لم تلبث الدورة السابعة عشر لمؤتمر أستانة أن تعلن عن بيان انتهاء أعمالها الذي تلقفه السوريون الأحرار ببرود لافت، متسائلين عما هو آت بعد هذا البيان من ممارسات على الأرض كما هي عادة مخرجات استانة وسوتشي الإجرامية الدموية.
حتى جاء الجواب مسرعًا على غير العادة وذلك عندما تربع رئيس وفد المعارضة الاسيتانية الدكتور أحمد طعمة منصة مؤتمره الصحفي، وبكياسة لا يخبو وهجها وبطلاقة المعتد بالنفس ونبرة المنتصر، شاكرا المحتل الروسي ومادحا جهوده.
وقد اكتملت الاجابة على اسئلة المتسائلين، عندما حضر السيد طعمة لاحقًا ندوة على برنامج الزووم، وعلى مدار ثلاث ساعات وبحضور قرابة سبعين شخصية من الشخصيات الوطنية والثورية من الداخل السوري وخارجه، حيث مارس بنفس الكياسة ونبرة الصوت والاعتداد بالنفس عملية الدفاع المستبسل عن استانة وملحقاته وعن دوره المنغمس فيه بكل ثقة وقناعة واضعًا في جعبته كل المبررات المنطقية الناتجة عن دراسته المتأنية للملف السوري وصراعات المجتمع الدولي وموقع الثورة السورية من هذه الصراعات وفق وصفه هو لنفسه.
والتي دفعت به لممارسة دوره والقيام بواجبه المزعوم للدفاع عن الثورة وعن الشعب وعن الوطن، معترفًا بأخطاء كثيرة يمكن أن يكون قد وقع فيها أو يمكن أن يقع مستقبلاً. فهو أمر طبيعي كما أشار وهو بشر كغيره من البشر فالكل خطاؤون.
بل وإضافة إلى ما تقدم تمكن السيد طعمة من التقاط المبادرة ومن تحويل الحوار إلى حديث محاضر متمكن من موضوعه ومنتشٍ في التوسع في شرح هذا الموضوع.
وعلى ما قدمه السيد طعمة في إطار من الحيوية والأريحية والثقة، تكّون لدي مبرراً قوياً كي أعنون محاضرته بالعنوان الذي أطلقه المفكر علي شريعتي على أحد كتبه:
الاستحمار..
نعم.. الاستحمار
فقد علا صوت الحضور وتعاظم ممن كان مشاركًا في الندوة، والجميع كان يطالب السيد طعمة وفريقه ومؤسسته الائتلافية بالاستقالة، والجميع كان يخطّئه بل والبعض منهم من خوّنه. إلا أنه ظل متقدمًا في تعليل وتفسير موقفه من استانه وأهميته وفي الدفاع المستميت عنه، وكأن لا صوت هناك ولا معترض ولا مستنكر.
كان المشهد سوداويًا قاتمًا، وكنّا كمن كان أمام خطاب من خطابات فانتازيا الخطابات الكلاموجية والانشائية المصابة بانفصام كامل عن الواقع المعاش. خطابٌ منسجمٌ مع ذاته غير مبال بالعوالم الأخرى؟؟ فهو مقتنع قناعة عقيدية عندما تلقف من المجتمع الدولي المتمثل بالقرارات الدولية وخاصة الأولى منها أن لا اسقاط للنظام ولا عملًا عسكريًا ضده، بل هو العمل بكل الوسائل لتغيير سلوكه.
ووفق القاعدة السياسية الصادرة عن المعلم المرحوم ميشيل كيلو حسب زعمه، والتي تقول: “عند اختلال موازين القوى وعند حتمية خسارة قضيتك فعليك أن تتواجد في معادلة الصراع لتخرب ما يمكن أن يُفرض عليك” فهو بسبب كل ذلك فارس الميدان الأوحد دون منازع.
من هنا، تم لنا تفسير هذا الخطاب المتمترس خلف ذاته غير مبال بكل ما حدث ويحدث للشعب والوطن والأمة وغير متحسس لكمّ الدم والخراب والاذلال والإبادة غير مستشعر لخطورة المخططات التي تتحقق على الوطن والشعب، غير قادر على التمييز بين الأخ والصديق والعدو والاحتلال والغزو، وغير مدرك لدوره الجبان والتابع والمتلقف لأوامر وتعليمات من يمارسون دوراً استعماريًا قذرًا، دور الجزارين لأبناء شعبه ووطنه.
هذا المشهد السوداوي القاتم ذكّرنا بمشهد المجلس الوطني الذي تبوأ سُدة الإدارة للثورة السورية عند انطلاقتها العظيمة في لحظة تاريخية حيث انطلق الآلاف من الشباب الحر الثائر هاتفَا (المجلس الوطني يمثلني) وحيث دفع الآلاف أرواحهم ثمنًا لهذا الهتاف.
إلا أن المجلس كان في حالة انفصام كامل عن الواقع كما هو السيد طعمة في ندوته ليستمر الاحتلال في انتصاراته وليستمر هؤلاء في استحمارنا كشعب وكأمة ووطن.
لكنه وبالمقابل لابد أن نسجل ايضًا أن التجربة الثورية لكل من الثوريين لم تتوقف ولن تتوقف عند هذا المشهد فعناصر الصراع بمجملها باتت واضحة ومعراة، والاصطفافات في صفوف قوى الثورة باتت أكثر سرعة وتكوّنًا وأكثر وضوحًا وفرزًا، والمخطط الاحتلالي الاستعماري للوطن بات واضحًا وضوح الشمس ولم يبقَ سوى القليل ليقول الشعب الثائر كلمته وليصدح أبناء الثورة الحقيقيين بصوتهم عاليًا وليتقدم المؤمنون بحق الشعب في انتزاع السلطة من سارقيها وإزاحة كل المستثمرين والممتطين والاتباع والمُستَأجرين، زاحفين نحو التحرير والانتصار.