يتابع السودانيون ما يجري من وساطات محلية ودولية وإقليمية بترقب شديد وحذر يحمل وجهين. الأول، يريد أن تكون الحلول سريعة وتوافقية بين المدنيين والعسكريين، حتى لا تؤثر في مجريات الحياة ومكتسبات البلاد التي تحققت خلال حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
أما الوجه الثاني، فهو أكثر تشدداً من ناحية أنه يريد أن يفرض مطالب موكب 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بإلغاء كل قرارات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان القاضية بإعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء وتعطيل جميع مواد الشراكة بين المكونين العسكري والمدني في الوثيقة الدستورية.
لكن ما مسار هذه الوساطات وتأثيرها في أطراف الأزمة، ومدى قدرتها على إيجاد الحلول التوافقية لتقريب وجهات النظر؟
دستور جديد
في هذا السياق، يقول رئيس المكتب السياسي في حزب الأمة القومي السوداني محمد المهدي، “حتى الآن، توجد وساطات عدة غالبيتها محلية، ما عدا وساطتَي الاتحاد الأفريقي ودولة جنوب السودان، لكن لم يتم التوصل إلى رؤية واضحة للحل. وفي تقديري أن جميع هذه الوساطات ستسير في اتجاه لملمة الأزمة إذا تجاوب العسكريون”.
وأضاف، “هذه الأزمة لا تُحلّ إلا بالحوار، ولا يمكن أن يكون هناك حل غير ذلك. لا بد من وقف الدماء وإضاعة الوقت بتوقّف عجلة الإنتاج، وتعطيل مصالح المواطنين، ونأمل في أن تكون هناك استجابة من المكون العسكري بدل التعنت في المواقف”، متوقعاً إنهاء هذه الأزمة خلال هذا الأسبوع، نظراً إلى الضغوط الدولية التي تمارسها واشنطن وحلفاؤها، إلى جانب الاتحاد الأفريقي، وكذلك ما يقوم به الشارع السوداني من عمليات مقاومة من خلال المسيرات وإغلاق الطرق والشوارع بالمتاريس.
التمسك بالمدنية
في المقابل، أكد سليمان صندل، الأمين السياسي في حركة العدل والمساواة، التي تتبع مجموعة الوفاق الوطني المنشقة عن قوى الحرية والتغيير، أن “الأزمة الحالية سياسية في الدرجة الأولى”، قائلاً إن “وصف قرارات البرهان بالانقلاب العسكري غير دقيق، من منطلق أنها جاءت ملتزمة إقامة الانتخابات العامة في موعدها المقرر في يوليو (تموز) 2023، والعهود والمواثيق الدولية والتحول الديمقراطي واتفاقية جوبا للسلام، وكلها تمثل متطلبات الفترة الانتقالية”.
ونوه إلى أن الوضع يتطلب خريطة طريق تقود إلى حوار شفاف بين الأطراف كافة، لأن الخلافات التي كانت قائمة معروفة منذ فترة طويلة، لكن حان الوقت للترفع عن الصغائر.
ودعا صندل إلى الابتعاد عن تعبئة الشارع بشعارات لا تخدم مصلحة الوطن، وعن التخوين واتهام البعض بأنهم فلول وأنصار النظام السابق، فالحل الحقيقي هو التمسك بالحكم المدني.
وأشار إلى أن “الأجواء تشهد اتصالات يقودها وسطاء من داخل البلاد وخارجها على أمل أن تفضي إلى نتائج مرضية، لكن من المهم الإسراع في تعيين رئيس وزراء سواء حمدوك أو غيره لسد الفراغ التنفيذي الذي من شأنه أن يتسبب في كثير من الأزمات والمشكلات”.
وأضاف “متفائل جداً بقرب انتهاء الأزمة والخلافات بين الأطراف المدنية والعسكرية، وذلك من أجل الوطن الذي يلزم الجميع الابتعاد عن الخلافات الصغيرة والتفرغ لمرحلة البناء، فالكل لديه مصلحة في الديمقراطية”، داعياً إلى “عدم استخدام العنف مهما يكُن، حتى لا تنزلق البلاد نحو المجهول”.
جهود الوساطة
يقود الكاتب الصحافي محجوب محمد صالح مبادرة وساطة إلى جانب عدد من السياسيين والمثقفين السودانيين، بينما يجري ممثل الأمم المتحدة الخاص في السودان فولكر بيريتس مساعي مع أطراف الأزمة تبحث خيارات الوساطة وسبل المضي قدماً.
السودان… رهانات ما بعد 30 أكتوبر
وبدأ وفد من جنوب السودان برئاسة مستشار الرئيس للشؤون الأمنية توت قلواك، أمس الأحد، جهوداً للتوسط بين الفرقاء، فالتقى البرهان وسلّمه رسالة من رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت تدعو القيادة السودانية إلى الدخول في حوار شامل مع مختلف القوى السياسية عدا حزب المؤتمر الوطني لتجاوز التحديات كافة وإيجاد حل عاجل لكل القضايا التي تواجه البلاد، فضلاً عن تأكيد حرصه على الأمن والاستقرار والسلام في البلاد.
وأشار قلواك إلى أن الوفد بصدد إجراء عدد من اللقاءات تضم حمدوك وقوى الحرية والتغيير، للوقوف على جذور المشكلة والعمل على تقريب وجهات النظر.
مرحلة جديدة
إزاء ذلك، أشار تجمع المهنيين السودانيين، الذي يقود حراك الشارع، إلى أنه سيتقدم بمقترح ميثاق استكمال ثورة ديسمبر (كانون الأول) بالتشاور مع القوى الثورية في مقدمتها لجان المقاومة في الأحياء والفرقان، بحيث يؤسس لمرحلة جديدة أساسها التغيير الجذري والسلطة المدنية الكاملة، وصولاً إلى إسقاط المجلس العسكري وتقديم أعضائه إلى محاكمات عاجلة وعادلة على كل جرائمهم في حق الشعب السوداني.
وأكد أنه لا تفاوض مع العسكريين، ولا عودة لما أسماها “شراكة الدم المعطوبة”، بل تسليم السلطة الفوري لحكومة مدنية كاملة تختارها القوى الثورية.
وطالب بتصفية جهاز الأمن وحل الميليشيات بالدمج والتسريح، وبناء جيش وطني مهني بعقيدة أساسها حماية الشعب والحدود تحت إمرة السلطة المدنية.
وحض على تسليم كل شركات الأجهزة الأمنية والعسكرية والتابعة للميليشيات إلى السلطة المدنية، وإنهاء تدخلها في النشاط الاستثماري والاقتصادي في البلاد، فضلاً عن وقف تدخل المحاور الإقليمية والدولية في شؤون الوطن والعملية السياسية.
رأي الشارع
تناقلت وسائل إعلام ووسائط مختلفة بيانات لعدد من لجان المقاومة بشأن ما يدور من وساطات محلية ودولية، تؤكد أن أي اتفاق لا يشمل النقاط الأساسية التي يطالب بها الشارع الذي خرج في موكبي 25 و30 أكتوبر، لا يُعتبر مقبولاً لتيار الثورة السودانية، منوهة إلى أن هناك مطالب عاجلة لإبداء حسن النوايا تتمثل في إطلاق سراح المعتقلين وسحب قوات الدعم السريع (الجنجويد) من الطرقات وتشغيل الإنترنت فوراً، فضلاً عن إيقاف كل أفراد وضباط الجيش والدعم السريع والأمن الذين مارسوا العنف ضد المحتجين في 25 و26 و27 أكتوبر.
وأشارت البيانات إلى مطالب إلزامية للجلوس للوساطة والتفاوض، تتضمن عزل البرهان ونائبه دقلو كحد أدنى، ومحاكمتهما كحد أقصى، والقيام بالإصلاح الأمني والعسكري بإشراف دولي وفق ترتيبات ومواقيت معلنة.
المصدر: اندبندنت عربية