معلقة داريا || هل تنهضُ الرّوح

حسان عزت

ليسَ كُفراً ليسَ قَهْراً
ليسَ يأساً ودَمعاً وجُرحاَ
لكيْ تنهضَ الرّوحُ منْ قَهْرِها
ولكنَّها طعنةٌ لا تَجوزُ وحرْبٌ مسمّمةٌ في جَسَدْ
وبلادٌ يُمزّقُها الحاقدونَ
وحُشودُ ضِباعٍ تَلَتْها حُشودٌ مدَدْ
وطُيورُ عَماءٍ أبابيلُ تَرمي بِسِجّيلِها في حَريقِ البَلَدْ
وابنُ آوى على جُحْرِهِ قابعٌ في لَبوسِ أسَدْ
كأنّ الوجودَ صَباحٌ يتيمٌ
أو كأنّ الوجودَ هَباءٌ بَدَدْ
وصَارَ الوُجودُ وُجُوهَ الأعادي
وأحلى البلادِ أضْحَتْ زبَدْ
هل تنهضُ الرّوحُ منْ ذَبْحِها
يادمي ونعوشَ بِلادي وأهْلي
ويا دَمعَ أمّي
أمْ تُرى يَترامى الهَباءُ البدَدْ
داريّا داريّا
ليستْ لقمةً وانْتهى الأمْرُ
خطوةً وانتَهى العُمْرُ
ولا ثُغرةً في جِدارٍ عَتيقٍ
ولا طَعْنَةُ
أمّةٍ ..
ولا قِصّةً وانتهتْ في سُطورِ الزّبَد
ولا قمراً للسّقوطِ
لكنّها فارسٌ أثْخَنتهُ الجِراحُ فمالَ إلى جُرْحِهِ واستَنَدْ
وترجّل شيئا قليلاً
ليرجعَ حرّا يُعاودُ ردّ الغزاةِ وسيلَ الجرادِ
لكنّها الجُرحُ أغلى جِراحِ البَلَدْ
تموتُ …
ولكنّها لا تموتُ
وشوكةُ خَنْقٍ بِحَلقِ الأباةِ لا تُبتَلعْ
داريا ..
صَرخةُ الحرّ ملءَ السمواتِ والأرضِ
ورملُ الثّرى في المَدى لا يُحدّ
وداريا
داريا ملءَ روحي وشعبي
أطْبقَ الموجُ على أرضِها والحصارُ الزّرَد
وتَعالى عَلى الموتِ
حُرٌّ تجلّى معَ الواقفينَ سدّأ
بِغيثِ غِياثِ المَدَدْ
وبعدَ القيامةِ رُوحٌ صَمَد
إنّهمْ أحرارُ شعبي وأرضي
طَيّبونَ أباةٌ مرَدْ
يَذكرُ الدهرُ ابنَ عادٍ وشدّادَ
وَهَاهم نَسْلُهُ والنّمورُ العمَدْ
يَسقطُ الحِصارُ
بعدَ الحصارِ الحصارِ
مثلما ألفَ عامٍ أقامَ
وألْقى بحقدٍ وسُمٍّ بنارِ البراميلِ
وجمرِ الجحيمِ فوقَ الصغارِ والنائمينَ
وأشعلَ نابالمَهُ والزؤامَ البَدَدْ
وسارينُهم لَيسَ يبقي هناكَ من عنبٍ أوأحَدْ
وليسَ يبقي هنا من أحَدْ
داريا
هلْ تنهضُ الرّوحُ
لقدْ سقطَ الحقدُ ألفَ مَوْجٍ وَمَوْجٍ
حُشودأ وأزرى عَلَيْهم زَرَدْ
ومَجْزَرةُ البَغْيِ لمّا تزلْ مِسلّةَ عارٍ لهمْ في كَمَدْ
ورخّاً بَنى عُشّهُ وأقامَ
وباضَ وفرّخَ فَوقَ وَتَدْ
وخَلّدَهُ العَاجِزونَ الخَصايا بزيفِ الأماني وَعَرشِ البَلَد
وكَالوا وقَالوا إمامُ الزّمانِ
أقامَ وأنْكحَ فيهمْ مَدَدْ
وأنْجبَ في الزّانياتِ عِجاباً وأوْلَدَ مِنهمْ هَجِيناً وَلَد
وخمسُ السنينَ طِوالٌ عِجافٌ
منَ الرّوسِِ والفُرْسِ والطّامعينَ
وَحَشدُ الزّناةِ ومِنْ كُلّ لَوْنٍ
عَصائبُ شِيعٍ ولاعَدَّ أوْ حَدّْ
جُيوشٌ وقطعانُ عَارٍ وذُلٍّ
يريدونَ مجدَاً كذوباً وعدّ
وأيُّ حِصانٍ وحلفٍ مسَدْ..
وكَانَ الأباةُ الرّجالُ مئاتٍ بألفٍ وألْفينِ
وقالَ الكَذوبونَ (ألوفٌ من الجَمْعِ والعَدّ )
وأزْرى الرّجالُ بِجيشٍ منَ الحاشدينَ
خميساً خبيثاً عُرامَاً عَدَدْ
أقامُوا بجبْهَتِهِمْ ألفَ سَدٍّ
وكانوا أباءً وعقبانَ صَدّ
وخَلّوا القيامَةَ عَنقاءَ عَزْمٍ
بِساحِ الكَرامةِ عندَ الأشَدّ
وحِينَ تَرامى بِسجّيلَ بُرج ٌ بنارِالجحيمِ
أهَالُوا عليهِ بِماءٍ بَرَدْ
أقامُوا لهمْ
هيْكلاً في الحَكَايا وتُروى الأساطيرُ نُوراً وجَدّ
وظلّتْ عَزْمةٍِ في الوُجودِ
بفِتْيَتِها الصّيدِ والمُعْتَمَدْ
وكمْ لها في البُطولاتِ رُوحا وسُقْيا
ويذكرُها الدّهْرُ حتّى الأبَدْ
داريا
داريا
لَيستْ قصةً وانْتهى أمْرُها
ولا ثُغْرةً في جِدارٍ عتيقٍ
ولا طَعْنةٌ
أمَّةٌ
وتَموتُ …
ولَكِنّها لا تموتْ
داريا ..
سُقوطُ الحصانِ الأبِيّ العَنِيدِ
لا يُغطّي عَلَيْها انتصارٌ
هنا أوْهناك
لافي ترابِرجَرابُلْسَ ولا في ترابِ حلَبْ
ولا في سِوَاها
فكيفَ يُغطّّونَ غََصْباً عَلَيْها
داريّا حَلباتُ الصّمودِ العظيمِ
وأيُّ عَظيمٍ سِواهَا
والسدّ حتّى السّماءِ حِمَىً وفِداها
وطُوفانُها لنْ يُخَلّي بِحَشدِ الغزاةِ وأحلافِهِمْ منْ أحَدْ
كانتْ
وتبقى بوجهِ الزّناةِ البغاةِ البَرابرةِ الحاقدينَ
الفلولِ المسوخِ رمزَ الصّمودِ العنيدِ
مِسلّةَ خُلْدٍ وَصدّا يَجوزُ السّماءَ
بإسمِ الغياثِ وصَحْبٍ أُسُودٍ
وتبقى البيارقُ فينَا أبَدْ
فَكَيفَ يُهونُ ثَراها
وَكَيفَ تُرَى يَظْفَرونَ بِهتكِ حِماها
وهمْ من حثالاتِ روسٍ وفُرْسٍ وباتانَ
وأشياعِ قُرْمُطَ والسّارقينَ ..
أيُّها الشاهدونَ
أيُّها الواقفونَ بِحبٍّ ورُوحٍ
نحنُ وأنتمْ وكلُّ الوجودِ يَراها
حُرّةً في السّقوطِ
والشّمسُ أغلى إذا خَطَفَتَها الغيومُ
أوْ غَرِقتْ في الكُسوفِ العظيمِ
وكَيفَ العَزائمُ والرّوحُ تُرى نَفْتَدِيها
أغَيرَ بنيها لها يَفْتدونَ حِماها
داريا داريا
ايُّ مَعْنى لِحربِ الوجودِ هُنَا أوْ هُناكَ
وَدَرْعا تنامُ بأذرعاتٍ وكَهفٍ قَصِيرِ الأمَدْ
ودُوما تنامُ بجيشٍ عَتِيٍّ بِدلفِ الرّضا والرّمَد
وأرضُ الجَنوبِ وأرضُ الشّمالِ
وليسَ هُنا أوهناكَ ولا جَبْهةٌ واحدة
كَيْ تَرُدَّ الضّباعَ جَمْعاً
وتَجعلُهمْ كُبّةً في سَفَدْ
أحَربُ خَيالٍ وعُمرُ خيالٍ
وحُرّيّةٌ في الوُجودِ المَسَدْ
وكَيْفَ ليَنْحَرُها الدّاعرونَ
ولَكِنّها شَوْكةٌ في الحُلوقِ
هلْ تُرى نَستعيدُ ثَراها
لَستُ بشكٍّ إلهي
ولكّنّهُ الدّمْعُ يَملأ رُوحي وشَعبي
ويملأُ قَلبَ بلادي ويَبزغُ مثلَ جراحِ الأبَد
ولَكِنّهُ الدّمُ غطّى بلادي ويَطْرشُ في الكونِ
أيُّها الشمسُ لا تُشرقي الآنَ ولا في غَدِِ
حتّى يَقومَ الجَوادُ
ويَنهضَ منْ كبْوةِ الحُرِّ بُراقاً وفرداً
ونَبْصقَ شَوكَ الحُلوقِ الأخيرِ
والّا عَلَيْنا على سوريا كُلِّها الموتُ وليسَ السّلامُ
وإلّا على الأرضِ مَوتاً أبيّاً يُوازي قبورَ الأبَد
وتبقينَ عزمةَ شعبٍ أبيّ العَمَدْ
وإلّا على الأرضِ والعالمِ المتوحّشِ غدْراً
عليكِ على الرّوحِ آسُ السّلامِ
أنهضي داريّا
داريّا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى