كان من المستغرب رؤية بيان صادر عن المكتب الاقتصادي الإيراني في حلب على قناته الناطقة باللغة الفارسية على الواتس آب في 5 أغسطس/آب الماضي؛ يحذر فيه أعضاء المجموعة التي تضم عدداً كبيراً من التجار الإيرانيين المهتمين بالاستثمار في سوريا، من رسائل تم إرسالها من قبل من وصفهم البيان (بأفراد مجهولين) يقدمون عروضاً للتعاون والاستثمار، ويدَّعون تعاونهم مع المكتب الإيراني، دون أن يعرض مشرفو المكتب الاقتصادي الإيراني مزيداً من التفاصيل حول هؤلاء الأفراد المجهولين.
وأوضح البيان الذي اطلع تلفزيون سوريا عليه أن المكتب الاقتصادي الإيراني في مدينة حلب لا يملك أي شعبة أو أي مكتب تمثيلي في إيران، مضيفاً أن مسؤولي المكتب لا يقومون أبداً بإرسال أي رسائل خاصة للمستثمرين الإيرانيين، وأن الأفراد الذي قاموا بهذا الفعل لا يمثلون المكتب الاقتصادي الإيراني وليسوا ضمن كوادره العاملة.
رغم ذلك، بدا البيان الأول للمكتب الاقتصادي الإيراني حلب مهذباً بعض الشيء، عندما لم يكشف بشكل صريح عن طبيعة الأفراد أو الشركات المجهولة التي وصفها بأنها تستغل اسمه ومكانته لتنفيذ مآرب خاصة، إلى أن ظهر البيان الثاني عن المكتب الإيراني بعد يومين فقط في 7 أغسطس/آب، ليتحدث بلغة أوضح وتحذيرية شديدة اللهجة، عندما أشار في بيان عنونه (إخلاء المسؤولية)، إلى الاسم الصريح لأحد الشركات الإيرانية (شركة صناع مستقبل الاقتصاد المقاوم لإيران)، موضحاً أن المكتب الاقتصادي الإيراني في حلب “لا يتحمل أي مسؤولية عن أنشطة هذه الشركة”، التي وصفها بأحد (الجهات الاستغلالية)، ليعود المكتب الإيراني يطلب من متابعيه إبلاغ مسؤول المجموعة على الفور لمنع الحالات غير المرغوب فيها في حال تكرارها.
وبمراجعتنا الفورية للموقع الرسمي للشركة الإيرانية المذكورة (شرکت آینده سازان اقتصاد مقاومتی ایران)، وجدنا أحد الأخبار المنشورة ينقل مداخلة مهدي عباسي، مدير المكتب الاقتصادي الإيراني في حلب، يتحدث فيها بشكل عام حول مشكلة التعاريف الجمركية (4%) بين إيران وسوريا والبضائع (88 نوع من البضائع) التي منع نظام الأسد استيرادها إلى مناطق سيطرته، محرفاً الموقع حديث الأخير ليضع اسم شركته في الواجهة، ليعود الموقع بعد فترة ويقوم بحذف الخبر الذي بقي عنوانه حاضراً على محركات بحث غوغل.
معوقات زيادة حجم التبادل التجاري بين إيران وسوريا
في أعقاب زيارة محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني في نهاية شهر يوليو/حزيران الماضي إلى سوريا، والتي ركزت في حيثياتها على تشكيل تجارة قوية بين القطاع الخاص في إيران وسوريا من خلال محاولة إزالة العقبات أمام أنشطة القطاع الخاص في البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية، نشر موقع مشرق نيوز الإيراني تقريراً يحتوي رسماً توضيحياً يبين ترتيباً لأهم العوائق التي تقف أمام زيادة حجم التبادل التجاري بين إيران وسوريا وفقاً لتأثير وأولوية كل منها.
وأوضح التقرير، أن عدم وجود مسير ترانزيت مناسب، وطول وارتفاع تكلفة مسير الصادرات الإيرانية إلى سوريا، وعدم اهتمام وزارة الخارجية الإيرانية بتسهيل وتنظيم حضور التجار الإيرانيين في سوريا، وضعف الدعم المالي المقدم، وعدم وجود تعاون بنكي ومالي مناسب، وعدم تنفيذ بنود اتفاقية التجارة الحرة، وانعدام الغطاء التأميني للقطاع الخاص في سوريا، هي أحد أهم المعوقات الاقتصادية التي تمنع دخول القطاع الخاص الإيراني إلى سوريا بشكل جدي وفاعل.
رغم ذلك، لا يبدو أن الأسباب التي ذكرها التقرير وحدها كفيلة بجعل حصة الصادرات الإيرانية المتواضعة إلى سوريا تحتل 0.25% فقط من إجمالي الصادرات الإيرانية الكلية في الأشهر الأولى من العام الجاري، بل إن حالة الخلاف والشقاق بين التكتلات الاقتصادية الإيرانية التي بات صراعها على هامش الاقتصاد السوري أوضح مع مرور الوقت قد يكون أهم الأسباب غير المذكورة.
صراع الجزر الاقتصادية الإيرانية في سوريا
بطبيعة الحال، لا ينبع حكمنا بوجود حالة من الصراع بين الكتل الاقتصادية الإيرانية في سوريا، خاصة مع بعض شركات القطاع الخاص الإيرانية، بسبب حالة واحدة عابرة، إلا أن تكررها ووجود اعترافات صريحة صادرة على لسان المسؤولين الإيرانيين هي أكبر دليل على ذلك.
مؤشرات هذه الصراع رصدناها بدايةً في قرار بعض الشركات الإيرانية الخاصة ببدء نشاطها الاقتصادي والترويج لفعاليتها في سوريا بشكل موازٍ خارج لواء المكتب الاقتصادي الإيراني في حلب، عندما رفضت هذه الشركات التخفيضات المالية المقدمة من المكتب لتعرفة مشاركتها في معرض حلب الدولي الماضي، الذي دخلته بشكل مستقل بتعرفة تزيد بنسبة 80%.
في خضم ذلك، لا يبدو أن تحركات وتوجهات المكتب الاقتصادي الإيراني في حلب، أحد التكتلات الاقتصادية التي باتت تعمل كجزيرة اقتصادية مستقلة خدمة لمصالح معينة، لا تنبع من حقيقة تقديم التسهيلات وتهيئة الأرضية المناسبة لحضور كل القطاعات الاقتصادية الإيرانية في سوريا، في الوقت الذي تشير فيه مؤشرات عديدة لتبعية هذا المكتب لشركات خاصة تعمل كغطاء للحرس الثوري الإيراني في سوريا، خاصة بعد ظهور تقارير مرت هامشية تتحدث عن عقد اجتماعات بين رئيس المكتب الإيراني مع محسن أسد اللهي، المدير التنفيذي للشركة الإيرانية السورية (كاركر) وهو أخ العقيد حسين أسد الله، أحد كبار ضباط الحرس الثوري الذين قاتلوا إلى جانب قاسم سليماني في سوريا، في المعرض الدولي الذي عقد في فندق شيراتون حلب في أبريل الماضي.
وفي نفس المنحى، لم تقف مؤشرات صراع الجزر الاقتصادية الإيرانية في سوريا عند هذا الحد، بل ذهبت بعيداً للحديث بشكل علني ولكن مقتضب على المواقع الإيرانية، عندما أفصح مجيد مهتدي، عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة في مقابلة له مع موقع تحليل الباراز الإيراني في 15 يونيو/حزيران الماضي، عن أن وجود الفعاليات الموازية بين المؤسسات التي تعمل تحت اسم الفعاليات الاقتصادية في سوريا هي أحد المطبات والعقبات التي تقف أمام تمدد النفوذ الاقتصادي الإيراني في هذا البلد، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في قيام كل شخص بإنشاء تكتلات اقتصادية على شكل جزر يقوم بإدارتها بشكل منفرد، من دون أن يذكر المزيد من التفاصيل والتوضيحات.
وعلى ما يبدو أن مسؤولي غرفة التجارة الإيرانية السورية بشكل عام غير راضين عن السياسة التي أصبحت تتبعها بعض المؤسسات الاقتصادية الإيرانية الكبرى (المؤسسات الاقتصادية الحاكمة)، وطريقة عملها بشكل مستقل في سوريا، مما أثر بشكل سلبي على حضور الشركات الإيرانية الخاصة غير المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني، وضيق من حلقة وجودها في السوق السورية.
وهذا ما ظهر بشكل واضح قبل أيام على لسان نائب رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية، على أصغر زبردست، عندما كشف في مقابلة مع موقع ايلنا الحكومي عن أن حضور بعض المؤسسات الاقتصادية الحاكمة ضيَّق من حلقة القطاع الخاص الإيراني ومنعه من عقد اتصالات وعلاقات مؤثرة مع الجانب السوري، موضحاً أن عدداً من المؤسسات الإيرانية، مثل مؤسسة المستضعفين ووزارة الدفاع وغيرها، تنفذ بشكل مستقل سلسلة من الأنشطة الاقتصادية في سوريا، دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل عن طبيعة هذه الأنشطة.
هذه التصريحات، رغم أنها لا توضح طبيعة الأنشطة الاقتصادية للمؤسسات الإيرانية الكبرى في سوريا، لا يمكن فصلها عن تصريحات أدلى بها سابقاً كل من رئيس مؤسسة مستضعفان التي كانت تدفع رواتب المرتزقة من المقاتلين الأفغان في سوريا، ورئيس مؤسسة خاتم الأنبياء سعيد محمد، ووزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، مبدين رغبتهم في انخراط تكتلاتهم وشركاتهم الاقتصادية الضخمة في إعادة إعمار سوريا.
كما أن اجتماع السفير الإيراني مع بعض النشطاء الاقتصاديين من القطاعين الحكومي والخاص الإيراني قبل أيام في 4 أغسطس/آب الفائت بمقر السفارة الإيرانية في سوريا، ومناقشتهم مواضيع مثل التركيز والتوحد والتكامل الاقتصادي لمختلف القطاعات الإيرانية في سوريا هو أحد المؤشرات المهمة الأخرى على عدم وجود أي تنسيق بين هذه الكيانات التي تسعى كل منها للتربح وكسب المصالح الشخصية.
لذلك، على ما يبدو انعكست بنية النظام الحاكم في طهران وطبيعة فصائله المنتفعة والربحية الحاكمة على واقع الفعاليات الاقتصادية الإيرانية في سوريا لتتجلى حالة من الجزر الاقتصادية المتفرقة التي تتصدرها شركات الحرس الثوري الإيراني والمؤسسات الاقتصادية الكبرى التابعة للمرشد الإيراني على خامنئي في المقدمة، وتعمل كل منها بشكل منفرد بهدف التربح وكسب المزيد من المصالح الشخصية تحت أي ثمن دون وجود أي تنسيق بينها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا