انتخابات المهزلة والمستقبل السوري

رأي الملتقى

لم يكن لأحد أن يرى أو يتوقع تغيرات جدية أو حقيقية في انتخابات (المسرح الهزلي) التي قام بها نظام الإجرام الأسدي بتاريخ 26 أيار/ مايو 2021. فهي لم ولن تعدو كونها إعادة إنتاج لسلسلة من الممارسات الهادرة لكرامات الناس، والممسكة بل القابضة على حرية الفرد والمجتمع السوريين، والمندرجة في أتون سياسات العسف والقمع وكم الأفواه وإلغاء السياسة من المجتمع السوري برمته، التي دأب النظام الأسدي المجرم على ممارستها منذ خمسة عقود منصرمة، عبر سياسات قمعية، يدرك هو قبل سواه، أن لا أحد يمكن أن تغيب عنه هذه السياسات، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو حتى الدولي، لكنه مع ذلك يصر على الإمساك بها وممارستها رغمًا عن الجميع، ودون النظر إلى كل القرارات الأممية التي تتحدث عن انتقال سياسي في سورية، كانت تريده تلك الدول، التي وقعت على القرارار 2254 في حينها، ثم تركته تعبث به الرياح المنفلتة من كل عقالاتها، عبر سنوات عشر خلت.

هذا النظام اليوم وهو يمارس همروجة الانتخابات الرئاسية، ويستزلم في ذلك اثنين من الأمعات الشكلانية الصورية، التي ارتضت لنفسها لعب هذا الدور/ الكومبارس، إنما يريد بذلك القول أنه ورغم إرادات الشعب السوري المهجَّر أكثر من نصفه في شتات الأرض، ورغم مقتل ماينوف عن مليون سوري على يديه، واعتقال مايزيد عن 900 ألف سوري، وإعاقة أكثر من 3 ملايين إنسان، وتهديم البنية التحتية بنسبة بلغت أكثر من 65 بالمئة من العمارة السورية، باتت معها أية عملية إعادة إعمار في سورية تحتاج إلى ماهو أكثر من أربعمائة وخمسون مليار دولار أميركي. يدرك ويعي أنه أحرق البلد بقضه وقضيضه، وهو مع ذلك يريد أن يبقي آل الأسد للأبد، وسط صمت مريب وغريب من جل المجتمع الدولي أو مايسمى بهذه التسمية، إذ لم تعد تفيد كثيرًا كل التصريحات من الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولا من الاتحاد الأوروبي، فالسوريون يريدون أفعالاً لا أقوالاً، وكل مايصدر عن الإدارات، لايوازيه أي فعل جدي حقيقي يمارس على الأرض، فخمس دول فقط من امتنعت عن السماح لمسرحية الانتخابات أن تجري على أراضيها هي أميركا وألمانيا وتركيا والسعودية وقطر، بينما سمحت أكثر من 42 دولة عالمية وعربية بإجرائها على أراضيها، ضمن قنصليات النظام الأسدي، دون وازع من أخلاق أو قيم انسانية أو التزام بالقانون الدولي الانساني، الذي يمنع التعامل مع مجرمي الحرب، وكل العالم يعي أن من يقتل مليون شخص من شعبه ويستخدم الكيماوي ضد مجتمعه، هو مجرم حرب بالضرورة وغير شرعي، ولا يجوز السماح له بممارسة هذه الانتخابات، ومن يسمح بذلك فهو شريك له بالضرورة، سواء وعى ذلك أم لم يعيه.

إذًا الانتخابات المسرحية مضت وانقضت، ودبك الشبيحة، وغنوا ورقصوا حتى الصباح، وهي مسألة لا تغير من الأمر شيئًا، لكن هذا النظام مازال قائمًا، ومازالت روسيا وإيران تدعمانه، ومازال المجتمع الدولي، يتفرج على ممارساته، وفجوره دون الإتيان بأي فعل جدي، أو إيقافه عن المتابعة بالإجرام، وهنا فإنه يجدر القول أن السوريين لايريدون من الآخرين أن يقوموا نيابة عنهم بتغيير النظام الأسدي الطاغوتي، وهم يدركون أن لا أحد يمكن أن يفعلها سوى إرادة الشعب السوري المقهور، الذي خرج أواسط آذار/ مارس 2011 ليقوم بكنس آل الأسد ويعيد الشعب إلى موقعه الحقيقي عبر حكم نفسه بنفسه، دون احتلالات أسدية أو روسية ولا إيرانية ولاسواها.

لكن ثورة الشعب السوري المستمرة والإرادة السورية الجماهيرية المنتجة لحالات متجددة من الوعي المطابق، والمصممة على الولوج إلى مجتمع الحرية والكرامة، هي بالضرورة تحتاج لأصدقاء حقيقيين للشعب السوري، وجديين في التعاطي مع المسألة السورية، كما تحتاج إلى إرادات دولية، لاتفعل شيئًا سوى أن تطبق ما وقَّعت عليه مسبقًا من قرارات دولية، ومسارات في جنيف مابرحت متعثرة، تاركة الاتحاد الروسي وإيران ليقبض عليها ويحرفها عن مسارها ضمن مصالح غاية في الظلم للشعب السوري، والخروج بها إلى مسارات أخرى، لاتغني ولا تثمن من جوع.

الشعب السوري يدرك كذلك ويعي تمامًا أنه هو وحده وبإعادة تموضع وإمساك حقيقي بوحدته وووحدة كل فصائله، العسكرية والسياسية، كما أوصانا بذلك الكبير ميشيل كيلو قبل رحيله بأيام، ومن ثم العض على فكرة الحرية بالنواجز، وصولًا إلى التوافق على عقد اجتماعي جديد، لا يستثني أحدًا، يعيد بناء هوية وطنية جامعة، منجدلة بعروبتها، تاريخها، وآنها، ومستقبلها، وإقامة مجتمع مدني حر، بلا آل الأسد، يحمي الدستور العصري المنشود، ويحتمي به، وكنس كل أنواع التغول الأمني المخابراتي، وكل الأجهزة التي بناها نظام العصابة الأسدي، ليقيم مجتمعًا ديمقراطيًا واعيًا، لايسمح بأي شكل من الأشكال بإعادة إنتاج أي استبداد جديد، من أي نوع كان ، من أين وأنَّى أتى.

بذلك فقط يكون السوريون قد تجاوزوا (همروجة) الانتخابات الهزلية، بوحدتهم وتمسكهم وتآلفهم، يتمكنون من إعادة صنع المستقبل، المخطوف من قبل آل الأسد، والملالي الفرس الإيرانيين والروس وسواهم. وبدون ذلك لا قدرة للشعب السسوري على تخطي المرحلة المتعثرة، ويبقى العثار الكبير سيد الموقف، إن لم نتوحد على صياغات وطنية جديدة، منبعثة من آمال الشعب السوري، وأحلامه في الحرية والكرامة، يرونه بعيدًا ونراه قريبًا، فيما لو فعلنا على طريقه ومن أجل انجازه المطلوب بحق فهل نفعل؟؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى