طالبت رئيسة المفوضية الأميركية للحريات الدينية الدولية، نادين ماينزا، بتعلم الدروس من أفغانستان، “إذا أردنا النصر في سوريا”، مؤكدة أن وجود حكومة يقبلها الشعب هو الضامن لمستقبل آمن ومستقر، بينما رأى خبير في حديث مع موقع “الحرة” أن الوضع السوري الحالي “مؤقت”.
فبعد دعم أميركي طال 20 عاما، انهارت الحكومة في أفغانستان وهرب الرئيس، أشرف غني، بينما استسلم الجنود بسهولة لحركة طالبان المتشددة، التي سرعان ما سيطرت على البلاد.
وتقول ماينزا، في مقال عبر موقع “ناشونال إنترست”، إن الولايات المتحدة تتطلع إلى الانسحاب من شمال شرق سوريا والحفاظ على وجود أميركي صغير لضمان “هزيمة داعش إلى الأبد”، من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
لكنها أشارت إلى أن “قسد” لم تكن تحارب فقط داعش ضمن التحالف بقيادة الولايات المتحدة فقط، وإنما كانت تقاتل حتى تنال فرصة إقامة حكم ذاتي للأكراد في شمال شرق سوريا، معتبرة أن تجربتها في السيطرة على المنطقة بعد سبع سنوات “ممتازة” من حيث الحريات الدينية.
وتقول: “لم تعد هذه الحكومة ذات الأغلبية العربية مجرد مشروع كردي، بل إنها تصف نفسها بأنها متعددة الأعراق والأديان بثلاث لغات رسمية: العربية والكردية والسريانية، رأيتُ كيف تتيح هذه الحكومة للجميع الفرصة للمشاركة بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس، مع وجود نصف القادة من النساء”.
وتضيف “رأيت استمرارها في السماح للمسلمين والمسيحيين والإيزيديين وغيرهم بممارسة شعائرهم الدينية بشكل علني، حتى عندما كانت تواجه خطرا كبيرا بسبب تهديدات تركيا والميليشيات المتحالفة مع تركيا والنظام، وفلول تنظيم داعش”.
الحريات الدينية
وتقارن ماينزا بين وضع الحريات في مناطق سيطرة “قسد” وبين المواقع الخاضعة لنفوذ “الائتلاف الوطني السوري” المعارض والمدعوم من تركيا، والذي اعترفت به إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، في ديسمبر 2012، بأنه “الممثل الشرعي الوحيد” للشعب السوري.
وتقول إن “تحالف المعارضة السورية المدعوم من تركيا ليس لديه ببساطة إجابات عن الظروف المروعة في المناطق التي يحكمها في سوريا، مثل عفرين وتل أبيض وسري كانيه (رأس العين). هذه المناطق هي أفضل مؤشر على الكيفية التي ستبدو بها سوريا بأكملها تحت سلطتها”.
وأضافت “قبل الاحتلال التركي، كانت عفرين تعتبر ‘جوهرة سوريا’ التي لم تمسها الحرب الأهلية. الآن تشهد جرائم حرب خطيرة”، مشيرة إلى أنها تحدثت “شخصيا مع مسيحيين في المناطق التي احتلتها المعارضة السورية بعد اعتقالهم بتهمة الردة والتعذيب”.
وعقدت المفوضية جلسة استماع، العام الماضي، بعنوان “حماية الحرية الدينية في شمال شرق سوريا”، وثقت الجرائم في المناطق التي تحكمها المعارضة السورية المدعومة من تركيا والتي شملت القتل والاغتصاب والخطف وتدمير المواقع الدينية.
وعزا الباحث السياسي السوري والمقيم في فرنسا، رامي الخليفة، الفرق بين مناطق سيطرة “قسد” وقوات المعارضة المدعومة من تركيا إلى فارق مهم من حيث الأساس الأيديولوجي.
وقال الخليفة لموقع “الحرة” إن “قوات سوريا الديمقراطية في مناطق سيطرتها تحاول أن تقدم نفسها كنموذج علماني، حتى أنها كانت حريصة على أن تتواجد نساء تعمل ضمن قواتها المسلحة، خصوصا أن خلفية حركة قسد من حزب العمال الكردستاني ذو الخلفية اليسارية وبالتفكير العلماني هو الإطار للبنية الأيديولوجية لهذا التنظيم”.
يضيف “على العكس من ذلك، القوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا… نشأت على أسس إسلامية، سواء المتطرف منها مثل جبهة النصرة أو حركة أحرار الشام أو حتى الإسلام المعتدل مثل جماعة الإخوان المسلمين في شمال غرب سوريا”.
لكن الخليفة يشير إلى أن الحديث عن أن الوضع في شمال شرق سوريا بأنه حالة نموذجية هو بعيد عن أرض الواقع.
ويقول: “صحيح، لم يكن هناك اعتقال على أسس دينية، ولكن كانت هناك اعتقالات على أسس سياسية حتى بين صفوف الأكراد، هناك الكثير من التجاوزات ولكن ليس على أسس دينية”.
حكومة شعبية
وتؤكد ماينزا على أهمية وجود حكومة تحظى بدعم شعبي قبل التخطيط لسحب أي قوات أميركية من مواقعها.
وتشير إلى أنه “عند تقييم الخطأ الذي وقع، يجب أن يكون التركيز على انعدام شرعية الحكومة الأفغانية لدى الجيش والشعب”.
وتضيف “كان الهدف المعلن لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان هو وقف ‘حرب أبدية’. ومع ذلك، فإن الطريقة الوحيدة لوقف حرب أبدية هي التمسك بالأرض التي تم كسبها بالفعل. يتم ذلك من خلال بناء حكومة شرعية لشعبها وقطاعها الأمني. حتى أعظم جيش في العالم لا يمكنه القيام بذلك لدولة أخرى”.
وكانت المفوضية قد حذرت من زيادة العنف في أفغانستان خلال النصف الأول من العام الجاري. وأكدت ماينزا أن المفوضية ذكرت، في تقريرها السنوي لعام 2021، أن وضع الحرية الدينية في البلاد “واصل انحداره وسط انعدام الاستقرار السياسي”.
وتقول ماينزا إن عمل المفوضية التي ترأسها “قد يركز بشكل ضيق على الحرية الدينية، إلا أنها غالبا ما تثبت أن الحرية الدينية تشكل ‘جرس إنذار’ للحريات الأخرى”، مشيرة إلى أن الحكومة التي انهارت لم تكن تدافع بشكل كبير عن حقوق الشعب الأفغاني، “على الرغم من وجود مساحة على الأقل للنشطاء والصحفيين الذين يعملون من أجل مستقبل أفضل”.
وأوصت المفوضية حكومة الولايات المتحدة بإدراج الإدارة الذاتية الكردية في المحادثات التي تتخذ من جنيف مقراً لها لحل النزاع السوري، معتبرة أنها “الحكومة الناجحة الوحيدة في كل سوريا”.
ويؤكد الباحث السياسي السوري، رامي الخليفة، أن “القضية الكردية عادلة لشعب قاوم كثيرا من أجل أن يكون لديه وطن، لكنه يشير إلى أن “الوجود الأميركي في سوريا مختلف تماما عما كان عليه في أفغانستان”.
ويقول: “في سوريا هناك مصالح أميركية محددة، وهي القضاء على تنظيم داعش والحرص على إيجاد توازن بين القوى الإقليمية والدولية الموجودة على الأرض السورية، لكن في أفغانستان غيرت الولايات المتحدة النظام السياسي وبنت آخر كانت تدعمه بشكل قوي حتى قبيل سقوط النظام السابق وعودة طالبان”.
وأضاف “في سوريا لا يزال هناك نظام بشار الأسد، وجود الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا أدى إلى سيطرة ميليشيات بدعم أميركي حتى لو كان في معظمه سياسيا، وهو ما أدى إلى أن تهاب الأطراف الأخرى من دخول في مواجهة مع قسد”.
ويرى الخليفة أنه “كان من الأجدى بالولايات المتحدة أن تعيد ترتيب النظام السياسي في سوريا، وليس فقط دعم منطقة أو فئة بعينها”.
وأكد أنه لن يكون هناك استقرار في أي مكان في سوريا “وسيظل هناك التهاب سياسي واجتماعي وتعصب ديني طالما لم يكن هناك حل للأزمة السورية”، مضيفا “ونحن، للأسف، بعيدون تماما عن إيجاد حل للأزمة”.
لكن ماينزا تقول: “في حين أننا قد لا نملك الإجابة عن سوريا بأكملها حتى الآن، يمكننا على الأقل الحفاظ على هذه الأرض التي فزنا بها في شمال شرق سوريا من خلال دعم الإدارة الذاتية الكردية، وهذا يمنح الولايات المتحدة أخيرا انتصارا لسوريا ويلبي هدف وقف حرب أبدية هناك”.
وأكدت أن ما آل إليه الوضع في أفغانستان يعلمنا بأنه “لا يمكن كسب هذه الصراعات المستعصية على ما يبدو بالقوة العسكرية فقط، أو حتى بالدبلوماسية في جنيف، ولكن فقط من خلال بناء حكم يتمتع بشرعية الشعب”.
المصدر: الحرة. نت