يرى مخططون استراتيجيون عسكريون ومفكرون بارزون في مجال الدفاع أن الحرب المتعلقة بالمناخ باتت واقعاً قريب الأجل، لا مجرد بعبع يقبع في مكان بعيد، إذ لا يزال الحديث جارياً حول أهمية محاربة التغير المناخي، إلا أن تلك الشخصيات تخطط في ذات الوقت لمحاربة بشر آخرين بسبب التغير المناخي.
إذاً، أين ستحدث تلك الحروب المتعلقة بالمناخ؟
يرى البعض بأنها حدثت بالفعل، ويستندون في ذلك إلى تقارير أكاديمية مثيرة للجدل، ترى أن النزاعات التي قامت مؤخراً تقف وراءها التغيرات المناخية بشكل مباشر. بينما حدد مستشارون واستراتيجيون عسكريون حروباً جديدة يمكن أن تندلع في كل من آسيا أو أفريقيا أو القطب الشمالي بسبب تلك التغيرات.
ويرى مجلس الأطلسي وهو منظمة بحثية أميركية بأنه في شهر آذار، أي في الوقت الذي اتخذت فيه كل من روسيا والصين طرقاً جديدة للشحن عبر المياه التي كانت في السابق متجمدة وغير قابلة للعبور وذلك حول غرينلاند وآيسلاندا ودائرة القطب الشمالي، صار من المحتمل أن تظهر حقبة جديدة لتنافس القوى الكبرى على هذه المنطقة.
فقد ردت بريطانيا والولايات المتحدة على النشاط الروسي والصيني الذي تزايد بشكل هائل في تلك المنطقة عبر تعزيز وجودهما العسكري والبحري فيها، حيث دخلت مؤخراً حاملة طائرات أميركية إلى منطقة دائرة القطب الشمالي للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة.
في حين يرى ماثيو ريندال وهو محاضر في جامعة نوتينغهام ركز في أبحاثه على التغير المناخي والعلاقات الدولية بأنه من المرجح للمناطق الأقل استقراراً والأكثر عرضة للكوارث مثل سوريا أو الصومال أن تتحولا إلى ساحة حرب للتغير المناخي، حيث يقول: “إن تلك المناطق ساخنة بالأصل، ومعظمها بات فقيراً للغاية، وبالنتيجة يرجح لها أن تعاني من نقص حاد في الموارد، وهجرة جماعية للاجئين، وانعدام الاستقرار على المستوى السياسي. كما أن الصين وروسيا تمتلكان أسلحة نووية، ولهذا يمكن أن تتصارعا على القطب الشمالي، ولكن من غير المرجح أن تشنا حرباً عالمية ثالثة على تلك المنطقة، لأن هذه الحرب مكلفة للغاية”.
في عام 2015، قام فريق بحثي يترأسه كولين بي. كيلي، وهو باحث لدى جامعة كولومبيا، بإعداد دراسة تم تداولها بشكل كبير كونها خلصت إلى أن الحرب التي استمرت لعقد من الزمان في سوريا قد ساءت إلى أبعد الحدود بسبب موجات الحرارة المرتفعة والقحط الذي ارتبط بالتغير المناخي وما أعقب ذلك من اقتتال على الموارد، الأمر الذي أثار حالة اضطراب قام رأس النظام، بشار الأسد، بقمعها بطريقة وحشية.
كارثة خطيرة للغاية
يرى أولاف كوري أستاذ تحديات الأمن العالمي في جامعة ليدز بأنه في الوقت الذي لا بد فيه للتغير المناخي أن يخلف أثراً “هائلاً” على الأمن، يعتبر النزاع في سوريا أسوأ مثال على ذلك، لأنه وجد نقاط ضعف كبيرة في الأبحاث التي تربط بين هذا النزاع والمشكلات المرتبطة بالمناخ، ومن بين تلك العوامل يذكر: “كان من الخطأ إيراد حالات القحط والجفاف وربطها بأماكن اندلاع الاضطرابات التي كانت السبب وراء قمع الأسد.. فنحن لا نريد أن نبرر لهؤلاء المسؤولين شن حروب ظالمة ويتهموا المناخ حتى يخرجوا من المشكلة كما تخرج الشعرة من العجين”.
لعل ما يقصده هذا الباحث هو أن نركز بنسبة أقل على النزاعات التي تقوم على الموارد، وأن نركز بشكل أكبر على ما يجري عندما تنقص مساحة اليابسة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر. ولهذا قام شفقة منير، رئيس مركز بنغلاديش لأبحاث الإرهاب، بتذكير من حضروا منتدى الحوار الدفاعي في سيئول خلال الشهر الماضي بأن بلاده تتوقع أن تفقد نحو 14% من إجمالي مساحة اليابسة فيها بشكل سريع، حيث عبر من وجهة نظر باحث في شؤون الإرهاب عما يلي: “كما بوسعكم أن تتخيلوا سيداتي وسادتي، فإن الكارثة ستكون خطيرة للغاية”.
كانت تلك المرة الأولى التي يخصص فيها منتدى الحوار الدفاعي في سيئول، وهو عبارة عن اجتماع دولي يحضره مفكرون عسكريون من دول جنوب شرق آسيا، وكوريا الجنوبية، وبعض الدول الحليفة الغربية، جدولاً كاملاً للحديث عن موضوع المناخ.
إن معظم النقاشات التي جرت في منتدى الحوار الدفاعي في سيئول لم تركز على المناطق التي ستظهر فيها تلك النزاعات الجديدة، بقدر ما ركزت على استراتيجيات الاشتباك في حرب ضمن ظروف مناخية أشد حرارة وبرودة وعواصف وأبعد عن التوقعات بكثير. فقد عانت قوات حفظ السلام البنغالية في مالي التي تعمل فيها منذ عام 2014 من درجات حرارة قاسية غير مسبوقة، إلا أن الأهم من ذلك برأي منير، هو تعطل أجهزة الاتصال لديهم بسبب اشتداد الحرارة.
وحول ذلك يخبرنا جيف كولغان، أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة براون، ومدير مخبر الحلول المناخية، فيقول: “إن التحول الذي أراه يحدث بين صناع السياسة الدفاعية الأميركيين هو أنهم بدؤوا ينظرون إلى التغير المناخي لا بوصفه مجرد “تهديد مضاعف” (تلك العبارة المحببة لدى البنتاغون) أو كمشكلة واحدة فحسب، بل بوصفه أمراً يغير كامل المشهد الاستراتيجي الذي تعيشه الولايات المتحدة”.
إذ كما غرد جون كيري، وهو المبعوث الرئاسي الخاص لشؤون المناخ، بشكل مقتضب على صفحته على تويتر عقب انتخاب جو بايدن فكتب: “ستصبح لدى أميركا قريباً حكومة تتعامل مع أزمة المناخ بوصفها مشكلة عاجلة تهدد الأمن القومي كما هي بالفعل”.
وهنا يرى كوري، الأستاذ في جامعة ليدز، بأن تغريدة كيري تعتبر مثالاً على “إضفاء طابع أمني” على المناخ، وهذا ما يعرفه بقوله: “جعل الشيء مفهوماً من خلال عدسة الأمن”. بيد أن كوري يشكك بهذا الطرح، وذلك عندما يتساءل: “لماذا تصفونها بأنها مشكلة تتصل “بالأمن القومي” لا كمشكلة تهدد “الأمن البشري” أو أزمة تهدد “الأمن البيئي”؟
تركز الاستراتيجيات العسكرية التي يتم وضعها لمواجهة هذه المشكلات الطارئة على التكيف مع التحديات الجديدة، من دون أن تركز على الحد من الانبعاثات الكربونية بشكل كبير. كما لا تتطرق خطة التغير المناخي التي خرج بها البنتاغون للحديث عن الحد من انبعاثات غاز الدفيئة، بل يأتي “التخفيف” منها في المرتبة الثالثة ضمن قائمة المصطلحات الإرشادية لهذه الخطة، وذلك بعد “التكيف” و”المرونة”.
يذكر أن وزارة الدفاع الأميركية تستهلك نحو 80% من الطاقة التي تستهلكها الحكومة الفيدرالية الأميركية، وذلك بحسب تقرير صدر في عام 2019 عن معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون.
ويعلق كوري على ذلك بقوله: “إذا بدأت الدول الغنية -التي تعتبر المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري في العالم- بضخ الأموال ضمن أجهزة الأمن القومي لديها بدلاً من إزالة الكربون ومساعدة الدول الضعيفة على التكيف، فإن ذلك سيزيد الطين بلة”.
لعل الوقت قد حان بالنسبة للقادة العسكريين الأميركيين على وجه الخصوص، حتى يقلصوا الوقت الذي يمضونه في التخطيط لحرب جديدة تتصل بالمناخ، وليطيلوا الوقت الذي يفكرون فيه بطريقة تمنع قيام تلك الحرب أصلاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا