منذ العام 2017 يروج النظام السوري رسمياً وإعلامياً لقانون جديد للإعلام من دون أن يبصر النور، رغم الوعود المتتالية التي قدمها وزير الإعلام السابق عماد سارة بذلك. واليوم يتكرر المشهد مع “تسريبات” قدمتها وسائل إعلام موالية تحدثت فيه عن عودة القانون الجديد إلى “طاولة النقاش” في عهد الوزير الجديد بطرس حلاق.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإن هنالك حالياً مجموعات عمل بدأت بالفعل على دراسة القانون وتعديله، مضيفة أن القانون المرتقب من شأنه معالجة بعض القضايا والمشكلات الأساسية التي تتعلق بمساءلة الصحافيين ومنح التراخيص.
وقال حلاق الذي كان عميداً لكلية الإعلام في جامعة دمشق قبل سنوات، في ختام ورشة عمل “صحافة الحلول المجتمعية”، الأربعاء الماضي، أن “الصحافي اليوم بأمس الحاجة إلى وجود قانون يحميه خلال ممارسة عمله”، لافتاً أن القانون الجديد سينظم عمل الإذاعات والصحافة الورقية والإلكترونية ويستثني السوشل ميديا لصعوبة السيطرة عليها.
وكان مسؤولان في حكومة النظام تحدثا العام 2018 عن دراسة لإصدار قانون جديد للإعلام، يكون شاملاً لقانون الإعلام وللقوانين المتعلقة بمواقع التواصل الاجتماعي، ويفرض غرامات كبيرة على المخالفين. لكن ذلك قد يكون تغير مع التركيز على فرع مكافحة جرائم المعلوماتية في وزارة الداخلية، الذي بات الأداة القانونية التي يسعى النظام من خلالها لإعادة تحكمه بتدفق المعلومات في البلاد، بعد سنوات من “الفوضى” بعد الثورة السورية.
يأتي ذلك بعد استحداث محاكم جزائية متخصصة في الجرائم المعلوماتية خلال السنوات الماضية، فضلاً عن قرارات مثل رفع وزارة الإعلام لرسوم تراخيص الوسائل الإعلامية في البلاد، وفرض رسوم جديدة على المراسلين المحليين والأجانب الراغبين في العمل الإعلامي في الداخل السوري. إضافة لمنع إقامة دورات تدريبية في مجال الإعلام، لإنهاء ظاهرة الناشطين الموالين وضبط إيقاع الخطاب الإعلامي الموالي.
وحتى قبل صدوره، يواجه القانون المرتقب انتقادات لاذعة، بداية من عدم طرحه على موقع “التشاركية” الرسمي كي يتمكن الصحافيون الموالون من رؤيته والتعليق عليه. ما يشير ربما إلى أن مشروع القانون الجديد، لن يختلف عن أي من القوانين السابقة، إلا في إعطائه صلاحيات أوسع لمكتب “جرائم المعلوماتية” في وزارة الداخلية، ليصبح الجهة المكلفة بملاحقة الإعلاميين والمدونين والناس العاديين في مواقع التواصل والمواقع الإلكترونية من أجل فرض رقابة مسبقة مع حرية الاعتقال التعسفي والمسبق،وهو أمر يقوم به المكتب حالياً، من دون أن يرد ذكره في قانون الإعلام الصادر في شهر تشرين الأول/أكتوبر العام 2011، وقدمه رئيس النظام بشار الأسد حينها، على أنه جزء من حملة “إصلاحات” ينوي القيام بها لتهدئة الثورة الشعبية ضده، بموازاة حملته العسكرية لقمع الثورة.
وفي العام 2018، أوضحت تقارير ذات صلة، أن النظام سيتجه لإلغاء عقوبة السجن بحق الصحافيين، واستبدالها بغرامات مالية باهظة، لكن ذلك الواقع الذي يثير استياء الموالين عموماً وإعلاميي النظام خصوصاً، لم يتغير بل ازدادت وتيرة الاعتقالات والقمع.
والحال أن قانون الإعلام الحالي رغم تضمنه الكثير من الخطوط الحمر الفضفاضة، مثل المس برموز الدولة أو المواد التحريضية وغيرها من العبارات، احتوى أيضاً مادة صريحة تنص على عدم جواز اعتقال الصحافي أو استجوابه، ولو كان مرتكباً لجُرم، من دون إبلاغ “المجلس الوطني للإعلام” الذي استحدثه النظام خلال قانون 2011، أو فرع اتحاد الصحافيين الذي يتبع له الصحافي المذنب.
ويمكن القول أن منظمة “مراسلون بلا حدود” لا تصنف سوريا في المرتبة 173 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة للعام 2021، عبثاً، حيث لا تعمد “الدولة السورية” على قتل الصحافيين المعارضين وتكميم أفواههم فحسب، بل أيضاً بسبب نظرة “الدولة السورية” للإعلام في البلاد كجهاز من الأجهزة الرسمية لا أكثر، ما يجعل وظيفته تتلخص بنقل البيانات الرسمية لا أكثر، بالإضافة إلى الرقابة الشاملة على الفضاء العام، والتي يمكن الدلالة عليها باعتراف وزير الداخلية السوري محمد الرحمون مطلع العام 2020 بأن أجهزته تراقب حسابات السوريين في “فايسبوك” من أجل “رصد ومتابعة الصفحات وملاحقتها وتقديم المخالفين إلى القضاء”.
المصدر: المدن