لاتتردد روسيا وقواتها العاملة في سوريا، منذ تدخلها العسكري في البلاد عام 2015 باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، الجوية منها والبرية، في قتل السوريين وتدمير منازلهم، وهدم المشافي والمنشآت الحيوية، ولدعم نظام الأسد في توسعة نطاق سيطرته، وبسط نفوذه على المناطق السورية الخارجة عن حكمه.
وبحسب موقع “ميليتري فايلز” الحربي الروسي، فإن روسيا استخدمت ما يزيد على 231 سلاحاً خلال العمليات العسكرية في سوريا، من ضمنها قاذفات “Su-24s”، وطائرات “Su-25″، و”Su-35″، ومروحيات من طراز “Mi-28″، إضافة إلى طائرات بدون طيار منها “أورلان 10″، وأنظمة دفاع جوي، وأنظمة الرادار المحمولة وأنظمة الحرب الإلكترونية، وعدة سفن حربية من طراز “بويان”، و”روستوف” و”كاليبر”.
تتنوع أهداف روسيا من استخدام الأسلحة المتطورة في سوريا، فمنها ما يكون بغرض التجريب، وأخرى بهدف تدمير البنى التحتية والمنشآت الحيوية ومنازل المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وبعضها بغرض تقويض قدرة فصائل المعارضة على المواجهة العسكرية المباشرة خلال المعارك، ويمكن القول إن الهدف الأكثر شمولية هو إخماد الثورة وقتل المناهضين لحكم الأسد، مهما تعددت وسائل القتل وأدواته.
ومن الأسلحة الروسية التي راج استخدامها خلال الأشهر الماضية في قصف المنازل والمشافي في شمال غربي سوريا، قذائف كراسنوبول، التي توجه عبر الليزر نحو الهدف بشكل مباشر، ما يعزز من فرص إصابته، سواء كان ثابتاً أو متحركاً.
وفي شهر آذار الماضي تعرض مشفى مدينة الأتارب غرب حلب لقصف بهذا النوع من القذائف، وذكر الباحث الأميركي، تشارلز ليستر، أن فريقاً من الباحثين التابعين للأمم المتحدة حلّلوا حطام القذائف، وتوصلوا إلى أنها كانت من طراز “كراسنوبول” الموجهة ليزرياً بدقة بواسطة طائرة مسيرة روسية.
“كراسنوبول” تطول شخصيات قيادية ومنشآت حيوية
تتبع القوات الروسية أساليب جديدة لإيقاع أكبر قدر ممكن من القتلى، ولعل الشائع منها هو قصف منشأة أو تجمع سكني في منطقة ما، وتكرار القصف على الهدف نفسه بعد وقت قصير، لقتل المشاركين في الإسعاف وانتشال الجرحى، وهو ما يسمى القصف المزدوج.
وراح ضحية هذا النوع من الاستهداف، عشرات المدنيين والمسعفين والشخصيات القيادية في الفصائل العسكرية، ومنهم، أبو خالد الشامي، المتحدث باسم “هيئة تحرير الشام”، الذي قُتل رفقة عدة عناصر بالهيئة في 10 من حزيران الجاري، بعد تعرضهم لقصف مدفعي روسي قرب قرية إبلين جنوب إدلب، بعد توقف سيارتهم بلحظات، من أجل انتشال قتلى وجرحى كانوا قد تعرضوا لقصف مشابه في المكان نفسه.
ويوم أمس تعرض مركز الدفاع المدني السوري في منطقة قسطون في سهل الغاب غرب حماة، لقصف بقذائف ليزرية، أسفر عن تدمير المركز، ومقتل أحد المتطوعين وإصابة 3 آخرين بجروح.
وأفادت مصادر عسكرية لموقع تلفزيون سوريا بأن القذائف التي استهدفت مركز الدفاع المدني خرجت من مدفع أكاسيا عيار 152 ملم، يتمركز بين مدينة كفرنبل وبلدة بسقلا جنوب إدلب، مضيفة أن القذائف وجِهت نحو الهدف ليزرياً عبر طائرات مسيرة كانت تحلق في الأجواء.
وأضافت المصادر أن روسيا استخدمت هذه القذائف خلال الحملة العسكرية الأخيرة في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وكثفت من استعمالها خلال معركة السيطرة على مدينة سراقب، واستطاعت من خلالها إنهاك القدرات العسكرية للفصائل، بسبب الدقة العالية للإصابة، واستخدامها في تدمير العربات العسكرية والمدافع وغرف العمليات المتقدمة.
