ما مصير أكثر من 9 آلاف عائلة بعد قرار فصل المعلمين السوريين في تركيا؟

أحمد طلب الناصر

“بقيت يومين أشكّك بمضمون خبر فصلنا من التعليم وتوقُّف الدعم الشهري (2020 ليرة تركية) محاولاً إيهام نفسي بأن صورة القرار الذي تم تداوله عبر مجموعات وغرف التعليم على مواقع التواصل الاجتماعي، مجرد مزحة ثقيلة -فوتوشوب- من قبل بعض الزملاء بهدف إرباكنا وتحريضنا للمشاركة بالحملات الموجّهة لليونيسف والتربية التركية والمطالبة برفع أجورنا أو تجديد العقود السنوية، إلى أن رأيت لائحة بأسماء المعلّمين السوريين في إسطنبول من الذين وقع عليهم اختيار التربية التركية للاستمرار بعملهم (وهم 542 معلماً، أي نحو ثلث المعلمين السوريين الذين كانوا على رأس عملهم في الولاية والبالغين 1483 معلماً ومعلمة)”.

بهذه العبارات يصف المعلم السوري “عبود” (49 عاماً) وقْع نبأ فصله مع زوجته المعلمة من سلك التعليم، وبالتالي إيقاف الدعم الشهري الذي كان كفيلاً فيما مضى بتغطية آجار المنزل والفواتير وقيمة المواصلات.

ما حقيقة إنهاء عقود المعلمين السوريين في تركيا؟

أما زوجته “فاطمة” (44 عاماً) فتضيف قائلة: “والله ما كنتُ لأحتجّ لو أنهم أبلغونا بهذه الخطوة قبل 3 أو 4 أشهر، لكنّا توجهنا إلى مفوضية اللاجئين لتقديم طلب لجوء إلى إحدى الدول أو على الأقل كنا جمعنا مرتّبات (دعم) تلك الشهور وبعنا أغراض المنزل ودفعنا لأحد المهرّبين كي (يرمينا) على جزيرة أوروبية أو في أعماق البحر. فهذا أرحم لي ولأبنائي الـ3.. ولأبيهم أيضاً!”.

نطقت فاطمة جملتها الأخيرة وهي تشير إلى زوجها عبود الذي أمال رأسه نحو الأسفل محاولاً إخفاء دمعات سالت فجأة على وجنتيه.

ماذا ينتظرُ آلافَ العائلات السورية؟

أقل من أسبوعين تفصل بين 9 آلاف عائلة سورية لاجئة في تركيا، من بينها عائلة عبود وفاطمة، وبين مصيرها الذي سيتحدد في مطلع شهر تشرين الأول المقبل بمجرد مطالبة أرباب تلك العائلات بدفع إيجار منازلهم -الذي تضاعف إلى درجة تدعو للبكاء في الآونة الأخيرة- وقيمة فواتير الكهرباء والماء والغاز، التي ارتفعت قيمة تكلفتها هي الأخرى خلال الشهور الثلاثة الأخيرة لتساوي في بعض الأحايين قيمة إيجار المنزل نفسه، بل وتزيد.

9 آلاف عائلة سورية وأكثر، ذنبها الوحيد أن معيلها يعمل معلّماً! أضحت اليوم مهددة ليس بالجوع والتشرّد والفاقة فحسب بل بسلامتها وأمنها وحياتها أيضاً بعد أن بات التفكير بالعودة إلى مناطقهم المحتلّة من قبل نظام الأسد أحد خياراتها المطروحة للاستمرار بالعيش ضمن أدنى المتطلبات.

القرار ومضمونه ومعايير انتقاء المعلمين

وبحسب ما ورد في مضمون القرار الصادر عن وزارة التربية التركية بتاريخ الـ10 من شهر أيلول الجاري، والذي أُرسل عبر البريد الإلكتروني إلى مختلف المدارس التركية التي تضم معلمين سوريين؛ فإن “مديرية تعليم مدى الحياة” التابعة لوزارة التربية التركية والمسؤولة عن التعليم ما قبل الجامعي، قررت تعيين “موظفين سوريين لدعم التعليم (وهم جزء من المعلمين المعيّنين سابقًا كمدربين متطوعين) بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في تركيا والهلال الأحمر التركي، بشرط أن يكون الموظفون المراد تعيينهم حاصلين على درجة البكالوريوس على الأقل وأن يكون مستوى مهاراتهم في اللغة التركية (مستوى1B) فما فوق”.

وطلبت مديرية تعليم مدى الحياة من المدرسين الذين سترد أسماؤهم ضمن قائمة المعيّنين، التوجه إلى مديريات التربية الفرعية في كل ولاية وتقديم الأوراق والثبوتيات المطلوبة (شهادة جامعية كحد أدنى، بالإضافة إلى شهادة مستوى B1 في اللغة التركية) خلال ساعات الدوام في يومي الـ13-14 من أيلول 2021.

وأضافت المديرية أنها أجرت مفاوضات مع المؤسسات المعنية -المفوضية الأوروبية والهلال الأحمر التركي- وتم الاتفاق على تشغيل ما مجموعه 3000 معلّم سوري فقط (من بين مجموع المعلمين المتطوعين الذين يزيد عددهم على 12 ألف معلّم)، بحيث يتم تعيين 2500 منهم ضمن المشروع الجديد تحت إشراف وزارة التربية التركية، بينما ستشرف هيئة الهلال الأحمر التركية على تعيين المعلمين الـ500 الباقين.

الأسباب والذرائع

بصدور هذا القرار الذي يتزامن مع الأيام الأولى للعام الدراسي الحالي (2021- 2022) تكون منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) قد أعلنت عن انتهاء برنامجها في دعم المعلمين السوريين العاملين في تركيا، وذلك بعد نحو 5 سنوات من بدء عمل مشروع “دمج الطلاب السوريين في المنهاج الوطني التركي”، المدعوم من قبل مفوضية الاتحاد الأوروبي تحت إشراف اليونيسف والتربية التركية.

البرنامج تم إطلاقه من قبل وزارة التربية والتعليم التركية بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الأوروبي (الجهة الداعمة) في عام 2016، وأطلق عليه مشروع “دمج اللاجئين الأطفال السوريين” PICTES أو (PIKTES بحسب اللفظ التركي) في النظام التعليمي الوطني التركي، ويتم تغطية كامل ميزانية المشروع من قبل الاتحاد الأوروبي في إطار “برنامج الدعم المالي لأجل اللاجئين في تركيا” عبر نظام “الهبة” المباشرة.

وغطّى المشروع 26 ولاية تركية، تمثل الولايات التي ينتشر فيها القسم الأعظم من اللاجئين السوريين. وكان يفترض أن يستمر المشروع حتى شهر كانون الأول من عام 2021، بحسب تأكيد الموقع الرسمي للمشروع.

قبل ذلك، كان المعلمون السوريون يشرفون على تعليم الطلاب السوريين المنهاج التعليمي السوري المعدّل، في “المراكز السورية المؤقتة” التي كانت تنتشر داخل المخيمات منذ نهاية العام 2011 ثم راحت تتبع لبعض منظمات “الإغاثة” والجمعيات الأهلية داخل بعض المدن والولايات التركية منذ عام 2012 وحتى انطلاقة مشروع الدمج عام 2016.

الطلاب السوريون من نصيب المفوضية الأوروبية والمعلمون من نصيب اليونيسيف

تكفّلت مفوضية الاتحاد الأوروبي بتغطية كل النفقات المترتبة لإتمام خطة دمج الطلاب السوريين في المدارس التركية خلال الأعوام ما بين 2016- 2021، بما في ذلك تعيين نحو 5 آلاف مدرّس تركي لإعطاء دروس تقوية في اللغة التركية للطلاب السوريين تحضيراً لدمجهم النهائي مع أقرانهم الأتراك داخل المدارس التركية. وتقاضى كل مدرّس من أولئك المدرّسين مرتباً شهرياً بلغ نحو 1000 دولار أميركي مقدمة من المفوضية الأوروبية.

وبالتزامن مع دمج طلاب الصفوف (ابتداءً بالصف الأول والخامس عام 2016 ثم الثاني والسادس والتاسع في العام الذي تلاه.. وهكذا دواليك)، جرى توزيع المعلمين السوريين تباعاً على المدارس التركية أيضاً.

وبلغ عدد المعلمين السوريين الموزعين على المدارس التركية (بعد إغلاق آخر مركز مؤقت لتعليم السوريين الذي تزامن مع دمج آخر الصفوف -البكالوريا- في عام 2020- 2021) 12 ألفاً و352 معلماً. ما يقرب من ثلثهم تم توزيعهم على مدارس “إمام وخطيب” لتدريس مبادئ اللغة العربية للطلبة الأتراك مع الطلبة السوريين الذين تم دمجهم. أما بقية المدرسين فقد تم توزيعهم على مختلف المدارس التركية الأخرى بصفة “مشرفين وموجهين ومترجمين ومكتبيين ومناوبين”، نظراً لعدم وجود شواغر تدريسية يعملون بها داخل المدارس.

وبالتزامن مع توزيع المعلمين السوريين في السنوات الثلاث الأولى من خطة الدمج، أخضعت اليونيسف المعلمين السوريين لـ3 دورات تربوية مكثفة، بمعدل دورة واحدة سنوياً على مدى أسبوعين كاملين للدورة الواحدة، ومُنح للمعلمين في نهاية كل دورة شهادة رسمية موقعة من قبل المنظمة الأممية ومن التربية التركية.

وخطوة توزيع المعلمين تلك، جاءت بالاتفاق بين وزارة التربية التركية ومنظمة اليونيسيف التي تكفّلت بدفع مرتبات شهرية (بدل تطوّع) للمعلمين السوريين منذ البدء بخطة دمج الطلبة السوريين، منتصف العام الدراسي 2016- 2017. حيث تم توزيع عقود (تطوّع مع اليونيسيف) على المعلمين، يتم تجديدها سنوياً، وهي عبارة عن عقود تتضمن الواجبات التي يجب على المعلمين الالتزام بها خلال عملهم داخل المدارس التركية.

وبلغ بدل التطوّع في السنة الأولى 900 ليرة تركية (نحو 300 دولار أميركي آنذاك)، وارتفع تدريجياً بصورة سنوية ليبلغ اليوم 2020 ليرة تركية (نحو 300 دولار أيضاً) يتم تحويلها من مكتب المنظمة في تركيا لحساب المعلمين عبر مؤسسة “البريد والحوالات التركية”  (ptt)

ومع قرار فصل المعلمين الأخير، يكونون قد فقدوا موردهم الوحيد الذي يُمكّنهم من دفع أجور منازلهم على أقل تقدير.

خيارات وبدائل وردود فعل متفاوتة

“راغب أحمد بكريش” أحد المعلمين الذين لم ترد أسماؤهم ضمن قوائم المعينين في ولاية إسطنبول، فتم استبعاده على ضوء القرار الأخير. وعمل بكريش خلال السنوات الخمس الماضية كمدرّس لمادة الرياضيات التي يحمل شهادتها من جامعة حلب، إلا أنه حاصل على شهادة A2 في اللغة التركية ولم يتمكن من تقديم شهادة إتمام دورة اللغة (مستوى B1) إلا بعد صدور قوائم المعلّمين المُختارين بساعات قليلة.

يصف بكريش خياراته البديلة بأنها “ليست كلّها خيارات ممكنة إنّما مجرّد أفكار قد تصل لدرجة الأحلام”، ويرتّبها بحسب الأولوية على الشكل التالي: “أولاً الهجرة إلى كندا أو أوروبا، ثانياً العودة إلى الشمال السوري، وبدأت بإجراء اتّصالات مع الأصدقاء المقيمين هناك، للأسف الوضع هناك سيئ جدًا، بطالة وغلاء، ولو تكلّمت فقط عن وضع المدرّسين فهو أسوأ من غيرهم”.

ويضيف: “لا يوجد أفق واضح ولا حتى عمل آني، مثلًا في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ممنوع افتتاح المعاهد الخاصّة إلا بترخيص تركي، وعند السعي للحصول على ترخيص تركي نصطدم بأنّه لا يوجد إمكانية للترخيص، فالعمل حصرًا إما ضمن غطاء المنظّمات أو بشكل “غير شرعي” -بحسب تقييم القوات المسيطرة هناك”.

ويتابع بكريش تحديد خياراته فيقول: “ثالثاً التدريس (أونلاين) وهذا حديث ذو شجون، فنحن المعلّمين السوريّين لا نتقن التدريس إلا بلغتنا الأمّ، حتى لو أتقن أحدنا التركية فإنّها من أجل الحديث اليومي ولا يصل مستوانا فيها إلى التدريس والشرح، ما يضيّق شريحة المستهدفين بشكل كبير، أضف إلى ذلك أنّ أبناء السوريين الذين درسوا عدة سنوات في المدارس التركية لم يعودوا قادرين على الاستماع لشرح باللغة العربية حتى لو كانوا متحدثين بها، فأولادي نفسهم لا أستطيع تدريسهم وهم بحاجة لمدرّس تركي أو منصّة تعليم أونلاين تركية! كلّ هذا ولم نتحدّث عن الانطباع السيئ الذي تركته تجربة التعليم أونلاين خلال جائحة كوفيد-19 والذي جعل نسبة كبيرة من الناس تهرب بعيدًا عند سماع هذا المصطلح”.

ويناقش بكريش خياره الرابع الذي خصصه لفكرة افتتاح مشروع خاص، فيقول: “افتتاح أي مشروع أو شركة في تركيا له الكثير من المتاعب والصعوبات، فالإجراءات القانونية مكلفة ومتعبة وتأخذ زمنًا طويلًا. باعتبار أنّ الوقت متوفّر بكثرة، فالكلفة المادية هي العائق الأكبر، فطوال سنوات كنا نعيش براتب 2020 ليرة تركية التي هي أقلّ من الحدّ (الأصغري) للأجور بتركيا. حتى لو كانت لدينا مدّخرات، فقد استنفدت خلال هذه السنوات، بالتالي نحن بحاجة لتمويل للمشاريع التي نفكّر فيها، غالبية السوريين توجّهوا إلى هذين المصدرين: الأقارب والأصدقاء في أوروبا والخليج، بيع ما تبقّى من أرض أو منزل في سوريا”.

وخامساً، يقول بكريش:” العودة إلى سوريا (المفيدة) بحسب وصف روسيا لها. صحيح أنّ ما تبقّى من الشعب السوري هناك يكاد يموت من الجوع، لكن لو بقينا هنا بلا عمل سنلغي كلمة (يكاد) وسنموت من الجوع حرفيًا”.

ويختم حديثه بالقول: “المتأثر بطرد المعلمين السوريين هم ليسوا 13 ألف معلّم وعائلاتهم فقط، بل جميع السوريين لأنّ هذه الكتلة الكبيرة من الأموال تساهم بشكل فعال في الدورة الاقتصادية الصغيرة للسوريين، فهناك متاجر تبيع المنتجات السورية أو الملابس السورية والمراكز الطبية السورية والمراكز التعليمة وغيرها ممّن يعتمد اعتمادًا كاملًا على الزبون السوري فقط، هذه جميعها تأثرت بفقدان نحو 19 مليون ليرة تركية شهريًا من دورتها الاقتصادية”. (الـ19 مليون ليرة يقصد بها المبلغ التقريبي لرواتب المعلمين المفصولين).

أما المدرّس “مهند العلي” وهو أحد المعلمين الذين وردت أسماؤهم ضمن قائمة المعيّنين في ولاية إزمير غربي البلاد، كونه مستوفياً للشروط المذكورة آنفاً، فيفيد أن “العدد الكامل للمعلمين السوريين في إزمير بلغ 206 معلّمين، منهم 75 لم يحققوا الشروط المطلوبة، أما الـ131 معلماً المحققين للشروط فقد رفعت مديرية تربية إزمير قائمة بأسمائهم إلى الوزارة بحيث سيتم انتقاء 108 معلمين فقط للمشروع الجديد”. ويضيف: “وفي الحقيقة، حتى اللحظة لا نعلم ما هي الآلية التي ستعتمدها التربية لتعيين العدد الأخير، والمعايير ما زالت مجهولة”.

وبمقارنة الخيارات والبدائل التي طرحها بكريش مع خيارات العلي، نلحظ أن ثمة اختلافاً بين حالة المعلمين في إسطنبول عن حالتهم في إزمير. يقول العلي: “يبقى عدد المعلمين في إزمير قليل جداً مقارنة بمعلمي إسطنبول أو هاتاي وبقية الولايات الجنوبية الأخرى. والأقل تضرراً من المعلمين المفصولين هنا هم فئة الشباب (25- 45 عاماً) لأن اعتمادهم الأساسي لم يكن على مبلغ الـ2020 ليرة من اليونيسف، فغالبيتهم يعملون في أعمال أخرى ويملكون مهارات مختلفة منذ ما قبل خطة الدمج، وأنا واحد من بينهم”.

ويتابع: “إلا أن الفئتين المتضررتين من الفصل هما فئة كبار السن الذين لا يستطيعون العمل بمهنة أخرى غير التدريس، وفئة النساء، خاصة اللواتي فقدن أزواجهن ولا يوجد لهن أو لأطفالهن معيل”. وكشف العلي عن علمه ببعض الحالات التي تستوجب تدخلاً سريعاً من قبل الجهات المعنية، ومن بينها حالة أحد المعلمين المفصولين (57 عاماً) الذي شكا له قبل يومين عدم امتلاكه النقود لشراء دوائه الذي يجب تناوله يومياً لمعالجة مرضٍ مزمن يهدد حياته في حال فقدان الدواء!

فصل معلمين سوريين من المدارس التركية.. أسباب القرار وأبعاده

وبعد تواصل موقع تلفزيون سوريا مع معلمين سوريين في مختلف الولايات التركية، تبيّن أن قوائم أسماء المقبولين لم تُنشر في أغلب الولايات كما حدث في إسطنبول وإزمير وكذلك في ماردين التي صدرت فيها قائمة بأسماء 30 معلماً فقط، في حين تمّ الاتصال ببعض المعلّمين المقبولين في بعض الولايات -غازي عينتاب على سبيل المثال- من قبل إدارة المدارس والطلب منهم مراجعتها لتوقيع العقد الجديد من دون نشر قوائم بأسماء المقبولين.

ويعلّق العلي: “أرى أن نشر قوائم بأسماء المقبولين أو المفصولين لن يقدّم أو يؤخّر شيئاً، لأن المعايير والشروط واضحة، وبالتالي كل من تنطبق عليه الشروط سيتم التواصل معه والعكس صحيح”.

وبالرغم من ذلك، ما يزال بعض المعلمين ممن تنطبق عليهم الشروط، قلقين من عدم ورود أسمائهم ضمن فئة المقبولين، خاصة أن قسماً منهم تم الاتصال بهم من قبل مدارسهم وقسماً آخر لم يرده أي اتصال أو تأكيد على تعيينه ضمن المشروع الجديد.

وللمعلّم “عدنان” الحاصل على الجنسية التركية خيار آخر، إذ يقول لـ موقع تلفزيون سوريا إنه يتجهز الآن للسفر إلى “البوسنة” التي لا تطلب من المواطنين الأتراك فيزا لدخولها “ومن هناك سأتسلل عبر الحدود وأتوجه إلى النمسا أو ألمانيا”.

ويضيف عدنان الذي كان يدرّس اللغة العربية ولم يسعفه الوقت للحصول على شهادة لغة تركية مستوى B1: “حتى نسبة النجاح في الهروب من البوسنة ضئيلة جداً، فكثيرين من الأتراك والسوريين المجنّسين تتم إعادتهم إلى تركيا بمجرد وصولهم المطار.. لا أعلم ما الميّزات التي نلناها من حصولنا على الجنسية التركية! فهي لم تضمن لنا حتى الاستقرار في تركيا، فكيف هي الحال بالنسبة للمفصولين السوريين الذين لم يحصلوا على الجنسية؟”.

“الهيئة التربوية السورية” تدخل على الخط

في شهر تموز الماضي، انتابت المعلمين السوريين حالة من القلق الشديد عقب وصول رسائل نصية وإلكترونية إلى فريق واسع منهم -ضمن بعض الولايات- تبلغهم بعدم الدوام إلى مدارسهم التركية المعيّنين فيها وبأن برنامج الدمج (PICTES) قد انتهى ولم تعد المدارس التركية بحاجة لهم. ونظراً لذلك، تمت الدعوة إلى تشكيل جسم يمثّل المعلمين السوريين ويتحدث باسمهم أمام المؤسسات التركية والمنظمات المرتبطة بملف التعليم، بهدف الوقوف على هواجسهم وطرح مطالبهم والدفاع عن حقوقهم في حال تعرّضهم لمواقف تهدد عملهم.

وبعد اتصالات أجراها مجموعة من المعلمين والمعلمات في ولايات تركية مختلفة، تم تشكيل ما أطلق عليه “الهيئة التربوية السورية” ضمّت ممثلين وممثلات للمعلمين السوريين عن كل ولاية تقريباً.

لوغو الهيئة التربوية السورية

وبحسب ما جاء في إعلان “الهيئة” عبر غرفتها على تلغرام: “يناط بهذه الهيئة مسؤولية التنسيق والتواصل مع الجهات والشخصيات الحكومية التركية ومع الهيئات والمنظمات التركية والأممية، وذلك في سبيل بيان واقع المعلمين السوريين بعد قرار إيقاف عملهم ضمن مشروع PICTES ونقل ملفهم الوظيفي إلى مؤسسة الهلال الأحمر التركي”.

تمكنت الهيئة التربوية من إجراء لقاءات مع بعض المؤسسات والمنظمات التركية، أبرزها وزارة التربية ومنظمة الهلال الأحمر في تركيا، بهدف الحصول على تفاصيل ومعلومات توضّح مصير المعلمين السوريين، ونقل صورة الواقع المتردّي للأخيرين في حال إيقاف مشروع الدمج وقطع المُنح الشهرية من اليونيسف بدون إيجاد حلول بديلة تكفل لهم أدنى متطلبات العيش.

وفي نهاية شهر تموز، نشرت الهيئة عبر صفحتها على فيس بوك وغرفة التلغرام “مخرجات اجتماع” للتربية التركية والهلال الأحمر، جاء فيها: “مخرجات اجتماع يوم الجمعة تاريخ 30-7-2021، بين التربية التركية والهلال الأحمر:

  1. استمرار جميع المدرسين في عملهم ضمن شروط من الأمن الوظيفي يضمن حقوقهم.
  2. تطمينات بعقود جديدة ربما تكون لمدة أربع سنوات تجدد كل سنتين مع آمال بأمد أطول.
  3. مشاريع جديدة تلوح في الأفق لضم الطلاب المتسربين وتطمينات بإشراك المعلمين السوريين في العملية التعليمية لهم بشروط تحدد لاحقا.
  4. اعتماد لجنة ( تركية- سورية- هلال أحمر) كمرجعية لشكاوى المعلم السوري ممثلة بمكاتب فرعية في جميع الولايات ضمن مؤسسات الهلال الأحمر .

أعقب ذلك نشر العديد من تفاصيل ونتائج اجتماعات أجرتها الهيئة التربوية مع الأطراف المذكورة. ومن بينها ما جرى في الـ20 من آب الماضي، حيث نشر المتحدث باسم الهيئة التربوية السورية، المعلّم طه الغازي، تفاصيل لقاء أجرته الهيئة مع مدير مكتب نائب وزير التربية التركية، الدكتور أحمد إمره، قال فيه الغازي إن التربية “أكدت أن تكون الهيئة هي الجهة الوحيدة التي سيتم التنسيق والتواصل معها في المرحلة القادمة في كل ما يتعلق بقضايا التعليم (المعلمين والطلاب وعموم السوريين).

وأضاف: “المواضيع التي تطرق لها وفد الهيئة اليوم وتكلم فيها بالتفصيل: هي:

  1. عودة جميع المعلمين السوريين للمدارس
  2. طرح موضوع الراتب والسيكورتا
  3. طلب مراجعة المعلم السوري بكل ما يخصه وعدم تهميش دوره أو مستقبله غامض
  4. تم التطرق لموضوع التنمر بالنسبة للسوريين وأهمية وجود المعلم السوري إلى جانب الطلاب
  5. الاعتراف بالدورات التربوية الـ3 التي خضع لها المعلمون.
  6. دور المعلم السوري بموضوع الزواج المبكر”.

وفي الـ9 من أيلول الجاري، التقى وفد الهيئة بكل من مدير الحالات الطارئة ومدير “تعليم مدى الحياة” بوزارة التربية التركية، وقالت الهيئة عبر منشور على معرّفاتها أيضاً: “بعد نقاش طويل مع مدير الحالات الطارئة في التربية تبين للوفد أن الأمور ما زالت ضبابية هناك” مضيفة أن الجانب التركي “تحفّظ” عن إعطاء أي معلومة حول مصير المعلمين في ذلك الوقت.

أما بعد صدور قرار تعيين المعلمين الـ3000 واتضاح تلك الصورة “الضبابية” لتحطّم بدورها آخر أمل لدى بقية المعلمين الذين استثناهم القرار وتكشف عن مصير مرعب يهدد وجودهم؛ بثّ عضو الهيئة التربوية “طه الغازي” تسجيلاً مصوراً عبر منصة يوتيوب كشف فيه عن حجم الصدمة التي تلقّاها المعلمون السوريون المفصولون، ومدى تأثيرها الكارثي عليهم وعلى عائلاتهم، مشيراً إلى أن بعض المعلمين فقدوا حياتهم نتيجة تعرضهم لأزمات قلبية ودماغية فور تلقيهم نبأ فصلهم.

وأفاد الغازي أن الهيئة تواصلت مع شخصيات حقوقية وأكاديمية وسياسية سورية بهدف متابعة ملف المعلمين المفصولين فور صدور القرار الأخير.

وذكر أن من بين الذين تواصلت معهم الهيئة، كان رئيس الوزراء السوري المنشق، الدكتور رياض حجاب، حيث قدم له أعضاء الهيئة شرحاً تفصيلياً لوضع المعلمين السوريين في تركيا، ووضعوه بصورة الوضع “المأساوي” الراهن للمعلمين والطلاب السوريين وقدمت له مقترحات قال الغازي إن حجاب “قد وافق على نقلها إلى الجهات المعنية بتنفيذها ووعد أنه سيحاول كل ما بوسعه لمساعدة المعلمين السوريين المتضررين من القرار.

وقال الغازي إن من بين أبرز تلك المقترحات:

  1. إيصال صوت المعلمين السوريين إلى أعلى الجهات السياسية وقد زودته الهيئة برسالة للقصر الجمهوري شرحت فيها مقترحات ومطالب المعلمين.
  2. التوجه للدولة القطرية وطرح إمكانية تأمين دعم مالي للمعلمين السوريين في تركيا على غرار الدعم الذي قدمته دولة الكويت لأقرانهم في الأردن.
  3. التواصل مع دائرة الهجرة في تركيا بغية رفع أسماء من يريد من المعلمين السوريين الراغبين بالهجرة خارج تركيا وتقديم تسهيلات خاصة بهم في هذا المجال.
  4. دفع تعويض مادي للمعلمين السوريين (بمثابة مكافأة نهاية الخدمة).

كما تواصلت الهيئة مع رئيس “المركز السوريّ للدراسات والأبحاث القانونيّة” الحقوقي السوري أنور البني، وناقشت معه الوضع القانوني لعقود التطوّع التي وقعها المعلمون السوريون مع اليونيسف والتربية التركية، بحسب الغازي.

والتقت الهيئة أيضاً بالنائب السابق لوزير التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة السورية المؤقتة، جمال أبو الورد، الذي “أبدى استعداداً تاماً للمساعدة ومتابعة القضية وطلب معروضاً زودته به الهيئة مع رسالة موجهة إلى الرئاسة التركية تطلب فيها لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”.

هل يُنصف القانون المعلّمين السوريين؟

ماذا لو رفع المعلمون المفصولون، أو جزء منهم، دعوى قضائية ضد اليونيسف والتربية التركية، أو ضد إحداهما، كونهما الطرفين الرئيسين بقضية الفصل الأخير واستبعاد المعلمين من دون أي إنذارات أو دفع تعويضات عن سنوات العمل الماضية كما تنص القوانين الخاصة بالعاملين؟

يقول رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا، الحقوقي غزوان قرنفل، في معرض إجابته عن التساؤل: “قانونياً، التربية التركية ليست طرفاً بالعملية التعاقدية، وإنما هي وسيط بين اليونيسف والمعلمين، وبالتالي العقد لا يلزم اليونيسف ولا الوزارة بتعيين المعلمين طالما يعملون بصفة (متطوع) ومن حقها إنهاء عقده بأي وقت تراه مناسباً”.

ويرى قرنفل أن المعلمين في حال رفعهم دعوى قضائية ضد الجهات المعنية “أغلب الظن سيكون مصير الدعوى هو الردّ، لأن المحكمة ستطّلع على الأوراق والعقود ولن تجد ما يلزم اليونيسف بتقديم الدعم أو إعادة بقية المعلمين، خاصة أن المنظمة وضعت معايير جديدة للتعيين (الإجازة الجامعية واللغة التركية.. إلخ). بالتالي أرى أن الدعوى أقرب ما تكون للخسارة”.

ويستطرد: “سأتحدث من وجهة نظر قانونية بحتة: للأسف معظم السوريين في تركيا بعيدون عن فهم حقيقة الواقع القانوني هنا أو يحاولون تجاهله، ولذلك يرون أن المنظمة الأممية أو الدولة التركية ملزمة بتعيينهم وتجديد عقودهم أو دفع تعويضات لهم وهلم جرّا.. وأتساءل هنا -قانونياً: ما مصدر هذا الإلزام؟ وأين البند أو المادة القانونية التي تُلزمهما باستمرار تعيين المعلمين السوريين؟”.

وأردف: “إذاً، لماذا نجد الأطباء أو المهندسين أو المحامين وغيرهم من الجامعيين السوريين لم يطالبوا أيضاً بتعيينهم أو بصرف مُنح مالية شهرية كتلك التي كانت تُصرف للمعلمين خلال تطوّعهم؟”.

وأوضح المحامي قرنفل أن “الدولة التركية، ومثلها العديد من الدول الأخرى، لا تقبل بتوظيف مواطن -يحمل جنسيتها- إلا بعد إجراءات تعديل الشهادة إذا كانت من خارج تركيا، وتقديم ثبوتيات دقيقة، واجتياز امتحانات محددة وإجبارية كامتحان الـ KPSS مثلاً الذي يعجز حتى المواطنون الأتراك عن اجتيازه.. فكيف إذا كان طالب الوظيفة أجنبياً؟”.

وختم قائلاً: “في الحقيقة، مجرد التفكير بأن آلاف العائلات اللاجئة فقدت مصدر عيشها الرئيس وربما الوحيد، كفيل بجرّنا مجدداً إلى دائرة الحزن والقهر، وكنا نتمنى أن يستمر عمل المعلمين التطوعي إلى حين الوصول إلى حل في سوريا. ومن منطلق إنساني، لا أستبعد أن تجد الأطراف المعنية وسيلة ما لمساعدة تلك العائلات، فكل شيء وارد”.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى