عن ماهية أداء الشعر السوري، والشعراء السوريين، وكيف خدموا أهداف الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة، ومن ثم كيف عاش الشعراء في سورية انطلاقة الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة، وهل انحاز الشعر حقًا وصدقًا إلى صفوف الشعب السوري في ثورته ضد الاستبداد والقمع. كل ذلك وسواه توجهنا به إلى بعض شعراء وشاعرات سورية الذين انحازوا إلى صفوف أهل الثورة، وسألناهم كيف يرون دور الشعر السوري في مواكبة هموم الناس المتطلعين إلى الحرية؟ وهل تمكن الشعراء في سورية (الذين انتموا للثورة) أن ينتجوا ما هو أكثر فائدة من أجل سورية والسوريين ككل؟
الشاعر السوري حسن النيفي قال: ” لعل الإبداع كافة، والشعر على وجه الخصوص، هو أحد الأنساق الثقافية التي تسهم في تكوين الجوهر الحقيقي لهوية الشعوب، وبما هي كذلك، فإنها بالتأكيد ستكون خاضعة للتحولات الكبرى التي تطال حياة الأمم، وبناء عليه لن يكون الشعر بمعزل عن ثورة السوريين وما أفرزته من تداعيات على المستوى الثقافي والإنساني والاجتماعي، ولكن ثمة مسألة جوهرية لا بدّ من الوقوف عندها، وتتجسّد في تساؤل الكثيرين عن غياب الشعر عن المعترك الراهن، مما جعل البعض يزعم أن الثورة السورية هي شحيحة من الناحية الإبداعية، ولتوضيح ذلك لا بدّ من القول: إن الشعر ليس انعكاساً مباشراً لواقع الحياة، وكذلك ليس صدًى آنياً للواقع، وليس هو أيضاً تسجيلاً أوتوماتيكياً للوقائع الجزئية اليومية” وأردف يقول ” بل هو في الأصل عادة إنتاج فني للواقع، أي يحاول خلق الأحداث من جديد خلقاً جمالياً، وبدون هذه العملية يكون الشعر قد فقد خاصته النوعية، لذلك يمكن القول: علينا ألّا نستعجل الأمور ونطالب الشعر أن يتحول إلى نشاط صحفي، بل لعلي أميل إلى الذهاب بأننا سنقرأ في المستقبل شعراً عظيماً، توازي عظمته عظمة الثورة السورية، وعدم وجود هذا النوع من الشعر في الظرف الراهن لا يعني انعدامه، لأن ولادة الأعمال الأدبية الكبيرة غالباً ما تكون لاحقة للحدث، لأنها إعادة خلق جديد له، وليست عملية استنساخية”.
أما الشاعرة السورية ابتسام الصمادي فقالت” لم يستطع أحد أن يُنتج للثورة السورية ما يليق بدمها، ثورة الحرية والكرامة سُحلتُ في كل شوارع الدنيا وما وقف الى جانب حقها أحد لأننا نحن أبناءها لم نقف مع أنفسنا تم الاستفراد بنا جماعات ووحدانا كتبنا وهتفنا وصرخنا لم نجد من يقدم رؤية مؤطره بمشروع حقيقي أو قيادة ثورية موثوقة فماذا يصنع الشعر؟! الشعر رافد من روافد الثورة وأنا مؤمنة به كإيماني بالثورة غير ان دوره تنويري محفز للوعي، علينا أن نعترف أن وعينا مصدوع ومشروخ، والقلّة المتنورة لم تأخذ دورها الحقيقي في ظل تشابكات ما هو معروف وما أفرزته أزمة المثقف والفكر بالعموم، الشعر لا يقود ثورة، إنه يقف خلفها يٌضيء جوانبها ويدفع ككل الأرواح ثمناً غالياً. زد على ذلك دور الإعلام في نقل الشعر، هل قام بدوره؟”.
بينما أكدت الشاعرة السورية سميرة بدران قائلة” أخفق الشعر كثيراً في مواكبة الثورة السورية، ولعله تنحى منذ تحولت الثورة إلى مسلحة فقد أصيب الشاعر بالإحباط والعطالة الفكرية أمام ما يحدث من مجازر وقتل، وما تعاقب على المشهد السوري من قوى بعضها جرَّم الشعراء وكفرهم وبعضها لاحقهم بتهمة التحريض فأخرست أقلامهم وانكفأوا على أنفسهم وصمتوا، أو هاجروا وبات تأثرهم وتأثيرهم باهتاً، لقد فقد الشاعر تركيزه وتوازنه وغاص في الهم الداخلي فكتب شعراً وجدانياً غنائياً ذاتياً في الوقت الذي كانت الثورة بحاجة ماسة إلى الشعر المنبري المباشر وقلة من الشعراء من استمر وكتب لكن في ظل هذا الانتكاس والتشتت الذي عاشه الشاعر الذي أبدع شعراً حقيقياً قبل الثورة فقد ظهرت أعمال كثيرة لا يرقى الكثير منها إلى مستوى الشعر لكنها حاولت مواكبة الثورة ورصد هموم ومواجع الشعب المنكوب وهي أيضاً لم تكن تقوى على مواكبة الهم الجمعي الذي عانى ويعاني منه السوريون أرى أن لا دور للشعر الحقيقي اليوم، فدوره سيأتي غداً حينما يتوقف الموت والمجازر وتعود الحياة إلى طبيعتها، ربما الساحة متاحة للسرد والقص لأنه يستوعب الحالة التي تسيطر على المشهد ويستفيض في تصويرها وتوثيقها”.
