احمد مشول روائي سوري، ينتمي للثورة السورية، هذا أول عمل روائي اقرأه له. علما أنه سبق وأن أصدر كتابين بالنقد ومجموعتين شعريتين ومجموعة قصصية .
غزل رواية تعتمد السرد بلغة المتكلم على لسان بطلتها “غزل”. كما تتابع الرواية نسقين متوازيين. الأول هو حياة غزل وحبيبها سعيد أبناء مدينة حلب، والثاني ظروف الثورة السورية وانعكاسها على مدينة حلب، على كل المستويات في السنوات الخمس الاولى -تقريبا- للثورة السورية. ونحن هنا في قراءتنا للرواية نمزج بين المستويين لتقديم صورة مركزة عن الرواية، ورأينا بعد ذلك.
تبدأ الرواية من الشخصية الرئيسة غزل التي تراجع علاقتها بسعيد الممتدة لأربع عشرة عاما سابقة، غزل وسعيد حبيبان بعيشان علاقة حب ومتعة وجنون ، تسترجع غزل وكذلك سعيد هذه العلاقة؛ حميميتها الجنسية والجسدية. الهاجس الجنسي حاضر وطاغي، كثير من البوح والإفصاح ، غزل وسعيد يؤمنان بالعلاقة الجنسية الحرة، يرفضان الزواج ويعتبرانه قيد و عبودية، غزل ابنة عائلة حلبية منفتحة، سمحت لها باللقاء شبه الدائم مع سعيد وتواصلهم الجنسي السرّي طبعا، وجعل ذلك حاضر في ذاتهما دوما. سعيد مثقف يعمل معلما ويكتب الشعر ، موقفه جذري جدا من الزواج، رافضا له، ومؤمن بالانفتاح الجنسي في العلاقات الإنسانية. ويعيش مع غزل حياة ممتدة لسنين بتواصل جسدي وجنسي
كان لبداية الثورة السورية في أواسط آذار من عام ٢٠١١م التي اندلعت امتدادا للربيع العربي وردا على القمع والتعذيب والتنكيل الذي حصل لاطفال درعا الذين كتبوا على جدران مدارسهم ضد النظام السوري، امتدت الثورة الى باقي المدن والبلدات السورية، مظاهرات سلمية تطالب بالبداية بالاصلاح، في مواجهة نظام استبدادي قمعي طائفي يستغل الشعب السوري و يضطهده. ولكن النظام لم يستجب لمطالب الناس والمتظاهرين. أخذ خيار مواجهة الثورة والحراك الشعبي عبر القوة المسلحة لإنهائها بأي ثمن، بدأ بقتل المتظاهرين بالرصاص الحي، واجههم بالأمن والشبيحة، وقرر المتظاهرون الانتقال الى مرحلة المواجهة المسلحة للنظام. وبدأت تتشكل خلايا الجيش الحر. انعكس واقع الثورة على غزل وسعيد، حيث أصبحت لقاءاتهما أكثر صعوبة. وكان سعيد أحد الناشطين في الثورة. تباعدت لقاءاتهما وزاد عطشهم الجنسي و احتياجهم لهذه اللقاءات. استعاضوا عنها بالتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت، وتعويض حاجتهما الجنسية لبعضهما من خلال الاحتلام واسترجاع لما كانا يعيشان سابقا. ومع زيادة تطور العنف المسلح في حلب من النظام الذي انتقل الى مرحلة القصف بالبراميل المتفجرة وتدمير الاحياء. التي كانت قد تحررت ودخل اليها الجيش الحر، ومن ثم تنوعت الفصائل التي سيطرت على أحياء حلب المحررة، بحيث كان أغلبها له ميول ونزوع اسلامي وفقا للشعارات والألبسة والرموز المستعملة ، ومنها داعش والنصرة وغيرها ، واصبحت حلب المحررة تحت رحمة الفصائل بتنوعها على الأرض مستباحة منها، ومع اشتداد الصراع قامت بعض المجموعات المسلحة مستغلة هذا الظرف بأعمال السرقة والنهب للمنشآت والمنازل ولعبت عمليات القصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ من الجو من الطيران الحربي إلى النزوح و التهجير الجماعي وأصبحت حلب المحررة شبه خالية من أهلها و مدمرة تماما . ادى ذلك بالنسبة لعائلة غزل إلى اللجوء إلى ثلاث دول في ثلاث قارات ولكن والدها والدتها لجؤوا إلى ازمير التركية . وبقيت هي تعمل في حلب رغم كل الظروف والصعوبات وحين فقدت عملها قضت فترة عند صديقاتها في حلب رغم الظروف القاسية وخطورة الوضع العام ، لكي لا تبتعد عن حبيبها سعيد واستمرار علاقتهما الجنسية الحميمية، سواء باللقاء المباشر عندما يتمكنان، او عبر الانترنت. واستمر سعيد بنشاطه السلمي رغم انحسار دوره وهامشيته امام العمل المسلح من النظام والأطراف المسلحة الاخرى
وحين اعتقل سعيد استطاع ارسال رسائل الى غزل يخبرها باعتقاله. وعاشت غزل أوقاتا عصيبة خوفا على حبيبها سعيد المعتقل عند النظام، وهي تعلم أن النظام قاتل ومجرم وقد يقوم بتصفية سعيد كما قام سابقا بأعمال القتل والاغتصاب في السجون والمعتقلات أو قد يمتد اعتقاله لسنوات
إنه نظام لا يتورع عن فعل أي شيء ليستمر بالحكم لو قتل الشعب السوري كله أو هجّره. أو دمّر البلد فوق أهلها. استمرت غزل في حلب رغم قساوة مايحصل بها على أمل ان يخرج سعيد من المعتقل وتلتقي به مجددا. فهي مازالت تقتات في غيابه على استرجاع ما عاشته معه بحميمية وشوق واحتلام دائم. وفعلا خرج سعيد بعد فترة من المعتقل حيث صبر وصمد ولم يعترف على اي شيء، خاصة انه اعتقل على الشبهة ولا ادلة عليه. وعاد سعيد وغزل للقاء الشخصي او عبر النت بكثير من الحميمية والتوق والعطش المتبادل. لكن واقع حلب العسكري أصبح جحيما. وسيطرة داعش والنصرة على اغلب المحرر منها. كل ذلك أجبر غزل على السفر إلى أهلها في انقرة حيث تعيش العائلة . كان قرار رحيل غزل بالنسبة لها ولسعيد قرارا قاسيا عليهما وامتحانا لصلابة وقوة حبهما واستمراره رغم البعد والمسافات
ويصف الكاتب طريق السفر الطويل من حلب إلى عفرين ومنها الى تركيا و الصعوبات وخاصة داخل الأراضي السورية. حيث حواجز النظام المقترنة بالإذلال والمهانة وهدر الكرامة الانسانية مع الخوف الدائم من الاعتقال والقتل والتنكيل، وكذلك حواجز داعش وبعض الفصائل الاخرى. لقد أصبحت سورية مسرحا لصراعات إقليمية ودولية بعد أن تدخلت إيران لصالح النظام بالاضافة لمليشيات حزب الله والمرتزقة الأفغان والعراقيين وغيرهم. وكذلك تواجدت داعش والنصرة وتوسعت على حساب المناطق المحررة من النظام. وسيطرت على منابع النفط وبعض المعابر وأمّنت موارد مالية لها. وقدمت للنظام قارب نجاة بانه يحارب الارهاب المتمثل في القاعدة “النصرة” وداعش. و تدخلت قوى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وقد أدت العمليات العسكرية إلى تهجر الشعب وتدمير الكثير من البلدات السورية. لقد وجد النظام بالتدخل الدولي فرصته لاستخدام أنواع الاسلحة كافة بما فيها السلاح الكيماوي في الغوطة وبلدات وقرى عديدة مع تواطئ وصمت المجتمع الدولي . تهجر عبر سنوات مئات آلاف السوريين. وقتل منهم كذلك ونزح ملايين داخل سورية وملايين خارجها. وأصبحت سورية خراب ومحتلة من الروس والايرانيين والمرتزقة الطائفيين. والأمريكان الذين دعموا ال ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني في سورية بحجة محاربة داعش، واصبحوا قوة على الأرض سيطروا على الشمال الشرقي السوري ويعملون لصناعة كيان انفصالي كردي.
ولقد فقد سعيد كل انواع المقاومة فقرر الرحيل لاجئا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا باعتبارها الجنة الموعودة للسوريين؟!!. كانت غزل قد استقرت في إزمير عند أهلها. استمرت تتواصل مع حبيبها
سعيد عندما يتاح لها ذلك وكان ذلك يحدث بأوقات أصبحت متباعدة، يمارسون عشقهم وحرمانهم عن بعد. فكرت ام غزل بحال ابنتها. ادركت بغريزة الامومة ما تعيشه ابنتها. تركتها في البداية على تواصلها مع حبيبها. لكن ماذا بعد ذلك؟!!. فكرت ان تزوج ابنتها لكي تجعلها تجد حياة وأسرة تحميها في هذه الحياة. تقدم لخطبة غزل ابن خالتها. الذي يكبرها بالسن والمتزوج لكن لا زوجة لديه الآن ولديه طفلين. فكرت غزل بنفسها وهل تنتظر سعيد ليأتي اليها و يتزوجها. قررت أن تنقل المشكلة إليه، رغم معرفتها بمواقفه من الزواج وحين أخبرته قال :
لايستطيع ان يتنازل عن حبه لها ولكنه لايستطيع أن يذعن لهذه العبودية.
وهي من جهتها فكرت بالحياة والمستقبل ووجدت أن في أعماقها حاجة للزواج والاستقرار، وتمنت لو أن سعيد رضي بذلك لانها تحبه وبقيت معذبة بهذا الحب رغم زواجها وبقيت على حبها لحبيبها سعيد وعلى تواصلها معه.
ولقد أدركت بعد زواجها
بأن الزواج فعلا أصبح علاقة روتينية مملة ومؤسسة لإنتاج العبودية وخاصة بعد اكتشافها للفروق الفكرية والاجتماعية مع زوجها وعدم قدرتها على نسيان اللحظات الرائعة التي كانت تقضيها مع سعيد
خرج سعيد من حلب باتجاه الحدود التركية. كان ذلك يحتاج سمسارا للعبور إلى تركيا. التي أغلقت حدودها بعد وصول الملايين من السوريين إليها. عبر سعيد الحدود بمخاطرة مواجهة الموت على الحدود التركية ولكن بالنهاية وصل الى انطاكية. ومن هناك توجه الى ازمير باحثا عن سمسار وقارب للوصول إلى اليونان
رحلة القارب / البلم تشكل قارب النجاة أو الموت وفي الحالتين خلاص لابد منه من أعمال القصف والقتل والاعتقال والاذلال على الحواجز وفقدان الأمن
خلاص من الموت جوعاً بسبب الحصار وانقطاع الماء والطعام والكهرباء والتنفس
أصبحت قوارب الموت رحلة الحلم بالخلاص والوصول إلى الجنة الموعودة على الضفاف الاخرى
غزل التي ارهقتها الحياة الزوجية. فعليها مسؤولية الولدين الصغيرين وأعباء المنزل . ولذلك كانت تجد راحتها في التواصل المتباعد مع سعيد الذي ينتظر على شواطئ البحر بانتظار لحظة الوصول الى الجزر اليونانية
في قراءة الرواية نقول:
اولا: تنتمي الرواية إلى روايات الثورة السورية التي تصف معاناة السوريين منذ قيام ثورتهم و مضي سنوات على ذلك. تطورات الحال من التظاهر السلمي الى عنف النظام إلى تشكيل الجيش الحر ومن ثم الجماعات الإسلامية المسلحة واخيرا حضور داعش والنصرة وسيطرتها. وضياع أجندة الثورة وحال السوريين بين بطش النظام وتدمير مدنهم وبلداتهم واستباحة حياتهم وممتلكاتهم. ودفعهم للهروب والهجرة للحفاظ على أرواحهم. ومسارات هذا الواقع بين قتيل ومعتقل ومعطوب ومشرد في مخيم ومشرد في بلاد الجوار السوري، وبين راكب البحر غريق فيه، او حالم بالوصول الى اوروبا لعله يعيش حياة فيها بعض من حقوقه الانسانية. الرواية تتحدث عن ذلك في مدينة حلب وتطورات ذلك فيها.
ثانيا: في الرواية نسق آخر يظهر في كشف دور الحرب في تدمير العلاقات الإنسانية
حيث لعبت الحرب في تفكك الأسر والعلاقات العاطفية والتي تدخل فيها العلاقات العاطفية في جموحها الجنسي ونوزعها للتحرر من هيمنة وسيطرة المجتمع ولذلك جاءت الرواية للدخول في طبيعة المشاعر والعواطف الانسانية والبحث عن علاقة مفتوحة بين غزل وسعيد والتي امتدت الى عقد ونصف تقريبا. كما أن الرواية تطرح أفكارا جديدة حول الزواج والأسرة ونزوع الإنسان للتحرر
من هذه المؤسسة والخروج منها نظرا لما تتركه من رتابة سأم وملل والقناعة بأهمية العلاقة المفتوحة الحرة من القيود التي تحاصر الإنسان في مشاعره و عواطفه ورغباته و هي وجهة نظر في الحب والحياة والحرية .
وهناك الكثير من التنوع في ذلك ولكل فلسفته وآرائه ووجهات نظره
ولم نفهم هذا الانتقال الغريب في موقف غزل من الزواج فبعد اربعة عشر عاما من الحب المفتوح تقبل الزواج بلهفة، وتتزوج ولا تجيب عن أسباب هذا التغير، ولا تقدم لحبيبها مبررا لذلك إلا انها ما زالت تحبه وتحلم به في احتلاماتها الدائمة. وتكثر الأسئلة التي تلقيها علينا الرواية.
تحليل وتفكيك اللغة والأحداث والبنية السردية :
تتميز لغة الرواية بلغة شاعرية حيث يقول :
أصوات القذائف وأزيز الرصاص يمنعني من النوم ,فأغفو على ماتبقى من نفايات الاخبار التي تحاصرني كل يوم حتى ساعات متاخرة من الليل ,لا اعرف كيف ينام الناس والبيوت والقرى والمدن يتم قصفها وتدميرها ,مئات القتلى تفوح دماؤها من نشرات الاخبار
محاصرة كل يوم بشوقي وعشقي للمدينة ولك , ولا اعرف كيف أغالب هذا الشوق واتخلص من وجع الحنين , هل انا مريضة بك ؟ ام انني مريضة بالمدينة التي تغتالني كل يوم ؟ هذه المدينة التي تحمل صفات متعددة واسم واحد هو حلب.
بهذه البداية تبدأ رواية غزل التي تقارب موضوعا يتداخل فيه حالة الحب والحرب , حالة العقل والجنون ,حالة تعبر عن جحيم الحرب ونيران الحب هذا التناقض والصراع ما بين تمسك غزل بالمدينة كحالة دفاع عن القيم العاطفية التي تتعرض للتفتت والاضمحلال.
لا احد يعرف جمال المدينة وشوارعها وازقتها إلا حين يغادرها لتصبح ذاكرته وسلة همومه و مشجب احزانه
المدينة التي تعاني من نزيف حاد في اعصابها وحجرها وأشجارها وزرقة سمائها
ويأتي اعتراف الشخصية الرئيسة غزل وحب سعيد الذي يجد تعبيره في الجوع للآخر والعطش له والرغبة في التلاشي والذوبان داخله
فهل نحتاج في الحروب لشخص جميل نصاب به لنستمر في الحياة؟
غزل التي تجد في عشقها لعملها بالتمريض في ظروف الحرب وعشقها لحبيبها فرصة للتمسك والبقاء في المدينة التي غادرها أهلها وبقيت متمسكة بالطرقات والأماكن والحدائق والعشق الجنوني
غزل التي تكشف واقع الحياة بالمشفى والعلاقات العاطفية والرغبة في ممارسة الحب لمقاومة هذا الخراب
الرواية التي تؤرخ لبداية المظاهرات في درعا احتجاجا على قلع أظافر الاطفال بالمعتقل بسبب كتاباتهم و خربشات على الجدران للمطالبة بالحرية
ثم امتدت المظاهرات للمدن والقرى مثل النار في الهشيم
وجاءت المظاهرات في اغلب المدن السورية لتؤكد بأن القمع لم يكن الحل ولابد من تفهم حركة الاحتجاجات وبأن الحوار هو الطريق الوحيد لإنقاذ الوطن من الخراب
ولكن مع ارتفاع درجة العنف من السلطة والعنف المضاد بدا الوضع أكثر خطورة ويدفع باتجاه تدخل عصابات ومرتزقة ودول في الصراع ويدفع الناس البسطاء حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم ثمنا له
غزل وهي تذرف دموعها على غرفة نومها وذكرياتها تبدأ حركة التشرد والنزوح بحثا عن الحياة والأمن دفاعا عن نيران العشق التي تنساب في خلاياها
ومع شراسة الحرب التي يشنها النظام على الشعب وتسلل الإرهاب المخطط له من أبواب الوطن ونوافذه المشرعة للأعداء لمواجهة مطالب الناس
تقول غزل :
فالناس خرجت من بداية الثورة للمطالبة بالحرية والتخلص من الاستبداد ولكن فوجئت بدخول أشخاص ومجموعات تمارس القتل على الهوية وتقوم بالاستيلاء على مؤسسات الدولة ومصانعها وتقوم بسرقتها وتوزيعها باعتبارها غنائم حرب , ولقد نسيت هذه المجموعات المسلحة ان هذه الاموال عائدة للشعب وان سرقتها سرقة لاموال الشعب
اصعب شئ في هذا العالم ان يتم طرد الانسان من بيته او صدر حبيبته
كنا نبحث عن مدن آمنة في عالم غير آمن هكذا كانت غزل تكتب في يومياتها عن الحرب المجنونة .
غزل الموزعة في مشاعرها وجموح رغباتها تفتح رسائل عشقها وتقول:
رسائلك طوال الليل كانت تعذبني لانني اعرف انك كنت تبحث عن مكان آمن تلجأ اليه, وكان صدري ملاذك وسر شهواتك وجنونك ,وفي حالات الخوف والقلق كنت تدفن وجهك بين النهدين وتترك لفمك ان يطارد الحلمتين حتى ترتوي ولكن الان من يحميك من الرصاص والقذائف التي تنهال عليكم مثل المطر ,كنت بحاجة ان اكون جانبك اضمد جرح روحك وامسح القلق من عينيك
وتزداد الظروف صعوبة بعد اعتقال حبيبها
وبدأت تسأل الاماكن والطرقات والذكريات عنه ولم تجده .كانت حالات الاعتقال قد شملت عشرات الاف الناس والتي تترافق مع القتل والتصفية الجسدية والاغتصاب في سجون النظام فقط لمعارضتهم السلطة وديكتاتورية الأسد ولعل في قصة أم حسن وحالة الاغتصاب لجسدها وروحها مثال صارخ لممارسة السلطة وديكتاتوريتها وحين صرخ زوجها احتجاجا على انتهاك جسدها امامه قتلوه بدم بارد
