عندما ربط ملك الاردن عبد الله الثاني في حديثه بالامس مع شبكة “سي أن أن” الاميركية بين الازمتين اللبنانية والسورية، لم يقدم أدلة تدعم هذه النظرية، المتناقضة مع ما هو ثابتٌ عن أن كلا البلدين والشعبين شقّ، في السنوات الاخيرة، طريقه الخاص نحو الخراب والدمار، عن سابق تصور وتصميم، ومن دون تدخل الآخر أو تورطه أو مساعدته، والمتعارضة أيضا مع ما هو مرجح عن أن الحل في لبنان لم يعد مرتبطاً بالحل في سوريا، والعكس صحيح أيضا.
الفرق كبير بين الازمتين الراهنتين اللتين تضربان لبنان وسوريا. صحيح أن مصدر الازمتين واحد، هو خلل عميق في النظامين الحاكمين في البلدين، اللذين يختلف تكوينهما وسلوكهما بشكل جوهري، بحيث تبدو المعضلة اللبنانية الحالية والناجمة عن تولي العصابات والمافيات المالية والاقتصادية الحكم، بالشراكة مع الطبقة السياسية، رحيمة بالمقارنة مع ما تشهده سوريا من إحتلال خارجي وتفكك داخلي، لا ينذران إلا بالتقسيم.. الذي بات، بالمناسبة، واحدة من الخرافات اللبنانية المثيرة للسخرية.
وعدا عن قصة ودائع السوريين المجمدة في المصارف اللبنانية، التي أعاد الرئيس بشار الاسد إكتشافها وزاد من قيمتها الى ستين مليار دولار، فإنه يصعب العثور على ما يثبت الترابط، أو التداخل بين الازمتين اللبنانية والسورية، اللتين تسلكان مسارين مختلفين تماما، يؤكدان أن شعار وحدة المسار والمصير الذي أطلقه النظام الاسدي نفسه، قبل ثلاثين عاما، لم يكن سوى سراب، لم يتمكن حزب الله من دعمه عندما تدخل في الحرب السورية، كما لم تتمكن الحدود المفتوحة بين البلدين على جميع أشكال التهريب، للبشر والسلع والخدمات، من إحيائه. ولعل الرابط الوحيد الذي لا يزال يسمح بتداول ذلك الشعار على نطاق ضيق هو الغارات الاسرائيلية المتلاحقة على الاراضي السورية.
لكن التداخل بين الازمتين الذي اشار اليه ملك الاردن، يمكن أن يعود الى سابق عهده، إذا ما نجح مسعاه الراهن، والمفاجىء، في الوصول الى التطبيع مع النظام السوري. عندها قد تتحول حكاية الستين مليار دولار السورية من ذريعة يستخدمها الأسد لتبرير الازمة الاقتصادية في بلاده، الى حجة لإشتباك جديد مع لبنان، يهدف الى “ردع” قطاعه المصرفي المتفلت، أو لتدخل جديد في الأزمة اللبنانية، يمكن أن يلقى الترحاب الشديد من سوريين ولبنانيين كثيرين، ما زالوا يعتقدون أن دور”الردع السوري” السابق ما كان يجب أن ينتهي أبداً.
وهؤلاء، تلقوا بفرحة لا توصف كلام ملك الاردن عن الحاجة الى فتح حوار مع نظام الاسد، بإعتبار أنه باقٍ، وبداعي البحث معه في تغيير سلوكه، طالما أن محاولة إسقاطه قد أخفقت. ومثل هذا التحول في الموقف الاردني، هو بمثابة ضوء أخضر لإعادة تفعيل وتنشيط الخط العسكري على الحدود اللبنانية السورية، الذي لم يقفل يوماً، في وجه أي مسؤول لبناني، لكن عبوره كان خجلاً في السنوات العشر الاخيرة.
والأغرب في إقتناع ملك الاردني بفكرة تغيير سلوك الاسد، أنها جُربت أكثر من مرة ومن أكثر من طرف عربي سعى الى تجميل النظام السوري، لكنه باء بالفشل، وتوصل الى الإستنتاج بان حاكم دمشق يشعر فعلاً بالنصر ويلح في طلب الحصول على الغنائم، وليس البحث في الاصلاحات.. وهو ليس مستعداً حتى للقبول بعودة النازحين، لا من الاردن ولا من لبنان (ولا تركيا طبعا)، إلا بموافقات أمنية مسبقة، وبشروط صارمة تقضي بتولي المجتمع الدولي والدول المضيفة تمويل عودتهم وبناء مساكنهم ومستشفياتهم ومدارسهم المدمرة.
ليس من السهل تفسير موقف الاردن الجديد من الأزمة السورية، مهما كانت حساباته ودوافعه العربية والدولية، وليس من اللائق بحق المملكة الهاشمية أن يبدو ذلك الموقف إستعارة لموقف لبنان المحكوم بعقد الماضي وقيود الحاضر.
المصدر: المدن