الشاعر السوري علي محمد شريف تحدث مشيرًا إلى أنه ” يمكننا القول بأنّ الشعر السوريّ يعيش ثورته في ذات الوقت الذي يؤدّي دوره في الملحمة السوريّة الكبرى التي تكتب بالدم السوريّ تحريضاً على الصمود ومواجهة آلة القتل والإجرام متعدّد الهويّات والجنسيّات، واستنهاضاً لقيم الحق والخير والحبّ والجمال، وتسجيلاً للبطولات وللتفاصيل الأكثر إنسانية وألماً، وتجسيداً لليقين بحتميّة انتصار الإنسان. الثورة السوريّة ليست وليدة الصدفة ولم تشتعل ماكينتها بوقود غريب أو بدوافع ومبررات من خارج جغرافيتها، بل أتت استجابة لانسداد أفق الإصلاح والتغيير الطبيعية، ولحتميّة كسر الحلقة الفولاذية الضيقة التي تحتكر كلّ شيء، وتمنع انطلاق العقل وتفجّر الطاقات الإبداعية في جميع المجالات. ” ثم قال ” علينا أن نقرّ بأن الثورة السورية العظيمة وإن تمظهرت من خلال صيحاتها الأولى وشعارات روّادها الأوائل بالمظهر السياسي والحقوقي والأخلاقي عبر مطالبتها بإسقاط النظام، وبالحرية والعدالة والكرامة إلاّ أنّها في جوهرها ثورة على كلّ البنى التقليدية المتخلفة، والتابوهات الجامدة التي تحكم القطاعات الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيرها. وهي ككلّ الثورات الكبرى لها أبعادها الفكريّة والحداثويّة التي تنشد التغيير الشامل لأوجه الحياة السورية عامة. والشعر، وكذلك السرد وجميع الفنون، فضاءات وميادين ليست بمنأى عن براكين الثورة وزلازلها، وهي ساحات للفعل الثوريّ تعجّ بغبار المعارك وتتعدد فيها منابر الحوار والسجالات.” ثم قال ” لم يتجاوز الشعراء مرحلة الغضب والانفعال بالكارثة فهذا يحتاج إلى وقت طويل، وإلى شروط ذاتية وموضوعية كيما تتحرّر طاقاتهم الإبداعية وتنضج تجاربهم فنيّاً ورؤيوياً. ما زلنا نعيش المأساة ولم نخرج بعد من الجحيم، وما زالت مفردة الحرب تطغى على النصّ بما تحمله من ضجيج ورعب وأشلاء، ومن مشاعر ترزح تحت ردميّات القصف وتجللها غلالات الدم. أخيراً يمكننا الجزم بأنّ ملامح التغيير قد بدأت بالظهور وبأنّ مارد الإبداع انطلق من قمقمه ولن يعود لمحبسه.”
من جهته يقول الشاعر السوري ياسر الحسيني ” الشعر السوري استطاع مواكبة الثورة السورية منذ بداياتها، لأنّه وببساطة كان حاضراً حتى ما قبل الثورة وإن كان في السرّ وبشكل متوارٍ يستخدم الرمزية المفرطة في أغلب الأحيان تهرّباً من سطوة الأجهزة الأمنية ورقابة مؤسساته الثقافية، ولكنّه سرعان ما أصبح مباشراً ومنخرطاً في الثورة كاسراً حاجز الخوف ليتصدّر المشهد ويلهب حناجر المتظاهرين في كل ساحات الوطن، الأمر الذي ألهم الكثير من ” الرماديين” وبنفس الوقت أرعب النظام وأجهزته الأمنية، فاستمات في اسكات تلك الحناجر واستئصالها (القاشوش)، واستمات أكثر في طمس الصورة الرائعة للشعب السوري الثائر تحت ركام هائل من مشاهد القتل والتدمير والحصار والتجويع، وفي هذه المرحلة ساد صوت الرصاص وغابت الكلمة، وانحسر دور الشعر أمام مأساة إنسانية لا تداويها الكلمات.” ثم التهى إلى القول : ” وككلّ مناحي الثورة التي تعرّضت للانتكاس بسبب المتسلّقين من جهة وغياب الإعلام الثوري الحقيقي من جهة أخرى، تعرّض الجانب الأدبي للإهمال والتشويه، رغم بعض الشذرات المشرقة من هنا وهناك التي استطاعت أن تترك بصمتها في الثورة السورية، ولعلّ الاهتمام بالصورة أكثر من خلال مقاطع الفيديو التي تعرضها الفضائيات والشبكة العنكبوتية، دفع العديد من الشعراء للانكفاء، مستسلمين لفكرة أنّ الصورة أبلغ من الكلمة في نقل معاناة الناس، متناسين الحقيقة الفاقعة وهي أن الكلمة هي ضمير الأمّة وأنّ القصيدة توثّق التاريخ لتتناقلها الألسن جيلاً بعد جيل. وإنني أرى أنّه لابدّ من استعادة الأدباء والفنّانين والشعراء لزمام المبادرة في الثورة السورية بعد أن تركوا الساحة لقعقعة السلاح وجعجعة السياسيين والمتسلّقين”.
جهد رائع أتمنى أن يحظى بالإقبال الذي يستحقه ويكون علامة فارقة في الحركة الثقافية والأدبية على صعيد الأمة، مع خالص تمنياتي بالنجاح والتوفيق.