يشهد سوق العقارات في مناطق سيطرة النظام السوري حالة من الركود، بالرغم من أن المكاتب العقارية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بعروض بيع المنازل، إلا أن ارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى الدخل وبعض القوانين والإجراءات جعلت من امتلاك المنزل حلماً بعيد المنال عن غالبية المواطنين.
وتكفي جولة صغيرة على المكاتب العقارية لبيع وشراء العقارات في أحياء دمشق، المنتشرة في تلك العشوائيات المبعثرة على أطرافها، ذات الخدمات السيئة والمنازل غير الصحية، إلى الأحياء الفاخرة في العاصمة وضواحيها، حتى يلحظ الشخص عدد المنازل الكبير وغيرها من العقارات المعروضة للبيع.
وبالرغم من ذلك، قال أبو علاء زينية (53 عاما)، وهو صاحب مكتب عقارات في أحد أحياء دمشق العشوائية، لـ”العربي الجديد”، “لدينا في المكتب أكثر من 30 شقة سكنية معروضة للبيع، إلا أننا منذ بداية الشهر الجاري تقريبا لم نبع شقة واحدة”.
وأضاف “أسعار الشقق في المنطقة أو ما يشبهها، تتراوح ما بين 20 مليون ليرة سورية، وتكون عبارة عن غرفة ومنافعها ذات كساء سيئ، إلى نحو 60 مليون ليرة، وتكون الشقة هنا مساحتها نحو 100 متر وذات كساء جيد، وتتعدد الخيارات فيما بينهما”.
وبحسب زينية، فإن “أسعار العقارات مرتفعة جدا بالنسبة لدخل المواطن، إضافة إلى أن معظم من يشتري منزلاً اليوم يعتمد على مساعدة ذويه في بلاد اللجوء أو الاغتراب، لكن صعوبات التحويل وعدم استقرار سعر الليرة، إضافة إلى مخاوف الناس من مستقبل هذه المناطق إن كانت ستزال أم ستعالج على وضعها الحالي، من حيث تأمين شبكات صرف صحي وكهرباء وهاتف قادرة على تخديم أعداد سكانها الكبيرة، بعد أن لجأ إليها الكثير من النازحين خلال السنوات الأخيرة، كما جاء قانون البيوع العقارية ليزيد من إرباك عمليات البيع والشراء”.
ويلفت صاحب مكتب عقارات النظر إلى أن “الناس في الأصل غير مقتنعين بالضرائب التي تفرض عليهم، ويعتبرونها بمثابة سرقة، وجاء القانون الأخير ليفرض ضرائب مرتفعة، بعدما أصبحت المالية مسؤولة عن تقييم قيمة العقار، وتحدد قيمة الضرائب على أساس تقديراتها، حتى لو تم بيع العقار بأقل من تلك التقديرات، وقد حدث ذلك في أحد أحياء دمشق الراقية وضجت به وسائل التواصل، حيث إن منزلاً بيع بمبلغ 400 مليون ليرة، في حين تم تقدير قيمته رسميا بـ600 مليون ليرة، فكانت الضرائب مرتفعة جدا” (سعر صرف الدولار الوحد نحو 3200 ليرة).
من جانبه، قال أبو هيثم مقداد (40 سنة)، وهو رب أسرة مكونة من 3 أفراد، لـ”العربي الجديد”، إن “التفكير في شراء منزل أمر مستحيل، فأنا موظف راتبي نحو 80 ألف ليرة، وأعمل في عمل مسائي أنتج منه نحو 100 ألف، وزوجتي موظفة أيضا وراتبها نحو 70 ألفاً، إذا قررت أن أشتري بيتاً صالحاً للسكن في منطقة عشوائية بحدود 40 مليون، ومن دون أن أصرف من دخل عائلتي ليرة واحدة، أحتاج إلى أكثر من 13 سنة لأجمع المبلغ، بشرط ألا يرتفع سعر المنزل إلى ذلك الوقت”.
وتساءل مقداد: “كيف إن كان إيجار منزلي 75 ألف ليرة شهريا، ودخلي لا يكفيني لتأمين نفقات المعيشة اليومية، ولأكمل شهري غالبا أحصل على سلفة من العمل، وأبدأ بالاستدانة من الدكان قبل أن ينتصف الشهر، إضافة إلى ما يرسله لي شقيقاي اللاجئان في أوروبا بين الحين والآخر، بالواقع إنني أعيش عيشة تسول بتسول، وبهذا الدخل لا يمكن أن أحلم بشراء منزل حتى لو كانت البنوك تعطي قروضاً، بالرغم من أنها غير متوفرة حاليا إلا للأغنياء ممن يمتلكون الثروات والقدرة على تقديم ضمانات بعشرات الملايين”.
وعلى مستوى السماسرة، قال العامل بسوق العقارات أحمد جمال الدين (39 عاما)، لـ”العربي الجديد”، إن الحركة اليوم في سوق العقارات شبه متوقفة، وما يتم من عمليات شراء تتم من أشخاص خارج سورية أو أحد ذويهم خارج البلاد، وكثير ممن يبيعون عقاراتهم هم إما بقصد السفر أو بقصد تأمين سيولة ودخل، أما المرتاحون ماديا فهم محجمون عن البيع اليوم، جراء عدم استقرار الأسعار، فأسعار مواد البناء ترتفع بشكل دائم، وتكلفة المتر المربع الواحد ارتفع من 25 ألفاً قبل خمس سنوات لأكثر من 400 ألف ليرة اليوم دون الكساء”.
وأضاف أن “التكلفة المرتفعة مقارنة بدخل الغالبية المنخفض، وغياب القروض الميسرة وارتفاع الضمانات المطلوبة مقابل ما بقي من قروض تقدمها بعض المصارف الخاصة، إضافة إلى جوانب أخرى مثل قانون البيوع العقاري وتقييم أسعار العقارات بشكل غير منطقي، تجعل عملية البيع تكاليف إضافية، كل ذلك في وقت يسود به شعور عام بأن مستقبل البلد غير واضح، وما زال احتمال السفر إلى خارجها قائم بأي لحظة، جراء تردي الواقع المعيشي والصحي والتعليمي، حيث أصبح السفر يشكل الفرصة الأخيرة للنجاة”.
المصدر: العربي الجديد