تبدو جولة أستانة السادسة عشرة التي تمتد من اليوم الأربعاء إلى الخميس مختلفة. وهي تكتسب أهمية خاصة، كونها تأتي قبل أيام قليلة من اجتماع مجلس الأمن الدولي، في العاشر من الشهر الحالي، من أجل مناقشة مشروع قرار غربي طرحته النرويج وأيرلندا، يقضي بفتح معبرين إضافيين لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، إلى جانب الإبقاء على معبر باب الهوى بريف إدلب، الذي يُعدّ المعبر الوحيد حالياً لإيصال المساعدات.
وحسب مصادر في المعارضة السورية لـ”العربي الجديد”، فإن النقطة الأساسية المطروحة على جدول الأعمال هي مسألة إدخال المساعدات، وهو ما ورد بالنص في جدول أعمال الجولة الذي أعلنته وزارة الخارجية الكازاخستانية. وقالت الوزارة في بيان، إن البنود الرئيسية في جدول أعمال المحادثات تتضمن الوضع الراهن في سورية، وإيصال المساعدات الإنسانية، واستئناف عمل اللجنة الدستورية السورية، وإجراءات بناء الثقة مثل تبادل الأسرى والإفراج عن المعتقلين والبحث عن المفقودين.
واللافت أن مناقشة إدخال المساعدات إلى سورية تتم للمرة الأولى ضمن آلية أستانة التي خرجت بها روسيا في مطلع عام 2017 لإدارة الملف السوري، بعيداً عن الأمم المتحدة، ونجحت من خلالها في تصفية القسم الأكبر من المناطق التي تم تصنيفها ضمن “خفض التصعيد”، واستعادتها لصالح النظام، باستثناء محافظة إدلب وبعض المناطق من ريف حلب. وترى أوساط في المعارضة السورية أن نقل ملف المساعدات الإنسانية إلى أستانة يتم ضمن خطة روسية جديدة لتحريك الملف السوري، وهو أمر يعيد إلى الأذهان ما قامت به موسكو من خلال هذا المسار خلال السنوات الماضية، وينتظر أن تطرح تصوّراً في أستانة يقوم بمقتضاه “ثلاثي أستانة” (الدول الضامنة: روسيا، إيران، تركيا) بالإشراف على إدخال المساعدات الإنسانية، وتوزيعها بالتنسيق مع حكومة دمشق. وهي تطمح من وراء ذلك إلى تحقيق اختراق سياسي، من خلال لعب ورقة المساعدات الإنسانية، في وقت تراجع الاهتمام السياسي الدولي بالوضع السوري إلى درجة متدنية، ولا تلوح في الأفق أية مؤشرات من أجل تحريكه في المدى المنظور.
واستبقت موسكو الاجتماع بجولتين إلى تركيا وحكومة النظام. وقام وزير الخارجية سيرغي لافروف بزيارة أنطاليا يوم الخميس الماضي للاجتماع مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، بينما زار دمشق في نفس اليوم ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، والذي التقى رئيس النظام بشار الأسد. وفي حين لم يرد أي ذكر للمساعدات الإنسانية في الأخبار التي صدرت من دمشق عن الاجتماع، فإن لافروف صرّح في المؤتمر الصحافي مع نظيره التركي عن “حاجة المدنيين شمال سورية لاستمرار دخول المساعدات عبر تركيا، وضرورة إيجاد مخرج لمشكلة توصيلها قبل انتهاء مدة التفويض الدولي في العاشر من الشهر الحالي”. إلا أن وقائع المؤتمر الصحافي والتسريبات التي انتشرت بعده، توحي بأن أنقرة ليست على نفس الموجة التي عليها موسكو، رغم أن روسيا أوصلت إلى الجانب التركي رسائل هامة تتعلق بالموقف من قوات سورية الديمقراطية (قسد)، تتجاوز ما ورد في البيان الختامي لدورة أستانة الخامسة عشرة التي انعقدت في فبراير/شباط الماضي، وجاء فيه “عبّرنا عن إصرارنا على التصدي للخطط الانفصالية في منطقة الفرات، والتي تهدف إلى تقويض وحدة سورية، وتهدد الأمن القومي لدول الجوار”.
وأفادت أوساط إعلامية تركية بأن مهمة لافروف في أنطاليا لم تصل إلى نتائج ملموسة في ما يخص إدخال المساعدات الإنسانية، وأن الوزير الروسي أثار قضايا أخرى في صلب الاتفاق الروسي التركي الخاص باتفاق وقف إطلاق النار في إدلب الذي جرى التوصل إليه في الخامس من مارس/آذار 2020، ومنها فتح طريق حلب اللاذقية، وهو مشروع عمل عليه الطرفان في العام الماضي، ولكنه لم يتقدم بسبب عدم وفاء روسيا ببند عودة المهجرين من أرياف حماة وإدلب وحلب.
وهناك سببان رئيسيان يصعبان التوصل إلى اتفاق تركي روسي في أستانة بخصوص المساعدات. الأول، إدراك أنقرة أن الهدف البعيد منه هو تعويم النظام، وهذا أمر غير وارد بالنسبة لتركيا في الوقت الراهن. وعلى هذا الصعيد، تحدثت موسكو في صورة غير مباشرة عن استعدادها لمقايضة مسألة المعابر بتخفيف العقوبات الدولية عن نظام الأسد، وخصوصاً قانون قيصر. وقال لافروف إن “تحقيق هذا الهدف (المعابر الإنسانية) يقتضي بذل جهود ملموسة فوراً لحل التحديات الإنسانية الخطيرة في هذا البلد”. وعلّل رفض موسكو فتح المعابر، بأن “أسباب تفاقم الوضع الإنساني في سورية تعود خاصة إلى العقوبات غير القانونية”. ومن ناحية ثانية، فإن تركيا تعرف روسيا جيداً، وجرّبت مدى التزامها بالاتفاقات وعدم احترامها لها، ولذلك فليست هناك مصلحة مباشرة أو مبررات مقنعة كي تساهم تركيا في الخطة الروسية لتوفير أسباب حياة جديدة للنظام السوري.
ويتعلق السبب الثاني بموقف الولايات المتحدة وأوروبا من إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، وكان الرئيس الأميركي جو بايدن صريحاً، حين اعتبرها بعد قمته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف الشهر الماضي بأنها “مثال للتعاون الأميركي الروسي”. وترى أوساط إعلامية تركية أن الجانب التركي لمس خلال لقاء أنطاليا أن موسكو ليست في وارد خوض معركة قوية مع واشنطن بصدد المساعدات، وهي تناور للحصول على بعض المكاسب ليس أكثر، بعد أن تم تهميشها في المؤتمر الدولي الخاص بسورية، الذي انعقد في روما على هامش اجتماع التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، وضم وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الكبرى، والمجموعة المصغّرة حول سورية، وتركيا وقطر وممثلين عن الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، إضافة إلى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، وكان هدفه الضغط على موسكو.
وفي الختام، ترى أوساط المعارضة السورية، أن جولة أستانة ستكون اختباراً للموقف الروسي قبل يومين من اجتماع مجلس الأمن، وتريد موسكو منها الحصول على أكبر قدر من المكاسب لتعزيز موقف نظام الأسد وتخفيف العقوبات الدولية ضده، ومنها بالخصوص الأميركية.
المصدر: العربي الجديد