آلية إطلاق القذيفة وسبل تفاديها
وفقاً للرائد، ماهر مواس، المتخصص بسلاح المدفعية في الجبهة الوطنية للتحرير، فإن الميليشيات الإيرانية استخدمت مثل هذه القذائف في المعارك التي جرت قبل سنوات في ريف حلب الجنوبي، ولكن لم يُعلن عنها، وكذلك لم تكن الفصائل تعرف عنها شيئاً، كون استخدامها كان محدوداً.
وقال “مواس” في حديث لموقع تلفزيون سوريا: “مع بداية العام الحالي، والأيام القليلة الماضية بالذات، زادت وتيرة استخدام هذه الذخائر لقصف أهداف محددة بشكل مركز ودقيق”.
وذكر أن القذيفة تُطلق من المدفع، وبداخلها آلية توجيه بواسطة الليزر، حيث يتم توجيه شعاع الليزر إما من جهاز مركب على الأرض أو طائرة استطلاع، مؤكداً أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن من يشرف على هذه الرمايات، طواقم روسية مدربة.
وللتخفيف من آثار هذه القذائف، نصح “مواس” بالتمويه وتبديل أماكن العمل والمقارّ بشكل دائم، واعتماد التنقل على وسائل خفيفة مثل الدراجات النارية، وعدم إعطاء طائرات الاستطلاع أي مشاهدة.
ويضيف الرائد أن روسيا تركز قصفها بهذه القذائف على المنشآت الحيوية مثل المشافي والمدارس، ومقار العمليات والقيادة، والدفاع المدني والتجمعات السكنية.
وعن سبب قدرتها التدميرية الكبيرة، أجاب بأن القذيفة من عيار 152 ملم، وتعتبر من أكبر أعيرة المدفعية، وتحقق تدميراً كبيراً في حال إصابة أي هدف بشكل مركز.
ما هي قذيفة “كراسنوبول”؟
صُممت قذائف كراسنوبول لاستهداف الدبابات والعربات المدرعة والتحصينات والمباني والمخابئ، ويتم توجيهها بواسطة ليزر، يكون مثبتاً على الأرض، أو في طائرة استطلاع.
ويبلغ عيار القذيفة 152 ملم، بكلفة مالية تقدر بـ 35 ألف دولار، ويتم إطلاقها عبر عدة أنواع من المدافع، مثل أكاسيا، وهاوتزر، ويزيد وزنها عن 50.8 كيلوغراماً، ورأسها الحربية 20.5 كيلوغراماً، وتحتوي على 6.4 كيلوغرامات من المتفجرات.
وبحسب موقع “المنتدى العربي للدفاع والتسليح” فإن قذيفة كراسنوبول “تتوجه بالقصور الذاتي في منتصف مسارها من أجل الحفاظ على القوس البالستية في المرحلة النهائية”.
ويضيف أن “هذه المقذوفات الروسية تتطلب تعيينات ليزر خارجية، ويجب أن يكون الهدف مضاءً باستخدام مصمم الليزر من أجل تحقيق نجاح دقيق”.
ووفقاً للموقع فإنه “بمجرد اكتشاف إشارة الليزر، سيقوم نظام التوجيه على متن الطائرة بمناورة المقذوفات إلى الهدف، وهذا يسمح لقوات خط المواجهة باستدعاء بعثات إطلاق النار على أهداف محددة ذات أولوية عالية للتدمير بواسطة مقذوفات فردية”.
سلسلة من الهجمات بواسطة كراسنوبول
ذكر مدير المديرية الثانية في الدفاع المدني السوري، رامي السلوم، أن روسيا تستخدم قذائف كراسنوبول، بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، مشيراً إلى أن استخدامها ليس جديداً، ولكن هناك تكثيف بالقصف خلالها مؤخراً.
ومن الهجمات التي وثقها الدفاع المدني عبر هذه القذائف، قصف روسيا لمشفى مدينة الأتارب غرب حلب في 21 من آذار الماضي، ما أدى إلى مقتل 8 مدنيين بينهم طفل وامرأة وجرح أكثر من 15 شخصاً، من الكوادر الطبية والإسعافية والمرضى.
وأفاد “السلوم” في حديث لموقع تلفزيون سوريا، بأن روسيا وقوات النظام استخدمت قذائف كراسنوبول في اليوم ذاته (21 من آذار) لاستهداف محطات وقود وساحة تجمع سيارات القوافل الإنسانية قرب معبر باب الهوى شمالي إدلب.
وأكد أن روسيا قصفت قرية إبلين جنوب إدلب قبل أيام بهذه القذائف، وارتكبت مجزرة راح ضحيتها 11 شخصاً بينهم امرأة وطفلها، وأصيب 6 أشخاص بعضهم بحالة حرجة.
وكذلك تم استهداف متطوعي الدفاع المدني السوري أثناء عملهم بإسعاف المدنيين المصابين بالقصف على قرية بزابور في جبل الزاوية، وأوضح “السلوم” أن ثوان قليلة كانت فاصلة بين المتطوعين، وبين قذيفة سقطت على بعد أمتار من سيارتهم.
ويعتبر “السلوم” أن هجمات أمس السبت كانت الأعنف من حيث الاستهداف المباشر لفرق الدفاع المدني منذ بداية حملة التصعيد على ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب قبل أسبوعين، حيث تعرض مركز الدفاع المدني في بلدة قسطون لاستهداف مباشر ومركّز بقذائف شديدة الانفجار من نوع كراسنوبول، أدت إلى مقتل المتطوع دحام الحسين، وإصابة 3 آخرين ودمار المركز بشكل كامل.
وتابع: “بحسب مشاهداتنا على الأرض فإن حجم الدمار كان مضاعفاً، عن الذي تسببه القذائف العادية”، مؤكداً أن “الاستهداف ممنهج عن سبق إصرار وتعمد، ودقيق جداً”.
نشاط إيراني في نقل القذائف الليزرية
وقالت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، إن الحرس الثوري الإيراني أدخل في شهري آذار ونيسان الماضيين شحنات عسكرية تحتوي على قذائف كراسنوبول إلى الأراضي السورية قادمة من العراق، عن طريق معبر السكك.
وفي هذا السياق، ذكر الصحفي أمجد الساري، الناطق باسم شبكة “عين الفرات” المحلية، أن الميليشيات الإيرانية افتتحت دورتين تدريبيتين لعناصرها على قذائف كراسنوبول، في مدينتي البوكمال والميادين شرق دير الزور، بإشراف عسكريين إيرانيين.
وأشار “الساري” في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن التدريبات بدأت في شهر آذار الماضي، وشارك فيها نحو 70 عنصراً، وتم خلالها إجراء تدريبات حية، عبر وضع أهداف افتراضية وقصفها بالقذائف.
وتحدث “الساري” عن نقل ميليشيا “القاطرجي” المدعومة من روسيا، قذائف من نوع كراسنوبول إلى محيط مدينتي نبل والزهراء في ريف حلب، عبر سيارات وعربات عسكرية خرجت من مقر الميليشيا في بلدة “جبرين” بريف حلب الشرقي، في إطار استعراض القوة الروسية في المناطق التي يطغى عليها الانتشار الإيراني.
غايات وأهداف روسية
في السياق نفسه، أكد الخبير العسكري العميد فاتح حسون، أن الميليشيات الإيرانية أدخلت شحنة أسلحة تتضمن قذائف كراسنوبول من العراق عبر معبر السكك غير الشرعي الشهر الماضي، موضحاً أن قسماً من القذائف تم توزيعها على مواقع بمحيط نبل والزهراء، وقسم آخر ما زال في مخازن الميليشيات.
وترافق ذلك مع قيام ميليشيا “القاطرجي” المدعومة من قبل روسيا، بنقل قذائف من النوع ذاته، ومنصات إطلاق صواريخ من أنواع أخرى، من مقر الميليشيا في جبرين شرقي حلب، إلى محيط بلدة نبل ومحيط بلدة ميزناز غربي حلب، حيث نشرتها وأعدتها للاستخدام، كما ونشرتها على أطراف محافظة إدلب وريف حماة في عدة مواقع، بحسب “حسون”.
ويعتقد “حسون” أن روسيا تستخدم هذه القذائف، وتسمح بدخولها عبر العراق للميليشيات الإيرانية، من أجل تحقيق عدة أهداف، أولها تجاري، فالقادة الروس يجعلون سوريا ميداناً لتجربة أسلحتهم، وإظهار قدرتها التدميرية عملياً، ومن ثم الترويج لها في سوق السلاح العالمي.
وأضاف “حسون” في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن الهدف الثاني عسكري؛ إذ قال: بالنسبة لروسيا هناك “أهداف عسكرية استعصت عليها تريد التأثير بها وتدميرها من خلال إصابتها بدقة دون أخطاء كبيرة”.
ورأى أن الهدف الثالث سياسي، وذلك بالضغط ميدانياً وإظهار التصعيد بشكل يؤثر على الاتفاقيات والمؤتمرات القادمة مع الدول، وخاصة تركيا الضامنة لعدة اتفاقيات شمالي سوريا.
ولفت إلى أنه لا يُعرف لهذه القذائف الصاروخية الليزرية أي مضادات لتدميرها أو حتى التشويش والتأثير عليها، إلا ما يملكه الجيش الأميركي من وسائل وأجهزة خاصة متطورة تتعامل مع الأسلحة الموجهة ليزرياً، لكنها ما زالت مقيدة الاستثمار.
كراسنوبول.. أداةٌ روسية لبعثرة الأوراق
عادة لا تصعد روسيا من قصفها في محافظة إدلب التي تحتضن عشرات القواعد العسكرية التركية، دون أن يكون لديها أهداف مسبقة تسعى لتحقيقها.
وتأتي حملة القصف الروسية منذ نحو أسبوعين حتى الآن، بعد أشهر من الهدوء النسبي في بلدات وقرى ريف إدلب الجنوبي، وعودة آلاف النازحين إلى منازلهم، ومزاولتهم أعمالهم بشكل طبيعي.
وسبق التصعيد، حملات خدمية واسعة أشرف عليها الدفاع المدني السوري، بالتعاون مع المجالس المحلية في بلدات جنوب إدلب، من أجل تسهيل عودة النازحين، وهو ما تم بالفعل، إذ بلغت نسبة السكان العائدين إلى مناطقهم 96 في المئة في بعض القرى.
ربما يدل التصعيد على استياء روسيا من عودة بعض النازحين إلى بلداتهم القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام جنوب إدلب، لذلك أرادت التصعيد وبعثرة الأوراق مجدداً، والتسبب بحملات نزوح عكسية، وفي الوقت نفسه استغلال القصف في الضغط على تركيا، وتأليب السكان عليها، كونها أحد ضامني اتفاق وقف إطلاق النار.
ويؤكد الدفاع المدني أن قوات النظام وروسيا تتبع سياسة ممنهجة شمال غربي سوريا تتلخص بالحفاظ على حالة من اللاحرب واللاسلم، بهدف منع أي حل سياسي على الأرض، كما “تتعمد التصعيد قبل أي استحقاق سياسي أو اجتماع على المستوى الدولي لبعثرة الأوراق السياسية وفرض واقع عسكري وإنساني يبعد الأنظار عن الحل السياسي الذي يتهرب منه النظام، رغم أنه هو الحل الحقيقي للأزمة الإنسانية”.
ويوضح أن حملة القصف تزامنت مع موسم قطاف الأشجار المثمرة وحصاد المحاصيل الزراعية، ما يحرم المدنيين من جني محاصيلهم ومحاربتهم بلقمة عيشهم، وكذلك تزامنت مع امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، حيث يوجد عدة مراكز امتحانية ضمن المنطقة (جنوب إدلب)، ما يشكل خطراً كبيراً على سيرها وحرمان عدد كبير من الطلاب من متابعتها.
وبدأت حملة التصعيد الروسية على قرى ريف إدلب الجنوبي، وسهل الغاب غرب حماة قبل نحو 15 يوماً، وأدت إلى مقتل 24 شخصاً بينهم طفلان وجنين، وامرأتان، وإصابة نحو 50 شخصاً بينهم أطفال ونساء، حسب “الدفاع المدني”.
ويرتبط إنهاء حملة التصعيد الروسية في شمال غربي سوريا، بشكل مباشر بالمشاورات بين القيادتين العسكريتين والسياسيتين لروسيا وتركيا، وباحتمالية توصل الطرفين لتفاهمات تنحّي الأمور الخلافية بينهما جانباً.
وتبقى إمكانية شن هجمات برية على مناطق سيطرة المعارضة ضئيلة على المدى القريب، بسبب الانتشار التركي على خطوط التماس، بواسطة عشرات القواعد، ما يعني أن أي عملية جديدة ستعزز من فرص المواجهة المباشرة بين الأتراك والروس، وهو ما يتجنبه الطرفان.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا