كيف ودعت الميليشيات الإيرانية في سورية جواد غفاري؟

خالد الخطيب

جاء الوقت لكي تعتمد الميليشيات الإيرانية في سوريا على نفسها للحفاظ على نفوذها، وأن تعمل على تطوير أدواتها بجهودها الذاتية من أجل البقاء، وربما التوسع، فالمرحلة الحالية لم تعد تسمح بوجود جنرالات كبار من “الحرس الثوري” الإيراني يتجولون بشكل علني بين قطاعات النفوذ والتمركز المنتشرة في معظم أرجاء الجغرافيا السورية.

يبدو أن الميليشيات والقوى العشائرية المحلية المرتبطة بإيران هي اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى للتنسيق والعمل المشترك مع باقي أذرع النفوذ الإيراني، الثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية، فالمرحلة التي كان يقودها جنرالات الحرس قد انتهت كما يبدو، وباتت القوى المحلية الموالية ملزمة بإظهار الولاء وتحقيق مصالح مؤسسيها وداعميها بعد أن امتلكت الوسائل والأدوات اللازمة وتغلغلت في مختلف المفاصل والقطاعات الحيوية.

خروج غفاري

غادر العميد جواد غفاري المعروف باسم أحمد مدني، قائد قوات “فيلق القدس التابعة لـ “الحرس الثوري” الإيراني سوريا بعد انتهاء مهامه فيها، وبحسب شبكات محلية على مواقع التواصل الاجتماعي مقربة من الميليشيات الإيرانية في حلب، فإن “الجنرال غفاري ودع أبناءه في عدة ثكنات عسكرية للقوات الإيرانية والرديفة في محافظتي حلب ودير الزور قبيل مغادرته سوريا منتصف شهر تشرين الثاني”.

وقال “حسام الباقر” أحد قادة ميليشيا “لواء الإمام الباقر” المدعومة من إيران في حلب “الحاج جواد اسم سيبقى خالداً في سوريا، ولعله سيكون من أهم الأسماء التي ستذكر في تاريخ حلب خاصة، هو الرجل الذي قاد فك الحصار من أثريا إلى خناصر والسفيرة ومطار حلب الدولي إلى المدينة الصناعية ونبل الزهراء وقطع طريق الكاستيلو، وتواصلت إنجازاته وصولاً إلى الكليات العسكرية غربها، ومن ثم قاد معركة استعادة السيطرة على مطار كويرس العسكري.

أضاف الباقر “هذا البطل، الحاج جواد غفاري وضعَ بصمته في كل مكان بسوريا، وقاد المعارك وكان في مقدمتها بريف اللاذقية وحماة والميادين والرقة ومنبج ودير الزور حتى الحدود العراقية السورية، وكان بين المُقاتلين ومُشرفاً على أدق المجريات في الميدان”.

من جهته نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، الأنباء المتداولة عن إخراج أو طرد مستشار عسكري إيراني من سوريا، في إشارة إلى جواد غفاري، وأكد زاده عدم صحة المعلومات التي تم تداولها حول طرد رئيس النظام، بشار الأسد، لغفاري “بسبب عدم الرضا عن تصرفاته وأفعاله التي أدت إلى انتهاك السيادة السورية” وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية “تسنيم” والتي أكدت أن غفاري “كُرّم أفضل تكريم” من عدد من المؤسسات العسكرية على مستوى رئاسي في سوريا قبل انتهاء مهامه فيها.

مرحلة جديدة لإيران في سوريا

قال الباحث في مركز الحوار السوري مصطفى قربي لموقع “تلفزيون سوريا” إن “ترحيل الجنرال غفاري يعني بالضرورة أن إيران بدأت مرحلة جديدة في سوريا مختلفة عن المرحلة السابقة من ناحية أدوات التغلغل والنفوذ، فاليوم يمكن القول إن إيران استبدلت القوة الخشنة بالقوة الناعمة، وقد مهدت لذلك منذ أشهر بعد أن افتتحت قنصلية في حلب، وأبدت اهتماماً أكبر في قطاعات حيوية أخرى غير القطاع العسكري الذي كان يحوز جل التركيز والدعم الإيراني خلال السنوات الماضية”.

وأضاف قربي “الآن بات لدى إيران قاعدة عريضة من الموالين وسط المجتمع المحلي والعشائري السوري، ليس العسكر وحسب إنما يشمل ذلك قطاعات أخرى في التجارة والصناعة والبنى الاجتماعية والدينية، وهي نتاج 10 سنوات تقريباً من الدعم، وقد حان الوقت على ما يبدو لأن تحصد ثمار جهودها ومساعيها”.

حظي جواد غفاري بـ”وداع ضخم” في حلب قبيل مغادرته سوريا، واستغرقت جولته الوداعية في حلب ثلاثة أيام قبيل مغادرتها متوجهاً إلى دير الزور محطته الأخيرة، وبقي غفاري يوماً كاملاً في بلدة نبل شمالي حلب وكان في ضيافة القيادة المشتركة لميليشيا نبل والزهراء و”حزب الله اللبناني.

زار الحاج غفاري في نبل ما يعرف باسم “مقبرة الشهداء” وتفقد أعمال عدة جمعيات دينية إيرانية، من بينها “مركز الثقلين” و “مجمع الصراط”، ومقر جامعة المصطفى العالمية-فرع نبل، والتقى بوجهاء محليين ورجال دين من نبل والزهراء، والتقط مقاتلو الميليشيات صوراً تذكارية مع غفاري قبيل توجهه إلى مدينة حلب ويرافقه رتل كبير من السيارات الخاصة والمركبات العسكرية.

وفي حلب، قضى اليومين الباقيين في ضيافة “لواء الباقر” الذي احتفى به بشكل غير مسبوق، وأقيمت الولائم في مقر اللواء في حي البلورة، وكان في استقباله زعيم اللواء خالد المرعي “الحاج باقر” والمسؤول السياسي للواء وعضو مجلس الشعب عمر الحسن، وزعيم ميليشيا “فيلق المدافعين عن حلب” الحاج محسن، وقادة قطاعات الميليشيات الإيرانية.

وزار غفاري مع قادة الميليشيات ووجهاء عشائريين من البكارة وآل بري منطقة مطار حلب الدولي التي تضم معسكراً كبيراً للميليشيات، وشملت الجولة المقر الرئيسي لمركز الثقلين في حلب القديمة وقيادة القطاع الرابع في ميليشيا “المدافعين عن حلب”، ومن ثم توجه موكب غفاري نحو ريف حلب الجنوبي حيث أقيم له استقبال كبير في قرية عسان وكان في استقباله هناك الآلاف من عناصر الميليشيات الإيرانية.

وخطب الحاج غفاري في الحشد الكبير من عناصر الميليشيات في قرية عسان مهنئاً بالانتصار المزعوم، وأشار إلى أن “المعركة لم تنته بعد، ولواء المقاومة في عهدتكم فلا تضيعوا الأمانة”، واتسمت مظاهر وداع غفاري بالعاطفة الجياشة، عناق ودموع وهدايا رمزية وأخرى ذهبية غالية الثمن قدمها زعيم الباقر خالد المرعي لغفاري قبيل توجههما معاً برفقة رتل عسكري كبير إلى دير الزور التي التقى فيها غفاري بقادة الميليشيات في حويجة صكر ومن غادر براً إلى إيران عبر الأراضي العراقية.

غفاري “الملهم”

تبدو مظاهر وداع غفاري المبالغ فيها بحلب مبررة، فهو يرجع إليه الفضل في تأسيس الميليشيات وتسليحها وتدريبها في الفترة التي كان فيها قائداً للجبهة الشمالية (حلب) منذ النصف الثاني من العام 2013 حتى نهاية العام 2016، وبعد تسلمه القيادة العامة للحرس في سوريا حافظ غفاري على مستوى مرتفع من الدعم المتدفق للميليشيات في حلب التي كانت مدللة، وقضى معظم وقته في حلب متنقلاً بين الأكاديمية العسكرية غربي المدينة والقاعدة العسكرية في منطقة جبل عزان.

تطلق الميليشيات الإيرانية في حلب عليه ألقابا عديدة وينسبون إليه معظم الإنجازات العسكرية المفترضة التي حققوها، مثل “فاتح حلب” و”مهندس حصار حلب” و”مهندس فك الحصار عن نبل والزهراء”، وغيرها من الألقاب.

وبالفعل قاد غفاري وخطط لكل المعارك التي خاضتها قوات النظام والميليشيات ضد الفصائل المعارضة منذ العام 2013، أما بعد أن هدأت المعارك في سوريا ودخل النفوذ الإيراني مرحلة جديدة يبدو فيها الاعتماد على النفوذ العسكري أقل لصالح تنامي دور باقي الأذرع والأدوات، فهل ستكون الميليشيات الإيرانية في ورطة؟ وهل سيشكل رحيل غفاري الملهم والداعم بداية نهاية الميليشيات، كالباقر مثلاً، أو على الأقل تناقص نفوذها خلال الفترة المقبلة؟

الباحث في الشأن السوري محمد السكري يرى أن “الميليشيات الإيرانية تعتبر غفاري عراب ومهندس الوجود الإيراني في حلب وفي سوريا عموماً، وقاد على مدار السنوات السابقة معظم المعارك الكبيرة ضد قوات المعارضة السورية وصولًا لنجاحه في بسط سيطرته على المدينة مع الميلشيات المرافقة له أواخر العام 2016”.

أضاف السكري خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”: “سيكون لرحيله تداعيات على مستوى الميليشيات الإيرانية وهو عرابها تنظيميا وهيكليا، ولكن، لا أعتقد أن رحيله أتى بعد خلافات وإنما بمباحثات وتوافقات بين النظام وإيران على عكس الأنباء التي تتحدث عن طرده من قبل رئيس النظام الذي أعتقد بأنه لا يملك مثل هذه الصلاحيات مع التغول والسيطرة الإيرانية الكبيرة على مفاصل الدولة وقطاعاتها”

تابع “بالرغم من أهمية شخصية الغفاري لإيران في سوريا إلّا أن ذلك لن يؤثر على طبيعة وثقل هذا الوجود، ويمكن القول، إن هذه الخطوة أتت رغبة من النظام بتخفيف الوجود الإيراني ولو شكليًا في سوريا بغية تشجيع فك العزلة العربية والدولية عنه وبطبيعة الحال لا يمكن الإقدام عليها من دون مباحثات مع إيران في هذا الشأن”.

من جهته، يرى المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور أن “الميليشيات الإيرانية تتخوف فعلياً من أن يؤثر رحيل جواد غفاري على نفوذها وانتشارها العسكري في سوريا، لأن غفاري كان بالنسبة لها ليس فقط الملهم، إنما الزعيم والأب الروحي الذي منحها الوجود والثقل داخل التركيبة العسكرية المتنوعة لقوات النظام”.

أضاف بكور لموقع “تلفزيون سوريا”: “لعب غفاري دور مهم في توسيع قاعدة الولاء لإيران، وعمل على زيادة أعداد عناصر الميليشيات وأطلق يدها لتقتل وتنكل وتتصرف بعنجهية مطلقة، غفاري كان الزعيم وهو السلطة العليا، أما اليوم لم يعد هناك جنرال قوي يحميها، وأصبحت الميليشيات مضطرة للتعاطي مع مرحلة جديدة مختلفة كلياً”.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى