تشهد الأسواق السورية حالة من عدم استقرار أسعار البضائع والسلع الاستهلاكية الأساسية، مع تواتر الأنباء عن توجه حكومي لرفع رواتب الموظفين وعمال القطاع العام، الأمر الذي يزيد الضغوط على القدرة الشرائية للمواطنين، ويعمق من معاناة أصحاب الدخل المحدود.
معادلة زيادة الرواتب وارتفاع الأسعار، باتت من المسلمات بالنسبة إلى السوريين، حيث بدأت أسعار السلع المرتبطة بهذه الزيادة مثل المحروقات والمواد التموينية والخبز بالارتفاع حتى قبل المصادقة على القرار، ما أثار مخاوف الكثيرين من تضخم جديد يعمق الفجوة التي لن تغطيها تعديلات الأجور على أي حال.
وتحدث وزير المالية في حكومة دمشق كنان ياغي عن وجود مقاربة جدية في ما يخص الرواتب والأجور، والعمل على تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، إلا أنه أشار أيضاً إلى التوجه نحو تعديلات في بعض القوانين والتشريعات الخاصة بضرائب الدخل والمبيعات.
زيادة غير مجدية
لكن الحديث عن زيادة كتلة الرواتب تحول إلى هاجس يؤرق السوريين، بدلاً من أن يكون بارقة أمل لحل مشاكلهم الاقتصادية. فأي خبر عن رفع الأجور يتلقفه السوق بنهم شديد لرفع الأسعار وبنسب تزيد بأضعاف عن نسبة زيادة الرواتب.
ويرى مجد، وهو موظف حكومي، أن أي علاوة منتظرة أشبه بذر الرماد على العيون، “حيث سبقها رفع الحكومة تسعيرة المحروقات ومعها ارتفعت أجور المواصلات، بعدها غلاء الخبز، ثم قيام التجار بزيادة أسعار جميع المواد المتعلقة بقوت الناس الأساسي”.
ويقول ل”المدن”: “يعلم الجميع أن زيادة الرواتب القادمة لن ترفع القدرة الشرائية ولن تغطي الفارق الكبير بين الدخل والإنفاق، فهو قرار شكلي تتخذه الحكومة لإسكات الشعب الغارق بالأزمات المعيشية والهرولة خلف تأمين ما يسد رمقه”.
ويشير مجد إلى أن “الراتب الحالي لايوفر ثمن وجبة غذائية واحدة في اليوم، فعلى سبيل المثال تحتاج الأسرة المتوسطة لتأمين وجبة في حدودها الدنيا وعلى مدار الشهر إلى ما يقارب 100-150 ألف ليرة، في حين أن متوسط الرواتب الحالية هو 70 ألف ليرة”.
ارتفاع قادم
في حين يؤكد أبو أحمد، تاجر تجزئة، أن تجدد ارتفاع الأسعار حالياً لاعلاقة له بقضية الرواتب، “فالسوق لا تزال تحت تأثير القرارات السابقة من رفع تسعيرة المحروقات والكهرباء وغيرها”.
ويقول إن “موجة الغلاء المتعلقة بزيادة الرواتب لم تبدأ بعد، فهي ترتبط بالقرارات الجانبية التي تتخذ مع مرسوم الرواتب، مثل زيادة الضرائب وأجور الشحن وغيرها”، مضيفاً أنه “حتى اللحظة يحاول التجار تخفيض كميات توريد البضائع إلى محالهم، والاعتماد على ما هو موجود في المخازن، لضمان أن تكون عملية رفع الأسعار تدريجية، لكن هذه السياسة لن تغطي الوقت التقليدي الذي اعتاد عليه السوق، إلا إذا أخرت الحكومة قرار الزيادة إلى الربع الأول من العام القادم”.
وبحسب صحيفة البعث الموالية، فإن العمال يتقاضون راتباً شهرياً أقل بعشرة أضعاف مما كان عليه قبل عشر سنوات، إذ أن متوسط الدخل عام 2011، كان 10 آلاف ليرة، أي ما يوازي 532 ألف ليرة حالياً، في حين أن قلة من العاملين اليوم يتقاضون 100 ألف ليرة، مضيفة أن الأسرة العاملة بأجر محدود، وحدها التي تتحمل أعباء الارتفاعات في الأسعار التي لم ولن تتوقف، حسب توصيفها.
ارتفاع تكلفة المعيشة
ويرى كثيرون من السوريين إن آثار حالة التضخم التي أصبحت تشكل عبئاً كبيراً على أصحاب الدخول الضعيفة، لن تتوقف على امتصاص الزيادات في كتلة الرواتب، كما حدث مع قرار العلاوة في تموز/يوليو 2021، إنما ستعمق من مشاكل الشريحة الأكبر متمثلة بعمال القطاع الخاص.
وذكرت دراسة لجمعية العلوم الاقتصادية أن معدل التضخم في الاقتصاد السوري ارتفع بنحو 878 في المئة، وذلك بناء على تحليل مؤشرات الاقتصاد الكلي في سوريا منذ عام 2010.
ويعتقد الخبير الاقتصادي أحمد عزوز أن النظام لا يمتلك الموارد لتمويل أي زيادة في الرواتب خلال 2022، إذ أن خطته مبنية على مشروع الدعم الاجتماعي (المواد الاستهلاكية).
ويقول ل”المدن”: “في الوقت الذي كان متوسط رواتب الموظفين 50 ألف ليرة، كانت التقديرات تشير إلى أن احتياجات الأسرة المؤلفة من خمسة أشخص تبلغ 650 ألف ليرة شهرياً، وبعد قرار العلاوة في شهر تموز، الذي جعل متوسط الدخل 75 ألف، ارتفع احتياج الأسرة إلى 750 ألف ليرة شهرياً، ما يعني أن معدل التضخم يرتفع بشكل كبير”.
ويضيف “حتى الزيادة التي أقرها النظام في موازنة 2022، والتي تقدر ب900 مليون دولار، سيتم تمويلها بالعجز إما عن طريق الديون أو التوسع في الإصدار النقدي، وهو الاحتمال الأقرب، مما يعني زيادة في التضخم الذي سينعكس مباشرة على ارتفاع الأسعار”، مؤكداً أنه “حتى وإن أقر النظام زيادة في الرواتب التي ستمول بالعجز، فهي غير قادرة على سد الفجوة بين متوسط الدخل والحد الأدنى للمعيشة التي تقدر بعشرة أضعاف”.
ويتوقع خبراء اقتصاديون أن ترتفع تكلفة المعيشة في سوريا مع بداية 2022 إلى أكثر من مليوني ليرة شهرياً بالنسبة إلى العائلة متوسطة العدد، وذلك بالنظر إلى قيمة الارتفاعات السابقة خلال العامين الماضيين والتي قاربت ربع مليون ليرة في كل ثلاثة أشهر.
المصدر: المدن