إصرار موريتانيا على الوساطة بين الجزائر والمغرب يثير الاستفهام

علي ياحي

مبادرة الرئيس ولد الغزواني تأتي بسبب تضرر نواكشوط اقتصادياً من تأزم العلاقات بين البلدين. حيث عاد الحديث مجدداً حول الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب وضرورة إيجاد سبل لحلها ووضح حد للتوتر بين البلدين بعد أن أبدى الجار الموريتاني استعداده للوساطة للمرة الثانية في ظرف شهرين.

ويطرح تمسك نواكشوط بالتوسط بين الجارين مقابل تمسك الجزائر برفض كل الوساطات، استفهامات عدة، وفي حين يبقى موقف الأولى واضحاً بعد أن قدمت أسباب قيامها بمختلف الخطوات من سحب سفيرها في الرباط إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، فإن تكرار الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني عرضه الوساطة يثير التساؤل.

وأبدى ولد الغزواني استعداده للوساطة لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب، وأكد أنه “يأمل في أن يأتي اليوم الذي تعود فيه اللحمة إلى اتحاد المغرب العربي، وإرساء التكامل المنشود، تحقيقاً لإرادة الشعوب وتجسيداً لأحلام الآباء المؤسسين”، مضيفاً أن “بلاده على استعداد للعب دور في استعادة اللحمة بين دول المغرب العربي”. وأشار، “بلادنا يمكن أن تلعب دوراً رئيساً في استعادة الروابط”.

وأوضح الرئيس الموريتاني في حوار مع مجلة “الاقتصاد والأعمال” اللبنانية، “نأسف للعقبات التي تقف في طريقها، وقلقون من عوامل التوتر التي تظهر من حين إلى آخر”، لافتاً إلى أنه “يجب أن نعتمد على حكمة هذين البلدين الشقيقين اللذين تربطنا بهما علاقات طيبة للغاية، نحن مستعدون إذا طُلب منا ذلك”.

نواكشوط على المسافة واحدة

وفي السياق ذاته، يقول الباحث في الشؤون المغاربية يحيى بن الطاهر لـ”اندبندنت عربية” إن “موريتانيا ظلت دائماً معنية بالعلاقات الجزائرية المغربية، ليس لأنها فقط مكون ضمن الفضاء المغاربي، بل أيضاً كونها الجار الجنوبي الغربي للأولى، والجنوبي للأخيرة، وظلت تتجرع مرارة تداعيات الأزمات المتوالية بينهما”.

وأضاف أن “الإصرار الموريتاني على لعب دور الوساطة يمكن فهمه من زاوية أنها تظل على المسافة نفسها خلال الأزمة الجزائرية المغربية الحالية، وأنها تنأى بنفسها عن الاصطفاف مع هذا أو ذاك، مع أنها تدرك وهذا ما يمكن فهمه في مضامين آخر تصريح للرئيس الموريتاني في حوار له مع صحيفة لبنانية قبيل الزيارة المرتقبة له إلى الجزائر، حجم التكلفة التي تدفعها شعوب المنطقة جراء عدم قيام اتحاد مغاربي قوي وفاعل ومتكامل، وأيضاً الوعي بالصعوبات التي تواجه هذا الحلم، والأسف تجاه العقبات التي تقف في طريق الحلم المغاربي، وكأنه بهذه التصريحات يوجّه الرسائل الاستباقية قبل الوصول إلى الجزائر”.

يتابع بن الطاهر، “يمكن فهم مبادرة الرئيس ولد الغزواني، بأنها تأتي من كون موريتانيا كانت دائماً متضررة من تأزم العلاقات الجزائرية المغربية اقتصادياً”، مبرزاً أن “نواكشوط إلى جانب إرادتها في لعب دور دبلوماسي وازن بعدما استجمعت عدداً من مشكلاتها الداخلية، ترى أنها مناسبة للحضور المؤثر والفاعل في المنطقة المغاربية، وقد يحسب لها هذا الدور إن نجح واستُكمل إلى آخر مداه”.

معدوم القيمة

في المقابل، يعتبر الحقوقي الجزائري عابد نعمان في حديث خاص أن “الأعراف الدبلوماسية في مثل هذه المسائل، حينما يكون موقف أحد الأطراف صريحاً وواضحاً يتضمن بلغة لا لبس فيها رفض أي وساطة، إذ إن الإصرار على عرض الوساطة نوعاً ما معدوم القيمة، إن لم نقل شيئاً آخر مخلاً بالأعراف الدولية، وتتحول مسألة الوساطة إلى خطوة مشبوهة، وهي قاعدة التعامل في المجتمع الدولي”.

وأضاف أن “نظرية المصالح تطغى حالياً لفك الحصار عن الجارة المغرب بالضغط على موريتانيا للتدخل تحت أي شكل، باعتبارها خاصرة جنوبية تستوجب التأمين استراتيجياً من قبل المملكة، بالتالي، يجب إقحام نواكشوط في عرض الوساطة بضغط مغربي على الأقل لضمان حيادها وتأمين الخاصرة الجنوبية”.

ويعتبر نعمان أن “الإصرار في المسألة ليس لوجود خيارات حلول ولا لأوراق مطروحة فوق الطاولة، لأن الكل يعلم أن أزمة الجزائر والمغرب هي دخول إسرائيل على الخط وحضورها على التماس وتهديدها الأولى من أرضٍ مغربية، وعليه فإن الإلحاح على الوساطة هو إعلان مسبق له مؤشراته إلى التزام الحياد، وهو مؤشر إلى خطوات أخرى في المستقبل مثل غلق المنافذ التجارية والمدنية وخطوط الإمداد والنقل وحركة البضائع”.

انشغال متواصل

ولم يكّن الانشغال الموريتاني بالأزمة (المغربية – الجزائرية)، وليد اليوم، فقد أجرى في وقت سابق وزير الخارجية اتصالاً هاتفياً مع المسؤولين الدبلوماسيين للبلدين في محاولة لتقريب وجهات النظر، كما عرض الرئيس الموريتاني مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وساطة لحل النزاع بين الجارين، وقال “يجب أن نعتمد على حكمة البلدين الشقيقين اللذين تربطنا بهما علاقات طيبة للغاية، نحن مستعدون إذا طلبا منا أن نلعب دوراً مسهلاً، وأظهرت موريتانيا حياداً إيجابياً في قضية الصحراء منذ اتفاق الجزائر في الخامس من أغسطس (آب) عام 1979، مما وضع حداً للقتال مع بوليساريو”.

وكشفت وسائل إعلامية موريتانية عن أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، سيشرع في زيارة إلى الجزائر مطلع الأسبوع المقبل لمدة يومين، وأشارت إلى أنه أرجأ هذه الزيارة مرات عدة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى نواكشوط.

 

المصدر: اندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى