يصرّح رئيس مجلس النواب الأردني، عبد الكريم الدغمي، وهو نائب ممتد الحضور من بداية حقبة التحول الديمقراطي العام 1989، وصولاً إلى توليه، أخيراً، رئاسة مجلس النواب التاسع عشر، إن مجلس النواب الحالي يشبه مجلس العام 1989، تيمنًا بأن بالمجلس طيب الذكر بالنسبة للجمهور الأردني.
يتبع ذلك أردنيا نشاط لرئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، سمير الرفاعي، وسجال برلماني على مخرجات اللجنة، والتي باتت اليوم في يد برلمان يريد إثبات ثقته ووجوده، مع ما رافق ذلك من جدل أردني بشأن اتفاق مبدئي مع إسرائيل لصفقة الطاقة مقابل الماء التي أعلن عن توقيعها في دبي أخيرا، وبرعاية أميركية فيما يخص شأنا أردنيا وطنيا، يرفضه الشارع باعتباره تطبيعا مع العدو الإسرائيلي. إذ لا يبدو المزاج الأردني العام قابلا لفكرة الاتفاق ومسوغاته، فيما ترى الحكومة تحدّي المياه كبيرا جداً، ولا يمكن تركه لمزاج الجمهور. وفي سياق الجدل الأردني خرج الخبير المائي والوزير السابق، منذر حدادين، مؤكّداً على وجود الماء الجوفية بكثرة في طبقات الأرض الأردينة، ومقدّماً أدلة علمية على طرحه.
يأتي ملف الماء بحرج كبير للحكومة، خصوصا بعدما عاش الأردنيون أحجية ملف الطاقة والشكوى التي قدمتها الحكومة على ملف توليد الطاقة الشمسية من شركاتٍ عالمية وبمبالغ هائلة، خصوصا أن الأردن دخل أخيرا في ملف تزويد لبنان وسورية بالطاقة الفائضة عن إنتاجه الذي لا يستخدمه، لتعويض ما يدفعة من مستحقّات عقود واتفاقيات دولية مع الشركات المولدة للطاقة البديلة، وأحد هذه العقود منظور في المحاكم الدولية.
يظلّ ملف الطاقة الذي وقع في عهد حكومة عبدالله النسور أحد أهم أحجيات الفشل والجدل الأردني، والذي طالما حاول الناس فهمه، لكنه ملفٌّ عصي على الفهم، ولا يفهمه إلا من وضع رقبة الأردن الكهربائية بيد تلك الشركات وعقدين مقبلين، فكيف لبلدٍ يزوّد دول الجوار بالطاقة الكهربائية، وفيما يعاني سواد الناس والصناعيون والمستثمرون فيه من ارتفاع كلفة الطاقة وفاتورة الكهرباء، وهذا أمرٌ مؤثر برفع كلفة التكاليف في كل ما ينتج ويباع للمواطن.
لا تبدو حكومة بشر الخصاونة الراهنة راغبة بسجال طويل ومعقد مع الجمهور والنقابات والأحزاب، ولا يبدو الشارع مستعدا لقبول أي مسوغ حكومي في تبرير الاتفاق مع العدو، بعدما عاش الأردنيون حقبة ترامب – نتنياهو بكل ضغوطها على الأردن، وما شهدتها من ممانعة أردنية في الذهاب إلى “صفقة القرن”، وكان من أبرز مخرجات هذه الممانعة استعادة منطقتي الغمر والباقورة اللتين كانتا في حيازة المحتل الإسرائيلي، ودفاع الملك عبدالله الثاني عن عدم المساومة على مبدأ السيادة الأردنية والوصاية على القدس، وفي الدفاع عنها ورفض السياسة الترامبية حولها. آنذاك، عاش الأردنيون على تلك الحالة التي سجّل فيها ثبات بلدهم على مبدأ رفض “صفقة القرن” حالة عالية من منسوب التأييد الشعبي لسياسات الأردن الخارجية، وموقفه من القضية الفلسطينية، وبالتالي تأييد العلاقة التي كانت باردة مع العدو الإسرائيلي.
في الراهن، يبدو الأمر مختلفاً ومخجلاً بعض الشيء، فبعد تلك الصلابة الأردنية في مواجهة الضغوط المشتركة الترامبية والإسرائيلية، بات الشارع يتساءل: لماذا العودة إلى علاقات أفضل عنوانها المصالح، في حين أن أكثر الملفات الوطنية، وهو ملف الطاقة، لا يبدو واضحا بما فيه الكفاية لدى الجمهور.
يراهن الجميع، في مقابل ذلك، على موقف مجلس النواب من تلك الحالة، خصوصا في ظلّ رئاسته الحالية مع النائب عبد الكريم الدغمي الذي يملك إرثاً سياسيّاً نظيفاً، وهو أقرب إلى الخط القومي. لذا، هو محلّ رهان الجمهور الذي تُعبر استطلاعات الرأي عن فقدانه الثقة بمجلس النواب بمؤشّرات متدنية. وقد قال الرجل، في خطابه الأول بعد كسب معركة الرئاسة، إنه قادم لاستعادة الثقة بمؤسسة البرلمان. .. وفي عمله السياسي، وهو محامٍ وقانوني ضليع، لا مجال لنكث الوعود، ولا مجال لاختبارات ثقة مع الشارع، خصوصا أنه جاء على مجلس نواب العام 1989 الذي رفض خيار السلام، وأسقط حكومة طاهر المصري التي باشرت التحضير لاتفاقية وادي عربة التي وقعت في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1994، وبقيت مرفوضة لدى الشارع الأردني.
في مثل هذا الجو المعقد، يبقى ملف الحريات أيضا أحد أبرز تحدّيات حكومة الخصاونة، وأكبر تحدّيات مجلس النواب الذي عليه استعادة الثقة بجمهوره الذي انتخبه في ظل جائحة كورونا. ويطالبه اليوم باتخاذ مواقف جذرية تجاه مسألة التطبيع وفي الدفاع عن حرية الرأي. وهنا يمكن القول إن الجميع بات في مأزق بسبب إعلان النوايا في الاتفاق الأردني الإسرائيلي بشأن الطاقة مقابل الماء.
المصدر: العربي الجديد