نظام الأسد.. للإيجار!

محمد خليفة

(إذا لم تستحي فقل ما شئت) وهذا حال بشار الأسد وزمرته. فهم يكذبون على شعبهم والعالم بدون أن يرف لأحدهم جفن. هل تذكرون إجابته على سؤال صحافي غربي فقال إن قواته لا تطلق النار على المتظاهرين! وهل تذكرون نفيه وجود معتقلين عنده، ونفيه لاستعمال البراميل المتفجرة، أو أن يكون مصدر الهجوم الكيماوي على الغوطة. وقول بثينة شعبان إن الوضع الاقتصادي حاليا أفضل مما كان قبل الحرب، وقول وزير في حكومة النظام مؤخرا إن مرتب الموظف يكفيه للعيش وأسرته إذا أحسن التدبير!  وقول ناصر قنديل إن اسرائيل تموه طيرانها بشعارات الطيران السوري في غاراته على سورية، ولولا ذلك لأسقطتها الدفاعات الجوية.. إلخ!!

أما أوقح أكاذيب بشار وجوقته فزعمهم أنهم استعادوا السيطرة على غالبية أراضي سورية، وأن ” جيشهم الباسل ” حقق النصر، وصار النظام يحكم المناطق التي استعادها. فهل هذا صحيح؟ هل يحكم هؤلاء سورية فعلا؟ هل قواتهم وشرطتهم واستخباراتهم هي التي تحكم؟

الواقع يفضح هلوساتهم وتهيؤاتهم. فالأراضي السورية خاضعة لاحتلال وسلطة عدد من القوات الأجنبية كلها أقوى من قوات فلول جيشهم وأمنهم، وهاكم صورة واقعية على الارض:

أولا – دولة متعددة الجيوش: تأتي في الدرجة الأولى من حيث السلطة الفعلية، هي حسب الترتيب التالي:

1 – القوات الروسية تسيطر على مناطق واسعة، من حدود الاردن، الى حدود تركيا. وهي على ثلاثة أنواع: جيش نظامي. وقوات مرتزقة. وشرطة عسكرية ومدنية.

تمارس رسمية سلطة فعلية على القوات الأخرى السورية والأجنبية، بما فيها الايرانية والتركية، ربما باستثناء الأميركية التي منعت مرات تحرك القوات الروسية في شمال شرق سورية. أما في الداخل فسلطة القوات الروسية تتفوق على ما عداها، وكم مرة قامت بتوقيف دوريات سورية وضباط برتب عالية ومعاقبتهم واهانتهم في الشوارع على مرأى من الناس. ولذلك صار السوريون يلجؤون للشرطة الروسية لتقديم شكاويهم بدل الشرطة السورية!

2 – القوات الايرانية: لها استقلالية في الحركة وتجنيد السوريين وادخال الأسلحة وبناء المنشآت، وشراء العقارات واستثمار الأموال، والسيطرة على حدود سورية مع العراق ولبنان، وتتواجد بكثافة في محيط دمشق وبعض مناطق السويداء ودرعا والقنيطرة، وفي دير الزور، والساحل السوري، وحمص وجنوب حلب، ومواقع من ريف ادلب الجنوبي. وللإيرانيين قوات عسكرية متنوعة، حرس ثوري وباسيج، ومرتزقة أفغان وباكستان. ولهم كوادر وتشكيلات ودينية ومدنية، وثكنات وقواعد ومطارات خاصة. وتقدر مصادر كثيرة اعدادهم بين 50 70 الفا، عدا السوريين المجندين معهم، وبعض التشكيلات التي تتمتع باستقلالية خاصة كحزب الله – لبنان.

والمعروف أن التشكيلات الايرانية لا تخضع للسلطة السورية من جيش وأمن، ولها نفوذ في أجهزة الدولة والحكومة والاوقاف والاعلام والاقتصاد، لا تستطيع أجهزة النظام الحد منها. ويملك الايرانيون حق تجنيد سوريين للقتال معهم، وإطلاق مشاريع لحسابهم. ويمكن القول إن سلطة التشكيلات الايرانية أقوى من سلطة القوات السورية.

3 – القوات التركية: تتواجد في أجزاء مهمة من محافظات: ادلب واللاذقية وحلب وحماة والرقة والحسكة. وازدادت في العامين الأخيرين، فضلا عن هيمنتها على فصائل سورية وطنية واسلامية تمولها تركيا وتشاركها في ادارة المناطق الشمالية من سورية، وخاصة محافظة ادلب ومدن شمالي حلب: عفرين واعزاز ومنبج وجرابلس والباب، وتل ابيض (شمالي الرقة) وراس العين (شمالي الحسكة). ولا تجرؤ قوات النظام الاقتراب منها، بينما اتسع نطاق عمل الأجهزة التركية، الى بناء اجهزة شرطة، واستخبارات، ومؤسسات تعليم، وتعبيد طرق، وشبكات كهرباء، ومؤسسات صحية، وروابط اجتماعية تنطوي على نوايا الاستقرار طويلا.

4 – القوات الاميركية: محصورة في شمال شرق سورية، إما مباشرة تحت اسم التحالف الدولي، وإما بواسطة القوات الكردية الحليفة لها. وهذه القوات اشتبكت مرات مع قوات النظام وطردتها من بعض المواقع قرب الحسكة والقامشلي، وتصدت لقوات روسية، ومنعت دخولها لبعض المناطق، كما منعت قوات تركية من الوصول اليها، من عين العرب غربا الى القامشلي شرقا. ولا أحد يعلم متى وبأي شروط ستنسحب من سورية. ولكن المؤكد أنها باقية ما بقيت الأزمة، وبقيت روسيا وإيران.

ثانيا – سلطة الميليشيات:

1 – في ادلب وبعض مناطق اللاذقية وحلب ميليشيات تتبع هيئة تحرير الشام ومنظمات موالية لها، وأقامت هذه بنية ادارية تبسط سلطتها على الارض، وشكلت (حكومة انقاذ) تدير المحافظة التي يعيش فيها اربعة ملايين نسمة، ولها 40 ألف مقاتل، وتشكيلات امنية. ولمناطقها حدود ومعابر رسمية مع مناطق النظام والقوات الروسية او التركية.

2 – قوات كردية تضم مقاتلين سوريين واتراكا وعراقيين ومتطوعين أجانب، تسيطر على شريط يمتد 700 كم يسكنه سوريون من اثنيات وطوائف مختلفة. وتعمل على تكريس ادارة مستقلة، ولا وجود لمؤسسات النظام السوري إلا في جيوب صغيرة من الحسكة لا يسمح لها الاكراد بتجاوزها.

3 – ميليشيات سورية محلية في درعا وحوران لمنع قوات النظام من دخولها حسب اتفاق المصالحة مع روسيا.

4 – قوات فلسطينية للجبهة الشعبية – القيادة العامة، وجيش التحرير، وتشكيلات اخرى، قاتلت بشراسة على كل الجبهات، وخاصة حلب ودمشق.

5 – قوات محلية درزية لحفظ أمن محافظة السويداء التي لم تنخرط في الثورة فعليا ولكنها رفضت أن تشارك النظام حربه وقمعه، ولا تسمح للجيش السوري واستخباراته بالحركة على أرض المحافظة.

 6 – تشكيلات مسلحة وقوية في مناطق واسعة من ريف حلب الشمالي والغربي والشرقي، تعمل بالتنسيق مع تركيا.

7 – فصائل تدافع عن جبلي التركمان والاكراد قرب اللاذقية وتمنع عودة النظام.

ثالثا – قوات أمن النظام الداخلية:

1 – الاستخبارات، وهي أجهزة كثيرة، أقواها الاستخبارات العسكرية، وأمن الدولة والأمن السياسي. وهي أكثر الأجهزة وحشية، لأنها على تماس مباشر مع المواطنين، وتستطيع اعتقال وتعذيب من تريد. إلا أنها مع انتشار الفوضى وتصاعد الأزمة تنمرت على المواطنين. وأبشع ما اقترفته إضافة للتعذيب ابتزاز الناس والحصول على رشى وفدى واموال خرافية. ولكنها فقدت فعاليتها أمام الجيش، والتشكيلات الاجنبية. وكثيرا ما تعرض عناصرها للإهانة بأيدي الروس والايرانيين وحزب الله والعصابات المسلحة لآل الأسد أو آل مخلوف أو أمثالهم، وظهرت صراعات دموية بين هذه التشكيلات على السلطة والمصالح.

2 – الشرطة المدنية: هذه أضعف أذرع السلطة على الأرض، وتخضع صلاحياتها للتعدي من تلك التشكيلات القوية السورية والاجنبية، ولم تعد لها سلطة فعلية، إلا مساعدة الاستخبارات في مهامها، وتنظيم حركة المرور والسير في الشوارع، والشؤون البلدية والخدمية.

رابعا – دولة العصابات

1 – عصابات ومجموعات محلية: نشأت في مناطق النظام بضوء أخضر من استخبارات النظام، أو إحدى الجهات النافذة، وتتمول ذاتيا، من عوائد النهب وإدارة مراكز تدر مالا. وأكثر ما تتواجد في دمشق وريفها، والساحل. كالميليشيات التي أسسها شخصيات من آل الأسد، وآل مخلوف، ورجال أعمال ووجهاء موالون للنظام، وزعماء عشائر في الشمال والشرق السوريين). ولا توجد احصائية رسمية لإجمالي هذه العصابات التي تحصل على السلاح من النظام. وهذه العصابات تمارس السلب والنهب والتعفيش وقطع الطرق وسرقة السيارات والمحال التجارية.

2 – تشكيلات سياسية مقاتلة تتراوح طبيعتها ما بين العصابات والميليشيات، عكس الأولى، فالمقاتلون فيها غير سوريين، بل متطوعون من لبنان ومصر والجزائر وتونس تحركهم الأيديولوجيات القومية واليسارية، وغالبية هذه المجموعات تمولهم إيران أو النظام حصرا.

الحصيلة:

المشهد النهائي لوضع سورية الداخلي يوحي بأن نظام الأسد قد خصخص الدولة بقطاعاتها الاستراتيجية والحيوية، بما فيها الجيش والأمن، وسلمها لدول عديدة طوعا أو كرها، أو لعصابات من المجرمين المحترفين. واعترف ضابط أمن منشق أنهم كانوا يعرضون على المحكومين في جرائم جنائية كاللصوص وتجار المخدرات والقتلة والمحتالين أن يتجندوا في اجهزة الأمن مقابل الافراج عنهم، وكان كثيرون يقبلون فيفرج عنهم ويدربونهم وينظمونهم في تشكيلات عسكرية اجرامية، بما في ذلك تدريبهم على (الجهاد) في صفوف منظمات اسلامية متطرفة وتكليفهم بالانخراط في فصائل المعارضة والمقاتلة لحساب الاستخبارات!

الأمن في سورية الآن موزع بين شرطة روسية وحرس ثوري وميليشيات عراقية ولبنانية وافغانية وباكستانية موالية للنظام، وقوات أوزبكية في المقلب الآخر. أي أنه لا دولة في سورية ولا سلطة واحدة، ولا أجهزة موحدة. ولا فرق بين اللصوص وحماة الأمن، ولا بين الجيش وبين العصابات.

فعن أي سلطة يتبجح بشار وزمرته، وهم لا يسيطرون على قواتهم المنفلتة وميليشياتهم المتعددة الجنسيات؟ وما هي هذه الدولة التي يحكمها هؤلاء؟!.

الأكيد إن هذه الفصائل والتشكيلات والعصابات قد منعت سقوط النظام، ولكنها لم ترجع السلطة للطغمة الحاكمة، بل احتفظت بها لنفسها لمواصلة السلب والنهب. ومن الواضح أنها أصبحت الآن مصدر خطر جدي يهدد النظام والمجتمع على حد سواء. ونتيجة ذلك اصبحت سورية دولة للإيجار!

 المصدر: مجلة الشراع اللبنانية 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى