تمر هذه الأيام على السوريين الذكرى 51 لاختطاف الوطن السوري وسرقة كل مافيه، من قبل حفنة قاتلة حاقدة من العسكر الطائفيين يترأسهم المجرم الأول حافظ الأسد، يوم انقلب على زملائه البعثيين صبيحة يوم 16 تشرين/نوفمبر من عام 1970. أي بعد أقل من ثلاث سنوات على الهزيمة الكبرى التي كان أداتها الأساس هذا الطاغية، المنوط إليه وبه ذاك الدور الوظيفي سيء الذكر، والذي أودى بالوطن قضه وقضيضه إلى الهاوية، وأنجز ماعجز عن إنجازه المستعمر الفرنسي الذي احتل سورية ربع قرن، لم يستطع فيها أن يفعل ما فعله حافظ الأسد منذ صبيحة ذاك اليوم المشؤوم من تاريخ سورية الحديث.
أمسك حافظ الأسد ومنذ اليوم الأول لخطف الوطن بتلابيب الدولة الوطنية، فكانت (الدولة الأمنية) طريقه الأسلم والأنجع لتغوله على الحيوات السياسية والمدنية والإقتصادية والعسكرية، ليصبح الوطن مخطوفًا لاحول له ولا قوة بين ظهرانيه وهو الخارج كما أسلفنا من هزيمة عسكرية وأيديولوجية أوصل عبرها الوطن إلى حالة من العسف والقهر كسرة إثر كسرة ، وهو يقضم كل ما أنجزته الدولة الوطنية السورية منذ الإستقلال وحتى اللحظة التي قرر فيها الأسد أخذ الوطن رهينة بين يديه.
حيث أمسك بثلاثة مسارات مهمة، أدرك بحسه الأمني أنه ومن خلالها سوف يتمكن من رقاب البلاد والعباد، ويمسك بأساسيات لا يستطيع السوري عبرها أن يتململ أو يؤتي بأي حراك، للخروج من حالة العثار الكبرى التي وضع فيها كل السوريين. فكانت الهيمنة على السياسة عبر إعادة القبض على حزب البعث على طريقته الأمنية وخبرته فيها، فأتى بالشخصية الكاريكاتورية الضعيفة وسهلة التوجيه والمراس وهو عبد الله الأحمر، ليعطيه منصبًا أكبر منه، وتصبح بذلك بدلته التي يلبسها فضفاضة عليه كثيرًا، فاستطاع بذلك وضع حزب البعث وتوابعه بين يديه وتحت بصطاره العسكري. كما تمكن أيضًا من الإمساك بالجيش عبر تكليف الشخصية العسكرية التابعة وسهلة الاقتياد التي لاهم لها سوى ملذاتها الشخصية من مال ونساء، وهو مصطفى طلاس ليتسلم وزارة الدفاع التي لم تكن هي من تقود العسكريتاريا في سورية، لكنها الشخصية العسكرية السنية التي تغطي كل جرائم الأسد العسكرية والأمنية. ثم كان الإمساك بثالث المسائل المهمة في الوطن وهي المؤسسة الدينية التي سلمها لشخصية منافقة ولها باع كبير في النفاق بالساحة الدمشقية والتي أخلصت للمجرم وبررت كل مافعله بالشعب السوري، وهو الشيخ أحمد كفتارو، فتمكن حافظ الأسد بذلك من الإمساك حقًا بثلاث مؤسسات على درجات عالية وكبيرة من التغطية على أية عملية خطف للسلطة، وهي المؤسسة الحزبية البعثية، ومؤسسة العسكر، وكذلك المؤسسة الدينية التي أدخلت الأسد من بوابة القبول شكلانيًا في السلطة عبر مسرحية(التسنن) على يدي أحمد كفتارو ليكون حافظ ممكن الإستلام لمنصب الرئاسة بعد أن ترك مرحلة انتقالية لم تتجاوز 6 أشهر كان المحلل فيها شخصية هلامية جاهزة لذلك وهو أحمد الخطيب، الرئيس المؤقت لأقصر فترة رئاسية في تاريخ سورية، ليسلم الرئاسة بعدها إلى حافظ الأسد من خلال عملية استفتائية ممنهجة ومجهزة.
وتجدر الإشارة إلى أنه لايجب أن نبتعد أيضًا عن بوابات أخرى للولوج الآمن نحو سدة السلطة في سورية، وهو اختراع الأسد لفكرة ما أسماه (الجبهة الوطنية التقدمية)، التي جمع فيها بعض الأحزاب التي قبلت معه هذه التجربة، لكن بعضها كحزب الراحل جمال الأتاسي، سرعان ما خرج من جبهة النظام الألعوبة، رافضًا المصادقة على مشروع الدستور وفقرته الثامنة التي تعطي الحق لحزب البعث بقيادة الدولة والمجتمع دستوريًا.
ولأن حافظ هو صاحب الهزيمة وحامل وزرها كان لابد له من إنجاز تلك الحرب مع شريكه في مصر أنور السادات، فكانت حرب تشرين أول / أكتوبر 1973 التي لم تكن تحريرية أبدًا ، بل كانت تحريكية وغطاء وتعمية على الإنهزام الكبير الذي سلم فيه الأسد الجولان لإسرائيل في 5 حزيران/ يونيو 1967، فكانت هذه الحرب التي منحته صك (البراءة الشكلية) لحكم البلاد، ومن ثم الولوج إلى حالات تفاوضية مع اسرائيل ـ لضمان بقاء سلطته الطائفية على مدى 50 عامًا ونيف.
باخنتصار نقول: لقد كانت (الحركة التصحيحة) الانقلابية التي قادها المجرم حافظ الأسد فعلاً أمنيًا عصبويًا طائفيًا ، تمكن عبره حافظ الأسد من الإمساك كلية بتلابيب وخناق السوريين خاطفًا الوطن/ كل الوطن، من خلال سياسات الفساد والإفساد التي انتهجها هو ومن معه من شخصيات تتبع مدرسته البائسة في النهب والتغول على كل مفاصل الوطن السوري المخطوف قسرًا. ليتسلم السلطة من بعده ابنه بشار ويكمل المسيرة بموافقة دولية أمنتها (مادلين أولبرايت) وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية، بعد رحيل حافظ الأسد وحتى يومنا هذا، استمرارًا للمقتلة الأسدية الطاغوتية الطغيانية.
المصدر: إشراق