إذا كان ما نقل عن الأستاذ زهير سالم دقيقا نصا أو مضمونا فإن ما طرحه في رؤيته إزاء الخطرين الفارسي الإيراني. والصهيوني الاسرائيلي، على أمتنا، والذي خلص فيه إلى أن الخطر الفارسي هو الأخطر. وبالتالي هو الأولى بالمواجهة، يكشف عن حالة من الجهل والجهالة ملفتة للانتباه، ويزداد خطر هذه الحالة نتيجة أن للرجل موقعه في تنظيم سياسي لعب وما زال يلعب دورا على الساحة السورية، وهو في أفقه العربي والعالمي له دور لا يجوز إغفاله.
بداية أن لا أقلل من خطر التطلع الفارسي الامبراطوري الذي يتخذ من التشيع “برداء نظرية ولاية الفقيه” ستارا لذلك الطموح. (وقد سبق وكتبت بتفصيل عن هذا الخطر عن طبيعته وأفقه والجغرافيا السياسية والبشرية التي يتحرك في إطارها. لذلك لا حاجة هنا آلى تكرار ذلك).
لكن الانتباه الى هذا الخطر شيء واعتباره مقدما على الخطر الصهيوني شيء آخر، وتغليف هذه الرؤية بقاعدة من قواعد الفقه الإسلامي وهي قاعدة ” فقه الضرورات”، يزيد من خطورة هذا الطرح، لأنه لا يحرف هذه القاعدة عن مسارها فحسب ( وهي قاعدة في الفكر والعمل السياسي عموما)، وإنما يقدم وهو يضعها في هذا الموضع المبرر للتعامل مع الكيان الصهيوني لأنه “الأقل خطرا”، ولأنه الخطر المقدم على غيره، أي أن في هذا الطرح دعم للتيار القائل بضرورة وجود تحالف مع الصهيونية والكيان الصهيوني لمواجهة الخطر الفارسي.
وهذا موقف لم نسمعه من قبل من أي من قوى المعارضة السورية.
ويبدو أن سالم لم يقرأ تاريخنا ولو قراءة عابرة، كما لم يدرك معنى وجود الكيان الصهيوني، ولا معنى وجود إيران.
يجب أن يكون واضحا أننا نعادي النظام الايراني. سياسات وبرامج هذا النظام، عدوانيته على أمتنا وتحالفاته التي تغذي هذه العدوانية.
لكننا لا نعادي الشعب الايراني، ولا الدولة الايرانية، ولا نعتبر ايران وجودا طارئا في المنطقة، يجب إزالته، هي جار ملاصق لهذه الأمة. يجمعنا معه تاريخ. ودين ومصالح، وجغرافيا سياسية، وهناك شواهد احتكاك واختلاف في النقاط الأربعة السابقة، لكنها تبقى ” نقاط احتكاك واختلاف”، وقد زاد أثر هذه كثيرا حينما غطت نفسها في هذه المرحلة برداء تشيع “ولاية الفقيه”.
ونحن لا نعتبر الصراع معها طائفي، ولا صراع سني / شيعي، رغم أنها هي تعتبر الأمر كذلك.
أما الأمر بالنسبة للكيان الصهيوني فهو مختلف جدا.
نحن هنا أمام شكل آخر من الصراع. يوصف بأنه “صراع وجود” .
هذه فلسطين إما لنا أو لهم. أرض لا تتسع إلا لشعب واحد، مهما تنوعت مكوناته، وبلد محدد لا يستطيع أن ينتمي لغير الإقليم العربي الكبير، ومقدسات إسلامية ومسيحية لا يقوم عليها إلا هذا الشعب الفلسطيني العربي المسلم.
صراع مختلف جوهرا وواقعا واستهدافا عن إي صراع آخر.
نحن لسنا ضد النظام القائم في الكيان الاسرائيلي فحسب ، وإنما نحن ضد الكيان كله.
على نحو ما ، وفي بعض الوجوه الأمر هنا أشبه بالموقف من الغزو الصليبي، ليس هناك حل وسط مع ممالك وكيانات ذلك الغزو،
نذكر هنا أن مصر كانت في ذلك الوقت تحت حكم ” الفاطميين” ، وهم شيعة اسماعيليون، ومع ذلك فإن نور الدين الزنكي، اولا، صلاح الدين الأيوبي ثانيا، لم يتعبر ان الصراع مع الفاطميين له الأولوية، بل إن الزنكيين دفعوا بقواتهم التي ضمت صلاح الدين إلى القاهرة لحماية الخليفة الفاطمي، ممن كان يتلاعب به بالتحالف مع الصليبيين.
وفي لحظة واحدة. انتهى الحكم الفاطمي في مصر، وتبين أن كل مظاهر “التشيع” التي كانت منتشرة في مصر لم تكن أكثر من فقاعة لا جذور لها.
في الصراع مع الصليبيين فقط جماعة “الحشاشين” هم الذين وقفوا متحالفين مع الصليبيين لمواجهة صلاح الدين ، (ومع ذلك لم يستمر موقفهم هذا طويلا).
ما ذهب إليه سالم من تسليط الضوء على “عمليات التشيع”، التي يشتريها الايرانيون في بلادنا وهي حقيقة، لكن لا يجوز إعطاءها أكثر من حجمها، ولا إيلائها أكثر من قيمتها.
وأظن أن القول بأن “المشروع الايراني قادر على خداعنا أكثر”، قول يحتاج إلى مراجعة لأنه قول يحمل في عمقه تقديم التبرير لمن يقف مع هذا المشروع، وأنا أكاد أجزم أن من يقف مع المشروع الإيراني يعرف تماما مع من يقف، وهو يقف لأهدافه الخاصة، سواء كانت هذه الأهداف شخصية، أو طائفية، أو مرحلية، أو الاعتقاد بوجود أرضية عمل مشترك تفرضها ظروف قد تمتد لأمد متوسط أو بعيد، لكن ليس هناك مخدوعون.
يجب أن يكون لدينا ثقة أكبر بشعوبنا، وبحقيقة إيمانها، وبحقيقة أن هذا الايمان لا يباع ويشترى بتافه المال.
كان من المهم الانتباه إلى أن هذا الشعب، الذي قدم ما قدم في سوريا لا يمكن أن يصرف عن دينه أو عن وطنه. أو عن انتمائه العروبي حفنة من الدولارات، وأن ما هو أخطر من هذه الدولارات المبذولة تلك القيادات التي تصدرت مشهد الحراك الشعبي،وتحدثت يوما بالشعارات الدينية، ويوما بالشعارات الوطنية، والتحررية، وبشعارات محاربة الاستبداد والفساد ، ثم إنها أظهرت شيئا فشيئا الاستهتار بكل تلك الشعارات، وظهر جليا أنها تقدم نماذج ذات أثر سلبي جدا على الشعارات والرايات التي رفعتها ، وبالتالي أسهمت في أجهاض الحراك الثوري، وإعاقة وصوله إلى هدف التغيير المرتجى.