وبعد عدة أشهر من اعتقال سعيد وجدت نفسها امامه ودموع الفرح والرغبة واللهفة امتزجا برائحة الجسد
انها الحرب الملعونة القذرة التي تريد أن تدمر كل شئ
ولكن ارادة الانسان على التحدي أكبر , هكذا تقول كتب التاريخ واساطير البطولات
ورغم صعوبة العيش وانقطاع جميع مقومات الحياة كانت غزل تقاوم للدفاع عن انسانية الانسان بالعيش دفاعا عن الحب وعن الحرية
وحين فقدت عملها لم يكن امامها سوى الرحيل
وخاصة أن عمل حبيبها بالتعليم مع توقف المدارس وقسوة الظروف الاقتصادية والتزاماته الاسرية لم تترك لها خيار آخر
الأسئلة تطارد غزل
لااعرف كيف يودع العشاق اعمارهم وفرحهم وسر سعادتهم؟
هل الوداع حالة فراق أم حالة لقاء لزمن وعمر اخر ؟ هل الوداع للحظة الراهنة التي اعيشها او وداع اربعة عشر عاما مرت من عمري وعمرك وحياتي وحياتك؟
لحظة السفر توازي لحظة الموت فهل نؤجل هذا الموت ؟
ام نقترب منه أكثر ؟ كانت الطرق التي تبعدني اليك تجعلني أقرب الى حياتك وروحك المعذبة و المتشظية حد الهلاك
غزل وبعد عذاب الطريق الذي قطعته من حلب الى انقرة مرورا بابنة عمها في عفرين
كانت ذاكرتها مفتوحة على الماضي ولحظات الحب والشبق والجنون التي كانت تعيشها وتعيد بعض تفاصيلها وهي تشرب القهوة مع امها
حيث يلعب التداعي الداخلي دوره حين تقول: اه ياامي لو كنت تعرفين كيف كنت اشرب القهوة ومع من اشربها وكيف نحلق في افلاك وسماوات ومحيطات ونحن نشربها ,للقهوة طقوسها ومعابدها والهتها .وكل شخص يشرب القهوة بطريقته واسلوبه
في انقرة وبعد حالة الاسترخاء ورحيل التعب وامام وطأة الحياة وضرورة مساعدتهم في المصاريف وجدت نفسها عاملة في صالة للالبسة النسائية وكانت تعود منهكة تماما لتنام وهي تستعيد حياتها وذكرياتها في حلب وامام صعوبة العمل لمدة اثنتا عشر ساعة يوميا وجدت في الزواج فرصتها للخلاص الجسدي ولكن روحها مازالت متعلقة بالماضي وجنونه والذي يتسلل اليها مع تسلل صوته إليها عبر الهاتف
وبدأ العذاب ينهش روحها
وجسدها مع زيادة الفوارق بينها وبين زوجها في التفكير والوعي والإحساس والمشاعر
غزل وفي حالات كثيرة من العصبية والتشنج والخلافات المستمرة تتذكر كلام سعيد :
الزواج اكبر سجن عرفته البشرية ولابد أن تتخلص منه في يوم من الايام.
غزل تعود الى ذاكرتها المثقلة بالجراح والقصص المفتوحة لدى صديقات المشفى عن الحياة والحب والعشق والجنون
وتتابع رحلة حبيبها في الهجرة واللجوء الى اوربا من خلال رسائل الواتس حيث تقول:
لااعرف اين انت الان والى اين وصلت ؟ وكل الذي اعرفه ان المركب توغل بالبحر كما كنت تتوغل في جسدي وروحي وعمري, أحاول طوال الليل استعادة صوتك وصورتك وآخر كلمات كتبتها لي,بدات صورة البحر تلاحقني والعرق يتصبب مني ,والحيتان تنظر بعينها نحوي ,ورسائل غامضة تصلني وتشعرني أن خطرا حقيقيا يهدد حياتك هل ارسل لك عيني لترحل الى بر الامان؟. ام ارسل لك صدري لتنام عليه حتى تصل ,او ارسل لك جسدي لتدفن فيه اوجاعك وشهواتك وجنونك؟ كيف استطيع الان ان اضمك الى صدري واحميك من المجهول
هكذا كانت غزل تهذي ولم تكن تعرف الى أين وصل الآن سعيد
بهذه النهاية المفتوحة على كل الاحتمالات تنتهي رواية غزل