خرج نظام الرئيس السوري بشار الاسد بنصر سياسي جديد من الدورة الحالية للجمعية العامة للامم المتحدة. سبع دول عربية أرسلت وزراء خارجيتها للقاء نظيرهم السوري فيصل المقداد في نيويورك، بشكل علني، ودّي، يبغي طي صفحة سنوات القطيعة الدبلوماسية، ويمهد لفتح صفحة جديدة لم يعد يحول دونها أي موقف سياسي أو أي إعتبار أخلاقي..أو أي تدخل أميركي.
في الاصل لم تكن هناك قطيعة كاملة. القرار الذي صدر بالاغلبية عن الجامعة العربية في خريف العام 2011 نص على تعليق عضوية سوريا حتى يتوقف النظام عن قمع معارضيه وإغلاق السفارات والقنصليات وفتح قنوات الاتصال الامنية والاستخباراتية، التي سجلت في السنوات القليلة الماضية، نشاطاً محموماً، بعدما مالت كفة الصراع لمصلحة النظام نتيجة التدخل الايراني ثم الروسي، وظهرت التنظيمات الاسلامية المسلحة في مناطق المعارضة السورية.
ما إستجد أخيراً، لا سيما في نيويورك، هو رفع مستوى التواصل من رتبة ضباط الاستخبارات، أو ما كان يعرف ب”دبلوماسية الاستخبارات”، الى مرتبة وزراء الخارجية، الذين حضر منهم سبعة في نيويورك، هم وزراء مصر والاردن والعراق وتونس وعُمان وموريتانيا وفلسطين، وغاب منهم وزراء دول عربية أخرى لا تقل حماسة للتطبيع مع نظام الاسد، بينها لبنان والسودان والجزائر واليمن والبحرين والامارات، ما يعني أن سوريا باتت تتمتع بأغلبية الثلثين للعودة المظفرة الى الجامعة العربية.
ويتردد أن الجزائر، التي وقفت مع النظام السوري بحزم منذ أن أطلق الرصاصة الاولى على معارضيه غير الاسلاميين في درعا في ربيع العام 2011، هي التي ستتولى مهمة إستعادة النظام مقعده العربي، في خلال القمة العربية العادية التي تستضيفها في نهاية شهر تشرين الاول/أكتوبر المقبل، وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية الجزائرية رمطان لعمامرة بقوله مؤخرا أن سوريا موضوع أساسي في التحضيرات لتلك القمة، وعودتها الى الجامعة العربية ستكون خطوة متقدمة في عملية لم الشمل العربي.
وتتسلح الجزائر بغالبية الثلثين، إن لم يكن أكثر، لكي تنظم هذه العملية الدبلوماسية التي قد تشمل دعوة الاسد الى حضور القمة، بعد ان يقرر إجتماع وزراء الخارجية التمهيدي إلغاء قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة..بإعتبار أن النظام السوري توقف عن قمع معارضيه، وهي مهمة صارت في عهدة الايرانيين والروس ومسؤوليتهم، التي لا يمكن ان تجادل في أي قمة عربية، لا سيما إذا كانت قمة تنعقد في فترة يرفض فيها الاميركيون مجرد التعبير عن موقف من الازمة السورية، التي لم تعد على سلم إهتمامات إدارتهم الجديدة، غير المعنية حتى بتعيين مبعوث خاص الى سوريا، ولا بالنقاش حول ما كان يسمى إعادة تأهيل الاسد، او التواصل معه ولو بشروط، أو حتى التطرق الى مستقبله في أي تفاوض مع الايرانيين والروس.
ولأن خريطة سوريا لا تظهر على أي مرصد أميركي، فمن الطبيعي الإستنتاج أن العودة السورية الى الحضن العربي، خلال قمة الجزائر، لن تكون مجرد إنتهاز لفرصة أميركية متاحة، بقدر ما ستكون إنتكاسة عربية أمام إيران وروسيا اللتين تنتظران بفارغ الصبر تقدم العرب نحو سوريا لتحمل جزء من أعباء أزمتها وتكاليف إعادة إعمارها.. حتى ولو إقتضى الأمر التخلي عن الاحتفالات الايرانية والروسية المرتقبة بالنصر النهائي في معركة حماية نظام الاسد.
ويبدو أنه ليس على جدول أعمال أحد، لا من العرب ولا سواهم، البحث في ما يمكن ان يقدمه نظام الاسد لشعبه على الاقل مقابل عودته الى الحضن العربي، التي ردد أكثر من مرة أنه لم ولن يطلبها، بل ألمح الى أنه سيطلب إعتذاراً عربياً عن قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة.. يمكن أن يصدر عن قمة الجزائر، باللغات الثلاث، العربية والفارسية والروسية.
المصدر: المدن