صادف انعقاد مؤتمر القمة الخليجية أمس (الثلاثاء) في الرياض مرور 40 عاماً على ولادة التجمع الإقليمي الخليجي. مجلس التعاون الذي ولد في ظروف احتدام الحرب الباردة الثانية (انطلقت مع الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979)، والثورة التي أطاحت نظام الشاه في إيران، واندلاع الحرب العراقية الإيرانية، يواجه اليوم تحدّيات لا تقل أهميةً عن تلك التي استدعت إنشاءه. تتنوع هذه التحدّيات بين داخلية وخارجية، اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية، لكنّ ثلاثة منها تفرض نفسها بقوة في هذه المرحلة، وتتطلب تحرّكاً سريعاً لمواجهتها: أولاً: تغير طبيعة الدور الأميركي في المنطقة والعالم، وقد عبر عنه بطريقة صادمة الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان. ثانياً، استعار التنافس الصيني – الأميركي، والذي يتوقع أن تكون له تأثيرات عميقة على دول الخليج العربية. ثالثاً، احتمال فشل مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، واندلاع مواجهة عسكرية جديدة في المنطقة.
منذ وصول الرئيس باراك أوباما إلى الحكم عام 2009، والولايات المتحدة تعطي إشارات متزايدة عن تغير طبيعة مصالحها في الخليج وعموم منطقة الشرق الأوسط، لكنّ هذا التغيّر برز بقوة أكبر مع إدارة ترامب التي تركت حلفاءها الخليجيين (خصوصاً الرياض وأبوظبي) مكشوفين كلياً أمام إيران. ففي مايو/ أيار 2019، تم استهداف ناقلات نفط إماراتية قرب ميناء الفجيرة، وفي سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، تعرّضت منشآت “أرامكو” في بقيق وخريص لهجوم كبير، أخرج نصف إنتاجها من الخدمة. وقد صدم ترامب حلفاءه الخليجيين، عندما أجاب عن سؤال أحد الصحافيين حول رد الفعل الأميركي المحتمل على الهجمات على المنشآت النفطية السعودية بقوله: “هذا ليس هجوماً علينا حتى نردّ، هذا هجوم على السعودية”. الطريقة التي انسحبت بها واشنطن من أفغانستان تاركة حلفاءها وراءها يواجهون مصيرهم المحتوم وضعت دول الخليج العربية أمام الحقيقة العارية، أنّ واشنطن ليست في وارد الدفاع عنها، وأنّها باتت خارج حساباتهم الأمنية والدفاعية.
ثانياً، بموازاة التغير في المصالح الأميركية، طرأ تغير كبير أيضاً على مصالح دول الخليج العربية، واتجاهات صادراتها النفطية، وطرق تجارتها الدولية. عندما نشأ مجلس التعاون الخليجي كانت دول الخليج تصدر 80% من نفطها الى دول الغرب الصناعية (أوروبا والولايات المتحدة) يمر معظمها عبر قناة السويس. اليوم تتجه 80% من صادرات دول مجلس التعاون من الطاقة إلى شرق آسيا، خصوصاً إلى الصين عبر مضيق مالقا. ومع تحوّلها إلى أكبر مستورد للطاقة في العالم، تحوّلت الصين أيضاً إلى الشريك التجاري الأكبر لمجلس التعاون الخليجي بقيمة مائتي مليار دولار هذا العام. هذا يعني وقوع طلاقٍ بين مصالح دول الخليج الاقتصادية التي باتت مع الصين ومصالحها الأمنية التي ما زالت مرتبطةً بالغرب، وسوف يكون لهذا التطور انعكاسات خطيرة على أمن دول مجلس التعاون واقتصاداتها، خصوصاً إذ اشتدّ التنافس بين الصين وأميركا، ووضعت دول الخليج في موقع الاختيار بين مصالحها الأمنية ومصالحها الاقتصادية، كما حصل مع الإمارات أخيرا، حيث قرّرت واشنطن تأجيل تسليمها طائرات إف 35 بسبب تنامي علاقاتها مع الصين، كما ضغطت عليها لوقف إنشاء قاعدة صينية في ميناء خليفة.
التحدّي الثالث والأخير مرتبط بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني، والتي تمرّ بمنعطف خطير سببه التوتر الأميركي من التقدّم الذي يحرزه هذا البرنامج ، ورفض إدارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الاعتراف بنتائج الجولات الست من المفاوضات التي جرت مع إدارة سلفه، حسن روحاني. وكلما تناقصت احتمالات التوصل إلى اتفاقٍ في مفاوضات فيينا زادت احتمالات المواجهة العسكرية. ومن المحتمل جداً أن تندلع مواجهةٌ نتيجة خطأ في قراءة كلّ طرف الآخر، فإيران ترى أنّ ضعف بايدن داخلياً وتركيزه على الصين يمنعانه من التفكير بأيّ خيار عسكري تجاهها، على الرغم من الضغط الإسرائيلي، وتظن أنّها بذلك أمام فرصةٍ ذهبيةٍ لانتزاع اتفاقٍ تعترف بموجبه واشنطن بالتقدّم الذي أحرزه برنامجها النووي، وقد تعتقد حتى أنّ هذه فرصتها لامتلاك سلاح نووي تفرضه أمراً واقعاً على الجميع. وفي الحالتين، سوف تكون للأمر انعكاسات خطيرة، وعلى دول الخليج العربية أن تستعد لذلك.
المصدر: العربي الجديد