي وصفها بانها «تراجعت وأصبحت أقل نسبيا» وعن رد «الجيش الوطني» المعارض عن خروقات النظام أشار أن فصائل الجيش ترد، لكنها «تقصف نقاط النظام فقط ولا تستهدف المناطق المدنية وتتجنب ذلك باعتبارها أم الصبي».
الوضع الإنساني
وفي سياق الجهود الروسية لإبطال وصول المساعدات الإنسانية وفق الآلية الدولية عبر الحدود، تضغط روسيا لإيصال المساعدات للشمال السوري عبر خطوط التماس وتستخدم قضية الملف الإنساني كأداة سياسية لزيادة التواصل الدولي مع النظام السوري. ولا توفر موسكو جهدا لرفض العقوبات على النظام السوري وتربط الوضع الإنساني المزري في مناطق سيطرة النظام بذلك. وتجلى ذلك برفض البيان الختامي لكافة العقوبات المفروضة على النظام السوري، باعتبارها أحادية الجانب ومخالفة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة، خاصة في ظل انتشار وباء كورونا. كما أكدت هذه الدول على «ضرورة زيادة المساعدات الإنسانية لجميع السوريين دون تمييز وتسييس وشروط مسبقة» ودعت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية، إلى «تعزيز مساعدة سوريا في عملية إعادة إعمار البنى التحتية».
وفي لقاء مع الصحافيين، قبيل انطلاق الجولة 17 من المسار، قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف: «في كانون الثاني/يناير، تكتمل خمس سنوات على انطلاق هذه المباحثات بشأن سوريا، ونرى بأنها ما زالت تحافظ على دورها في تحقيق الأمن على الأرض، وهنا في نورسلطان بمشاركة وفود من تركيا وإيران وسوريا والعراق ولبنان والأردن، سنناقش كل تلك القضايا التي ستتيح لنا المضي قدما على طريق التسوية السورية». مبدياً قلقه من نشاط «التنظيمات الإرهابية في جميع أنحاء البلاد وضرورة أن نناقش بتفصيل كبير خيارات تصعيد التصدي لها».
من جهة أخرى، وصف رئيس وفد النظام المشارك في اجتماعات أستانا، معاون وزير الخارجية والمغتربين السوري، أيمن سوسان المسار انه «حقق الكثير من الإنجازات» مستدركا «كان يمكن أن تحقق المزيد لو التزم نظام اردوغان بتعهداته مع الجانب الروسي حول الوضع في سوريا». وركز على «العمل لإعادة إعمار ما دمره الإرهاب وعودة السوريين إلى وطنهم ووضع حد للاستغلال الرخيص لمعاناتهم من أجل استخدام أجندات دول معادية لسوريا».
تاريخ الصيغة
ويتزامن انعقاد الجولة 17 من صيغة أستانا مع ذكرى سقوط مدينة حلب بيد قوات النظام السوري بمشاركة روسية وإيرانية كبيرة قبل خمس سنوات. وفرض سقوط أكبر معاقل المدن السورية على المعارضة دخولها في المسار الذي أطلقته تركيا مع روسيا في أستانا. ووقعت الفصائل المعارضة اتفاق وقف إطلاق النار الذي يقضي بخروجها من حلب مع النظام السوري، في أنقرة يوم 29 كانون الأول (ديسمبر) 2016. وأجبرت تركيا الفصائل المقربة منها للمشاركة بالمسار الذي عُقدت أولى جولاته يومي 23 و24 كانون الثاني (يناير) 2017.
وفي محاولة لفرض المسار على المعارضة وتعزيزه، عقدت روسيا وتركيا «أستانا-2» بعد اقل من شهر في 15 و16 شباط (فبراير) 2017 واتفقت الدول على تشكيل لجان متابعة لمراقبة وقف إطلاق النار، وانتهى الاجتماع من دون التوصل إلى بيان ختامي.
وبسبب استمرار عمليات التهجير في وادي بردى وطوق دمشق، قاطعت المعارضة السورية جولة «أستانة-3» في 14 و15 آذار (مارس) 2017 واتفقت الدول على تشكيل لجنة ثلاثية لمراقبة وقف نظام إطلاق النار تضم إيران إضافة إلى تركيا وروسيا.
وعادت المعارضة للمشاركة في الجولة الرابعة يومي 3 و4 أيار (مايو)2017.
وفي الجولة الخامسة يومي 4 و5 تموز (يوليو) 2017 فشلت الدول بالتوصل إلى آلية مراقبة وقف نظام إطلاق النار واتفقت على تشكيل لجان فنية وإنشاء غرفة مراقبة ولم يتم الاتفاق أيضا على طبيعة نشر قوات لتطبيق الاتفاق.
وفي 14 و15 أيلول (سبتمبر) 2017 توصلت الدول الضامنة الثلاث إلى اتفاق لإنشاء منطقة خفض توتر في إدلب خلال الجولة السادسة.
وفي الجولة السابعة في 30 تشرين الاول (أكتوبر) 2017 فشلت الدول في التوصل إلى صيغة بشأن تبادل الأسرى والمعتقلين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وهو ما أعلن موت المسار عملياً.
وانعقدت الجولة الثامنة يومي 21 و22 كانون الأول (ديسمبر) 2017 وتوصلت الدولة إلى اتفاق ينص على تشكيل لجنتين للعمل، الأولى خاصة بالمعتقلين والمفقودين وتبادل الأسرى والجثث، والثانية من أجل «إزالة الألغام». وأقرت تلك الجولة رغبة الدول الضامنة الثلاث بعقد مؤتمر حول سوريا في سوتشي يوم 30 كانون الثاني (يناير) 2018 من أجل تشكيل «لجنة الدستور» وهو ما أدى عمليا إلى الانقلاب على المسار الدولي الذي ترعاه الأمم المتحدة وأدخل المعارضة رسميا بالمسار الروسي في ظل غياب أي دور أمريكي وأوروبي.
وفي 14 و15 ايار (مايو) 2018 عقدت الدول الضامنة الجولة العاشرة، وأكدت على استمرار العمل باتفاقية «مناطق خفض التصعيد».
أما الجولة العاشرة فجرت في منتجع سوتشي الروسية في تموز (يوليو) 2018 وفي تشرين الثاني (نوفمبر) اجتمعت الدول الضامنة في الجولة 11 في نفس الشهر. وتأخرت الجولة 12 نحو ستة أشهر إلى نيسان (أبريل) 2019 وعقدت الجولة 13 في آب (أغسطس) 2019 والجولة 14 في كانون الأول (ديسمبر) 2019. وبعد توقف طويل جرت الجولة 15 في سوتشي في شباط (فبراير) 2021 وفي تموز (يوليو) 2021 عقدت الجولة 16 من صيغة أستانا، ودعمت استمرار عمل اللجنة الدستورية.
من الواضح التركيز الروسي على انتقاد دور «قسد» ومماطلتها في تقديم تنازلات جديدة لصالح النظام السوري، فتخصيص فقرة كبيرة في البيان الختامي لأستانا، تلاه انتقاد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومجلس «سوريا الديمقراطية» والتهديد بنعومة أن أمريكا لن تبقى طويلا في سوريا بسبب عدم الفائدة التي تجنيها هناك. ومن غير المستبعد ان تمارس موسكو ضغطا عبر تركيا في حال عدم تقديم تنازل سياسي لصالح النظام من قبل الحزب الكردي وذراعه العسكري في شرق سوريا.
المصدر: القدس العربي