تونس: رفض داخلي ودولي لضرب الدستور وترقّب لقرارات سعيّد المقبلة

وليد التليلي | بسمة بركات

تتوالى المواقف الرافضة ضرب الدستور في تونس، بعدما لوح الرئيس قيس سعيّد بذلك في اجتماع مع بعض المتخصصين في القانون، واعتباره غير صالح، ونيته وضع حلول قانونية، قال إنها تستمد من إرادة الشعب التي هي فوق الدستور، بحسب تعبيره.

وعبرت حركة النهضة عن رفضها “محاولات النزوع إلى إلغاء دستور 2014، والاتجاه إلى هندسة أحادية للنظام السياسي والقانوني لتونس”. وحذرت في بيان لها، اليوم السبت، من “مغبة المساس بالبناء الدستوري للسلطة بواسطة المراسيم، وإدخال الحكم في أزمة شرعية مفتوحة بالغة العواقب السيئة على الاستقرار السياسي ومستقبل البلاد”.

واعتبرت أستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن خطاب سعيّد كان بمثابة سقوط القناع تماماً عن سردية احترام الدستور والعمل به”، مشيرة إلى أن “نية سعيّد تعليق العمل بالدستور كانت مبيتة منذ 25 يوليو/تموز الماضي، ولكنه حاول أن يمرر ذلك للرأي العام بشكل تدريجي، قطرة قطرة”.

وشددت الدريدي على أنه “من الناحية الدستورية لا وجود لتعليق جزئي وكلي للدستور.. فالتعليق بمثابة تعديل للدستور، وهو يخفي التوجّه نحو تعديل الدستور، واليوم تغير الموقف بحديثه، بشكل واضح، عن عدم مشروعية الدستور، أي الاستغناء عنه تماماً”.

وأضافت أن “الأمر عدد 117 هو بمثابة تعليق وإلغاء كلي لدستور 2014. فلا عجب أن يتحدث سعيّد ويصف الدستور بغير الصالح وفاقد المشروعية”.

وتابعت بالقول: “استوفينا جميع مراحل خرق الدستور وتجاوزه بإرساء نظام الحكم الواحد، والمزج بين السلطات ومسكها بيد شخص واحد”. وكان سعيّد قد اجتمع بأساتذة متخصصين في القانون الدستوري، وهم الصادق بلعيد، ومحمد صالح بن عيسى، وأمين محفوظ.

وكشف الأخير في تصريح إذاعي أنه تم الاتفاق على تكوين لجنة خبراء دستوريين، تعمل على صياغة دستور جديد بدلاً من دستور 2014.

ولكن الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي شدد على أنه يجّب “على أساتذة القانون الدستوري، الذين دعاهم الرئيس التونسي قيس سعيّد أول من أمس الخميس، عدم التورط أو المساهمة في تركيز ديكتاتورية جديدة في تونس، لأن التاريخ لا يرحم”.

وأوضح الشواشي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “الرئيس التونسي يبدو أنه قرر إلغاء الدستور لأنه يعتبر أن دستور 2014 لم يعد صالحاً للمرحلة القادمة، وأنه حان الوقت للرجوع لصاحب السلطة، والقيام باستفتاء شعبي، مخيراً تكوين لجنة من أساتذة القانون الدستوري يتولون تحرير دستور جديد، وعرضه على الاستفتاء”.

وأكد الشواشي أن التونسيين “قضوا ثلاث سنوات لصياغة الدستور، وبالتالي، فالعملية صعبة وليست سهلة، ولا يعتقد أن من حق سعيّد إلغاء الدستور”، مؤكداً أن “على الأساتذة الذين اجتمع بهم سعيّد عدم توريط أنفسهم، لأنه سيأتي يوم يحاسبون فيه، وعليهم تغليب الحس الوطني ونصح الرئيس ودعوته للعودة إلى رشده، وإلى ضبط الأولويات للمرحلة القادمة، على قاعدة ما يريده الشعب التونسي، وتحديد الأولويات الاقتصادية والاجتماعية وليس تغيير الدستور”، مؤكداً أنه “ليس بتغيير الدستور ستنخفض نسبة البطالة وتتحسن المعيشة، ويرتفع نسق الاستثمار في البلاد”.

وعلى صعيد آخر، لم يتوقف الرئيس سعيّد عن مهاجمة القضاء، ملمحاً أيضاً إلى إمكانية إصدار مراسيم وحل المجلس الأعلى للقضاء.

ولكن المجلس أصدر بياناً تمسّك فيه باستقلاليته، ودعا القضاة إلى التجمّع للدفاع عن ذلك، وأكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي رفض المنظمة النقابية حل المجلس الأعلى للقضاء، مشدداً، في تصريح صحافي، على حرص الاتحاد على أن “يبقى القضاء مستقلاً وبعيداً عن التجاذبات السياسية”.

وأكدت حركة النهضة من جهتها، اليوم السبت، “دعمها المجلس الأعلى للقضاء، ودعوتها رئيس الدولة إلى احترام استقلالية السلطة القضائية، وأحكامها الباتة، والكفّ عن مضايقة القضاة ومحاولة تطويعهم لتزوير الإرادة الشعبية وإسقاط قوائم الأحزاب الفائزة في انتخابات 2019، التي شهد المراقبون بالداخل والخارج بنزاهتها، وتصفية المخالفين سياسياً والطعن في القوانين التي شرّعها البرلمان وتبرير حله”.

التونسيون يترقّبون قرارات سعيّد في ذكرى الثورة

ويرتقب التونسيون موعد ذكرى انطلاق الثورة، يوم 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، بكثير من القلق، بعد تداول أخبار من مناصري الرئيس سعيّد بشأن قرارات كبيرة سيتم اتخاذها، مثل تجريم أحزاب وسجن قيادات حزبية.

وحذرت النهضة، في بيان، من “مخاطر خطاب التقسيم والإقصاء والاحتراب والتحريض على استهداف الخصوم السياسيين، وحمّلت السلطة القائمة كامل المسؤولية عما يمكن أن ينجم عن الخطابات التحريضية بمناسبة إحياء ذكرى الثورة، من مغبّة استغلال الوضع الاستثنائي وتسخير مؤسسات الدولة لفرض أجندات شخصية وحزبية، وما ينجم عن هذا التوجّه الخطير من الارتداد بالبلاد إلى مرحلة استبدادية تُنتهك فيها الحقوق والحريات”.

وعبرت الحركة عن “استنكارها الشديد لدعوات بعض الأطراف الإقصائية إلى استغلال الظرف الاستثنائي لاستهداف مؤسسات في الدولة وقوى حية بالبلاد، بغاية خلق واقع سياسي يقصي الخصوم الذين عجزوا عن هزمهم من خلال صندوق الاقتراع”. وثمّنت النهضة في المقابل “دعوة الرئيس قيس سعيّد الأخيرة إلى التعايش واحترام الاختلاف”.

وتسود حال من القلق في الداخل والخارج أيضاً، من أصدقاء تونس ومن المانحين، حول مستقبل البلاد، وهو ما ظهر جلياً في البيان الذي أصدره، ليلة أمس، رؤساء بعثات سفارات كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية ووفد الاتحاد الأوروبي في تونس، حيث تناولوا، في بيان مشترك، الأوضاع فيها، ودعوا إلى “تحديد سقف زمني واضح يسمح بعودة سريعة لسير عمل المؤسسات الديمقراطية، بما في ذلك برلمان منتخب يضطلع بدور مهم”. وعبروا عن “الدعم الشديد للشعب التونسي في انتهاجه طريق الحوكمة الفعالة والديمقراطية والشفافية”.

وجددوا التأكيد على” أهمية الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي من أجل تلبية احتياجات الشعب التونسي”.

ويظهرالبيان قلقاً دولياً واسعاً من الأوضاع في تونس، وجاء توقيته المتأخر ليلاً عاكساً تطورات خطيرة ومخاوف من انزلاقات قد تذهب إليها البلاد، وربطوا بشكل واضح بين الدعم لتونس في ظروفها الصعبة والعودة للديمقراطية والمؤسسات الشرعية عبر انتخابات تسبقها إصلاحات تشرك فيها جميع الأطراف.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى