قبل 70 يوماً من حلول موعد توجه الليبيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس وبرلمان جديدين، لا تزال قضية القوات الأجنبية والمرتزقة الآتين من خارج الحدود تشكل قلقاً مزمناً بالنسبة إلى المواطنين، وذلك على الرغم من إعلان اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) خطة من أربع مراحل لإخراج هؤلاء المسلحين من البلاد.
وتصطدم الخطة بعائقين كبيرين لتنفيذها على أكمل وجه، يتعلق الأول بالحيز الزمني الضيق الذي قد لا يكفي لإتمامها في الوقت المناسب، إضافة إلى تواصل الخلاف بين عاصمتي النزاع السياسي والعسكري، بنغازي وطرابلس، حول من تنطبق عليه شروط الاتفاق الخاص بسحب القوات الأجنبية.
انسحاب على 4 مراحل
وكانت اللجنة العسكرية المشتركة المشكلة من طرفي الأزمة الليبية في الشرق والغرب أعلنت من جنيف قبل أيام خطة لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي في البلاد، ولقيت ترحيباً واسعاً على المستويين الدولي والإقليمي، ودعماً غير مسبوق لتنفيذها.
وتنص الخطة على البدء أولاً بسحب المقاتلين الأجانب من خطوط التماس، حيث يقوم كل طرف بسحب تلك القوات إلى نقاط متفق عليها.
وقالت اللجنة العسكرية إن “هذه الخطوة تدخل في إطار تأكيد حسن النيات والرغبة في إخلاء ليبيا من المرتزقة، كما ستعكس الجدية والمقدرة على تنفيذ مخرجات اتفاق وقف إطلاق النار”.
وتنص الخطوة الثانية على استدعاء مراقبين دوليين إلى ليبيا، حيث سيعملون مع مراقبين محليين على تنفيذ الخطة الموضوعة في جنيف، والتي تستلزم الإخلاء التدريجي والمتوازن والمتزامن.
وكانت هذه النقطة بالذات محل إجماع أعضاء اللجنة التي عجلت بإرسال برقية بشأنها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتسريع العمل عليها.
وترتبط المرحلة الثالثة بوصول هؤلاء المراقبين الدوليين وشروعهم في رصد الأعداد الحقيقية للقوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا وتوثيقها توثيقاً صحيحاً بعيداً من التقديرات، كي يتسنى البدء في وضع التفاصيل المتبقية للإخلاء.
أما في الخطوة الرابعة والأخيرة من خطة اللجنة العسكرية المشتركة، فيتم ترحيل المرتزقة من ليبيا على دفعات متتالية وفق خريطة زمنية محددة لم يكشف عن تفاصيلها بعد.
معوقات على طريق التنفيذ
ولقيت الخطة ترحيباً كبيراً على المستويين السياسي والشعبي في ليبيا، لكن محفوفاً بالمخاوف من الفشل عند دخولها حيز التنفيذ، وذلك لأسباب عدة في مقدمها ضيق الوقت الذي يسبق الانتخابات العامة، وثانيها الخلاف حول الوجود التركي في غرب البلاد الذي تصر بعض الأطراف في العاصمة على اعتباره شرعياً، بسبب الاتفاق الموقع مع الحكومة الليبية السابقة، والتي نشرت تركيا بموجبها قواتاً عسكرية تابعة لها ومقاتلين أجانب في الغرب الليبي.
ويتمسك رئيس مجلس الدولة خالد المشري وبعض التيارات والشخصيات السياسية في العاصمة طرابلس باستثناء القوات التركية من اتفاق سحب المقاتلين الأجانب إلى ما بعد الانتخابات على الأقل، وهو ما يواجه برفض شديد من مجلس النواب وقيادة “الجيش الوطني الليبي” في بنغازي.
مساعٍ لإقناع أنقرة
في السياق، تبذل جهات محلية ودولية عدة جهوداً دبلوماسية لإقناع أنقرة بإنهاء وجودها العسكري في ليبيا دعماً للمسار السياسي وإجراء الانتخابات في موعدها المتفق عليه نهاية العام الحالي.
وتقود وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش الجهود الحكومية لحل هذا الإشكال مع الحكومة التركية. وبحسب مصادر ليبية كان هذا الملف هو القضية الرئيسة التي ناقشتها المنقوش في زيارتها إلى أنقرة نهاية الأسبوع الماضي، من دون إحراز أي تقدم في المساعي التي تبذلها منذ توليها منصبها، في إقناع تركيا بسحب قواتها من الغرب الليبي.
تعويل على الدعم الدولي
ومع تعقد هذا الملف المفصلي لحل الأزمة الليبية، تعول الحكومة الليبية على الدعم الدولي سواء عبر الضغط السياسي على الأطراف الخارجية المتدخلة في ليبيا، وعلى رأسها تركيا وروسيا، أو استخدام الردع من طريق العقوبات الدولية التي هددت الأمم المتحدة باستخدامها ضد معرقلي العملية السياسية الليبية من الداخل والخارج.
ولحشد الدعم الدولي لمواجهة أكبر خطر على عملية الانتقال السياسي السلمي في ليبيا، تستعد الحكومة لعقد مؤتمر ضخم في طرابلس بمشاركة دولية واسعة بدءاً من يوم الخميس المقبل، لدعم إجراء الانتخابات في موعدها وإيجاد حلول للعراقيل التي تواجه تنفيذ العملية الانتخابية.
وقالت الوزيرة المنقوش في بيان الأحد 17 أكتوبر(تشرين الأول)، إن “الهدف من المبادرة هو أن تكون ليبيا ساحة للمنافسة الاقتصادية الإيجابية لإيجاد آلية وطنية وموقف دولي وإقليمي موحد داعم ومتسق مع هذه الرؤية، ووضع الآليات الضرورية لاستدامة الاستقرار في ليبيا، بخاصة مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل”.
وشددت المنقوش على أن “مبادرة استقرار ليبيا ترتكز على مسارين يحملان أهمية قصوى، وهما المسار الأمني العسكري والمسار الاقتصادي”.
وبينت المنقوش أنه “بشأن المسار العسكري فإن هذه المبادرة تهدف إلى تقديم الدعم السياسي والتقني اللازم لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ودعم مقررات لجنة 5+5، وكذلك دعم وتشجيع الخطوات والإجراءات الإيجابية التي من شأنها توحيد الجيش الليبي تحت قيادة واحدة بما يعزز قدرته على حماية ليبيا وسيادتها ووحدة ترابها، وأيضاً تقديم الدعم الفني في مجال فك ودمج عناصر المجموعات المسلحة غير المتورطة في الأعمال الإرهابية والإجرامية وتأهيلهم، إضافة إلى انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية الذين يشكل استمرار وجودهم تهديداً ليس فقط لاستقرار ليبيا بل للمنطقة بأسرها”.
توحيد المؤسسة العسكرية
وبالتزامن مع جهودها لإخراج القوات الأجنبية من ليبيا، تخوض اللجنة العسكرية المشتركة معركة أخرى لا تقل صعوبة لتوحيد المؤسسة العسكرية المنقسمة قيادة وعقيدة في الشرق والغرب، وحل الميليشيات المحلية ونزع سلاحها.
وتستعد اللجنة التي تضم طرفي الصراع العسكري في البلاد لعقد اجتماع الأسبوع المقبل، لبحث تنفيذ خطة العمل التي اتفقت عليها أخيراً برعاية أممية ودولية لحل الميليشيات المسلحة ونزع أسلحتها.
وقال عضو اللجنة العسكرية خيري التميمي إن “الاجتماع الذي يعكس رغبة المجتمع الدولي في إنهاء ملف المرتزقة قبل موعد الانتخابات نهاية العام الحالي سيحدد أيضاً شروط إعادة دمج الأفراد الذين تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة للعمل في المؤسسات الأمنية الرسمية”، موضحاً أنه “ستتم إحالة العناصر التي تورطت في جرائم إلى القضاء”.
أسبوع مهم للحسم
وستكون الأيام السبعة المقبلة أصعب وأهم الأيام في عمر الأزمة الليبية منذ بدايتها، لأنها ستحسم ليس مستقبل العملية السياسية وحسب، بل مستقبل البلاد برمتها، وذلك وفق الصحافي الليبي محمد البرعصي.
وقال البرعصي إن “كل العيون والقلوب في ليبيا ستكون معلقة على طرابلس وما سيخلص إليه مؤتمر استقرار ليبيا الذي سيوضح إن كان المجتمع الدولي صادقاً في دعم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وحل الإشكال الليبي المعقد، أو ترك البلاد لمواجهة خطر العودة إلى لغة السلاح التي تبقى احتمالاً حقيقياً إذا فشلنا في تنظيم الانتخابات نهاية العام الحالي”.
المصدر: اندبندنت عربية