وصلت أم الصناعات السورية، الغزل والنسيج، إلى مرحلة الاحتضار. هذا القطاع كان يشغل أكثر من 20 في المائة من اليد العاملة في سورية بعدما وصل في تسعينيات القرن الماضي إنتاج البلاد من القطن إلى 1.3 مليون طن، قبل أن يتراجع بتوصيات حكومية متتالية، بذريعة فائض الإنتاج والتوجه إلى زراعات أخرى.
في 2021، أصبح كامل إنتاج سورية من القطن 120 ألف طن بعد زراعة 32 ألف هكتار، ما أوقع ما تبقى من منشآت الغزل والنسيج وصناعة الألبسة بعجز تأمين الخيوط القطنية.
ولأول مرة في التاريخ الحديث، وافقت حكومة بشار الأسد على استيراد 5 آلاف طن من القطن المحلوج والخيوط، فيما نعى الصناعيون مصدر القطع الأجنبي الثاني بعد النفط الذي اتكأت عليه سورية بصادراتها لعقود، قبل أن تتحول اليوم إلى مستورد.
ويرى مدير معمل غزل إدلب السابق، عدنان تامر، أن “الخبر على صدمته وكارثيته متوقع” لأن مراكز قوة الاقتصاد السوري تهدمت، ومن الطبيعي أن تخسر سورية صناعة الغزل والنسيج بعد تراجع مساحات زراعة القطن وإنتاج الخيوط والأقمشة.
ويلفت تامر، خلال حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أن الكمية التي سمحت الحكومة باستيرادها “هي أقل من ربع إنتاج معمل إدلب” وهذا برأي تامر يدلل على تدهور وتراجع هذه الصناعة وقلة استخدام الخيوط بعد تهديم المنشآت أو خروجها عن العمل.
ويشرح تامر أنه عدا شركات الغزل الحكومية الثماني في سورية، كان لدى المؤسسة العامة للصناعات النسيجية 27 شركة، منها شركات نسيج عريقة وكبرى، مثل شركتي الدبس والخماسية في دمشق وشركات الأهلية والسورية والشهباء في حلب إضافة إلى أقسام الغزل بمنشآت إدلب واللاذقية وحماة والفرات. ويشير إلى أن إنتاج القطن وصل في مطلع التسعينيات إلى 1.3 مليون طن، وتراجع بقرارات حكومية إلى نحو 700 ألف طن قبل الثورة ومن ثم إلى ما هو عليه اليوم بحيث لا يزيد عن 150 ألف طن في أحسن المواسم.
ويؤكد أن بلاده كانت تصدر الغزول والأقمشة وحتى القطن الخام، بل إن الاتحاد الأوروبي ومصر اتهما سورية بـ”إغراق أسواقهما بالغزول السورية” مشيراً إلى أنه كان ضمن الوفد السوري عام 2004 الذي ذهب إلى مصر لحل مشكلة إغراق الأسواق.
ويقول المهندس الزراعي، يحيى تناري لـ”العربي الجديد” إن أسباب تراجع زارعة القطن تعود لأسباب عدة، منها تفتت الملكيات الزراعية وخروج مساحات كبيرة عن الإنتاج بسبب الحرب. كما أن زراعة القطن تتطلب مياها كثيرة، لذا كانت تتركز زراعتها بمناطق الأنهار أو الري الصناعي عبر الآبار، فيما كمية المياه تراجعت في البلاد، سواء هطول الأمطار أو منسوب مياه الأنهار، خاصة الفرات.
ويضيف تناري أن زراعة القطن، طويلة ومكلفة على الفلاح بسبب أسعار البذار والأسمدة وكلفة الرعاية والقطاف، خاصة بعد تراجع الحكومة عن تقديم البذار والأسمدة وغلاء أسعار المشتقات النفطية.
ويضيف تناري لـ”العربي الجديد” أن السعر الرسمي الذي حددته الحكومة لشراء طن القطن من الفلاحين كان العام الماضي 700 ليرة سورية، وهو أقل من التكلفة، وهذا الموسم، رفعت حكومة الأسد السعر إلى 1500 ليرة، لكنه يبقى غير مغر أو مشجع لإقدام الفلاحين على زراعة القطن. بدوره، يقول المدير السابق للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية بسورية سمير رمان خلال حديث خاص مع “العربي الجديد” إن زراعة القطن تتركز في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة وحلب، إضافة إلى مساحات قليلة في حماة وإدلب، وهذه المناطق شهدت حرباً وتعاني حتى اليوم من قلة الأيدي العاملة وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، بعد تراجع المياه وقلة المحروقات والأسمدة. ويضيف رمان أن إنتاج القطن السوري منذ عام 2011 وحتى اليوم يهبط باطراد.
ففي حين كان الإنتاج يراوح بين 600 و800 ألف طن من القطن الخام (وصل إلى المليون في إحدى السنوات) تراجع اليوم بشكل مأساوي. ويعتبر أن الأسباب تعود باستثناء تراجع المساحات المزروعة، إلى النقص الشديد في اليد العاملة، نقص مواد الطاقة من كهرباء ومازوت لسقاية الحقول، نقص مستلزمات الإنتاج من اسمدة ومبيدات وسواها. بالإضافة إلى توقف المحالج والمعامل لسنوات عن العمل، فضلاً عن انعدام إمكانية التصدير عمليا.
ويلفت المسؤول السابق إلى ان الكميات التي يتم الحديث عن استيرادها ضئيلة وهذا يعني مرة أخرى انخفاضا مريعا في إنتاج القطاع الخاص وبدء موت هذه الصناعة. ونعى الكثير من الصناعيين أم الصناعة السورية متسائلين ماذا سيحدث بعد ستة أشهر بواقع تراجع الإنتاج السوري المستمر.
ويقول الصناعي عاطف طيفور إن “سورية تستورد القطن، يا حيف”، مضيفاً خلال منشور تداولته وسائل إعلامية سورية “سلموني ملف القطن وإن لم تعد سورية للتصدير، لن أقبل بعقاب أقل من الإعدام”.
ويعلق طيفور على قرار الاستيراد بقوله: “هو أسوأ خبر سمعته منذ بداية الأزمة، انا في حداد لثلاث أيام، عظم الله اجركم” مشيراً إلى أن سورية تزرع القطن منذ 4100 سنة، وكان إنتاجها الزراعي حوالي 1082 ألف طن، “ولكن بفضل أهل الاختصاص انخفض الموسم الماضي إلى 14 الف طن، وأصبحنا نستورد”.
المصدر: العربي الجديد