في أعقاب أول اجتماع مباشر من نوعه جمع الرئيسين المشتركين لوفدي المعارضة والنظام السوريين هادي البحرة وأحمد الكزبري، انطلقت أعمال الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية، صباح أمس الاثنين، بعد عامين و5 جولات لم تفلح في إنجاز أي حل للمعضلة السورية وتشعباتها.
ورغم نشاط المبعوث الأممي غير بيدرسون الذي استبق متاهات الجولة السادسة، بزيارات مكوكية للعواصم المؤثرة، في محاولة منه لإعطاء زخم يحقق لجولته الراهنة اختراقاً ما، إلا أن جملة من القضاة والمحامين السوريين شككوا في أن تسفر هذه الجولة عن أية نتائج، أسوة بسابقاتها، لا على مستوى الشكليات ولا على مستوى الموضوع، معتبرين أن القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري تنص صراحة على أن الحل السياسي يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية، لا بكتابة دستور جديد أو تعديلات دستورية، أو تصوير المشكلة على أنها أزمة دستورية عابرة يمكن حلها بتوافق مجموعتين محسوبتين على النظام والمعارضة، مؤكدين أن النظام لا يحترم أي مبدأ دستوري أو قاعدة قانونية أياً كان مضمونها. حيث اعتبر القاضي حسين حمادة أن سوريا «أمام عملية احتيال دولية … بهدف الالتفاف على القرارات الدولية التي تنص على أن الحل السياسي في سوريا يبدأ بحكم انتقالي كامل الصلاحيات».
الهيئة المصغّرة
وما زاد من إثارة الجدل والهجوم على الجولة التي حكم عليها الكثيرون بأنها ميتة قبل ولادتها، هو استخدام المبعوث الأممي مصطلح «الإصلاح الدستوري» بوصفه أنه «أول مخرجات اللقاء» الذي جمع رئيسي اللجنة المشتركة للجنة الدستورية، من طرفي النظام والمعارضة، وذلك بعدما كان الحديث يدور خلال الجولات السابقة، عن عملية مناقشة دستور جديد للبلاد، وهو ما اعتبره خبراء لـ«القدس العربي» بأنه خرق واضح للقواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية التي تنص على «وضع مسار لصياغة دستور جديد تجري، بناءً عليه، انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي؛ ومع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية لسوريا» حيث يكمن الفرق بينهما بأن الأول يقتضي رحيل بشار الأسد حكماً، أي أنه سيكون مدخلاً لإسقاط النظام، بينما الثاني يعني شراكته وإعادة إنتاج النظام السوري.
ويحضر أعمال الجولة القائمة في مدينة جنيف السويسرية، أعضاء الهيئة المصغّرة، بمشاركة وفود النظام والمعارضة والمجتمع المدني وبرعاية الأمم المتحدة الذين يشكلون مجموعة مكونة من 15 عضواً موزعين بالتساوي بين الأطراف الثلاثة. وتستمر هذه الاجتماعات حتى 22 تشرين الأول/أكتوبر، بعد توقّف استمر نحو تسعة أشهر، حيث عُقدت الدورة الخامسة من اجتماعات اللجنة في 25 يناير/كانون الثاني 2021.
وفي تصريحات لرئيس اللجنة الدستورية عن المعارضة هادي البحرة، قال «بدأنا لقاءات مع المبعوث الأممي بيدرسون وكان لقاء إيجابياً وناقشنا كيفية تطبيق الاتفاقات التي توصلنا إليها، حيث توصلنا لتفاهمات، ونأمل ان نصل لمرحلة التصويت على هذه التفاهمات، وهذا لا يعني أن هناك مسودة جاهزة ولكن دون تطبيق القرار الأممي 2254 لن يكون هناك إمكانية للتصويت على مسودة الدستور الجديد».
عضو المركز السوري للدراسات القانونية، وهيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا المحامي ميشال شماس، اعتبر أن اللجنة الدستورية ليس لها ولن يكون لها أي تأثير على حل القضية السورية، واصفاً العملية الدستورية بأنها «مضيعة للوقت» وأداة لقطع الطريق أمام أية عملية انتقالية، معتبراً أن ما تحتاج إليه سوريا اليوم هو الاتفاق على مرحلة «علاجية» انتقالية للبلاد التي عانت من دمار بشري واقتصادي، وتحتاج لإنجاز هذا التعافي خروج النظام الذي ساهم في تدميرها.
«مضيعة للوقت»
وقال لـ «القدس العربي» بصرف النظر إن حققت اللجنة الدستورية تقدماً أم لا فلن يكون له تأثير على مسار حل القضية السورية، لأن اختيار المسار الدستوري كمدخل للحل في سوريا من قبل روسيا هو بهدف تعطيل الحل الذي نص عليه القرار 2254 وإعادة تدوير نظام الأسد. أما بالنسبة لجدية النظام السوري في الانخراط في أعمال اللجنة، فقال «هو منخرط فيها ليس لأجل صياغة دستور كما نص عليه القرار الدولي 2254 بل للمماطلة والتسويف حتى يستطيع فرض رؤيته في هذا المسار إن نجح طبعاً».
وأضاف، أن اختيار اللجنة الدستورية بوصفها مدخلاً للحل في سوريا ليس مضيعة للوقت وحسب، بل وأيضاً لقطع الطريق أمام أية عملية انتقالية، وأيضاً لمنع الحديث عن المحاسبة والعدالة، تلك العملية التي نصّ عليها بيان جنيف وشدد على تنفيذها القرار 2254 الذي نصّ في فقرته الأولى على التنفيذ الكامل لبيان جنيف، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية، الذي حدد بوضوح الخطوات الواجب اتباعها ابتداءً ببناء إجراءات الثقة من خلال وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين لدى جميع الأطراف، ورفع الحصار وحرية التنقل والتظاهر السلمي والسماح للمنظمات الدولية بالوصول لكل المناطق، وتأكيده ثانياً على أن أية تسوية سياسية يجب تُقدِّم عملية انتقالية للشعب السوري، وإقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية، وأن تمارس هيـئة الـحكم الانتـقالية كامـل السلطات التـنفيذية.
وعلى أساس ذلك يمكن أن يُعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام تليها انتخابات برلمانية وتشريعية.
القرار 2254 هو الأساس
واعتبر شماس أن الإصلاح الدستوري مهم ويحتاج إلى توافق بين السوريين، أما صياغة الدستور فلا تتم بهذه الطريقة التي تجري في جنيف بل لا بد من أن تتم صياغته عبر لجنة منتخبة من الشعب على الأقل نصفها منتخب ونصفها بالتعيين بالاتفاق بين القوى السياسية والمجتمعية. وما تحتاجه سوريا في هذه المرحلة، وفق المحامي «ليس إلى صياغة دستور جديد لسوريا على أهميته، بل إلى الاتفاق على مرحلة انتقالية تلي تثبيت وقف إطلاق النار، فالبلاد في حالة دمار وخراب شبه كامل بشرياً واقتصادياً، وهي تحتاج بالتأكيد إلى فترة علاجية لا تقل عن سنتين لمساعدتها على وقف الانهيار في المجتمع، وسلوك طريق التعافي من المأساة الرهيبة التي تعيشها. هذه الفترة العلاجية تحتاج إلى مدة لا تقل عن سنتين. ولن تتعافى سوريا من محنتها، إن بقي في الحكم من ساهم في تدميرها وكان بإمكانه تفادي ذلك ولم يفعل».
ووصى الخبير القانوني بـ «توحيد الجهود في البحث عن أساليب جديدة للضغط من أجل تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بسوريا وفي مقدمها بيان جنيف والقرار 2254 وفقاً للترتيب الذي نصت عليه، كأساس لحل المأساة السورية والخلاص من هذا النظام». وينص القرار الأممي على تشكيل حكم انتقالي، وكتابة دستور يسبق إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما قسم العملية الدستورية إلى 4 أقسام، هي الحكم، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
ووصف المبعوث الأممي بيدرسون، الجولة الخامسة التي عقدت في 25 كانون الثاني/يناير الماضي، من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، بأنها «مخيبة للآمال» وأشار إلى الموقف المتعنت لوفد النظام قائلاً: «أبلغت أعضاء هيئة صياغة الدستور (المصغرة) المكونة من 45 عضواً أنه لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو» وشرح السبب قائلاً إن وفد المعارضة أكمل صياغة المبادئ العشرة الأساسية في الفصل الأول من الدستور وعرضه، إلا أن وفد النظام لم يقبل المقترحات، وأن رئيس وفد المعارضة، هادي البحرة قبل المقترحات إلا أن رئيس وفد النظام أحمد الكزبري رفضها.
عضو هيئة القانونيين السوريين المحامي عبد الناصر حوشان اختصر أعمال اللجنة الدستورية بالقول «رغم مرور سنتين على تشكيل اللجنة لم تُسفِر عن أي نتائج وإنما كانت مجرد دوامة يسبح في فلكها المتوهمون بإمكانية تحقيق انفراج مع هذا النظام المجرم».
واعتبر في تصريح لـ «القدس العربي» أنه يحكم على الأعمال من خلال « النتائج – و التكلفة – و الزمن المستغرق» فكلما زادت التكلفة وطال الزمن تُفرَّغ الأعمال من محتواها حتى لو حققت أي نجاح مهما كانت نسبته، وقال «لو حكمنا على اللجنة الدستورية من خلال هذه المعايير لوجدنا أن النتائج صفر حتى اليوم مع زيادة الثمن من إرهاق السوريين سواء كانوا نازحين أو مهجّرين أو لاجئين، وسواء كانوا في مناطق سيطرة النظام أو في المناطق الخارجة عن سيطرته، ومرور حوالي سنتين، مما يعني هدر الوقت، والتفريط به مقابل لا شيء وهذا هو العبث بعينه، وليس من المتوقّع ممن اتخذها وسيلة لكسب الوقت في زيادة القتل والتدمير والتهجير والنهب أن يسمح بأن تكون عبئاً عليه أو وسيلة للضغط عليه لتقديم أي تنازل لأن أي تنازلات من قبل هذا النظام تًعجِّل في إسقاطه حسب عقليته».
خرق واضح
وإزاء الحديث عن الإصلاح الدستوري، اعتبر الخبير القانوني أن ذلك خرق واضح لما ورد في القرار 2254 ويؤكد ذلك ما ورد في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة الموجهة إلى مجلس الأمن بتاريخ / 26/09/2019 المتضمِّنة القواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية والتي جاء فيها «في إطار أداء مهمته بموجب التفويض الممنوح له في قرار مجلس الأمن 2254 (2015) بما في ذلك تيسير المفاوضات السورية – السورية، ومنها وضع مسار لصياغة دستور جديد تجرى، بناءً عليه، انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي؛ ومع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية لسورية».
وقال حوشان إن الفرق بين التجديد والإصلاح الدستوري، كبير، ويتجلى في أن إنتاج دستور جديد يعني حكماً القبول بإلغاء الدستور القديم، ومن مفاعيل الإلغاء، إلغاء الآثار القانونية والدستورية التي كانت تستند إليه، ومنها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، وإن إقرار الدستور الجديد يتبعه حكماً انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية جديدة، ولا يشترط إكمال الولايات القائمة للسلطات الثلاث.
أما الإصلاح الدستوري، فيعني إمّا إضافة مواد دستورية جديدة وإلغاء أخرى، وإمّا تعديل بعض النصوص تخفيفاً أو تشديداً، وبالتالي إضفاء الشرعية على كل ما تم من إجراءات سابقة استناداً اليه كما ذكرنا كالانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية وبالتالي شرعية إكمال ولاية بشار أسد أو برلمانه لولايتيهما الباطلة الحالية، ويكمن الفرق بينهما أيضاً بأن الأول يقتضي رحيل بشار أسد حكماً أي أنه سيكون مدخلاً لإسقاط النظام، بينما الثاني يعني شراكته، وإعادة إنتاج النظام.
المصدر: «القدس العربي»