بسقوط الصاروخ الصيني المنفلت في منطقة آمنة فوق المحيط الهندي قرب جزر المالديف انتهت حالة الاستنفار الإعلامي والدعائي التي رافقت تتبع مسار هذا الصاروخ في رحلة العودة إلى الأرض.
ولا شك فإن خروج الصاروخ عن السيطرة، وبالتالي التحكم التام في موقع سقوطه يمثل مشكلة أمنية وفنية، على قطاع الفضاء الصيني أن يتصدى لها، لكن الملاحظة الأساسية في هذا الاستنفار الاعلامي والدعائي أنه استهدف “الجهد الصيني الفضائي”، ووضح أن أحد الاستهدافات لهذا الهلع هو زرع فكرة أن الصين ليست أهلا لارتياد الفضاء منفصلة ومستقلة عن دول الفضاء الأخرى. أي أن هذا ” الهلع جاء في إطار المواجهة الأمريكية / الصينية التي تتجلى في مشاهد عديدة أمنية واقتصادية وسياسية.
وحين يؤكد مدير ناسا الجديد، السيناتور “بيل نيلسون” في أول تصريح له بعد انتهاء هذا الاستنفار أن الصين ” فشلت بالالتزام بالمعايير الخاصة بالتعامل مع حطام الأجسام في الفضاء”، وأن عليها “عدم تعريض حياة البشر على الأرض للخطر جراء هذه البرامج الفضائية” فإنه يعزز الاعتقاد بأن وراء هذه المتابعة غير المسبوقة، وهذا الانتقاد، أهداف أخرى تندرج في نطاق المجابهة والتنافس بين البلدين
لقد سبق وسقطت محطة الفضاء الأمريكية “سكاي لاب” عام 1979 ووصلت أجزاء منها إلى منطقة مأهولة بالسكان في استراليا، وانفجر مكوك الفضاء الأمريكي تشالنجر بعيد اطلاقه في 28 يناير 1986، ما أسفر عن مصرع رواده السبعة، ورغم كارثية ما حدث لم توجه أصابع الاتهام إلى قدرات الولايات المتحدة الفضائية، وسقط العديد من الصواريخ الفضائية الأمريكية والروسية دون ان يرافق ذلك مثل هذه الضجة ، كذلك لم يتحدث أحد من المسؤولين الغربيين عن ضرورة الحفاظ على الحياة على الأرض وهم يشرعون التجارب النووية التي لا يخفى تأثيرها المدمر سواء جرت في جوف الأرض أو سطحها أم في عمق البحار أو في الفضاء، فقط حينما ظهر مثل هذا الخلل في البرنامج الفضائي الصيني ـ وهو خلل جزئي ـ ارتفعت الأصوات، وعلا الضجيج، وأُشيعت حالة من الترقب والقلق على المستوى الدولي.
وقد يكون مناسبا الإشارة هنا إلى أن توجه الصين إلى بناء محطة فضاء خاصة بها جاء في إطار بناء برنامج فضاء صيني بمختلف جوانبه، وبعد رفض الولايات المتحدة إشراكها في مشروع محطة الفضاء الدولية، وعملت على إبعادها عن هذا المجال بدعوى أن برنامج الفضاء الصيني سري وغير شفاف.
وجاء قرار الصين في بناء محطتها الخاصة التي ستكون جاهزة في العام القادم 2022 ليمثل تحديا لمحاولات واشنطن الهيمنة على هذا القطاع بعد قصورها عن احتكاره، إذ كانت روسيا سباقة من خلال بنائها محطة مير الفضائية التي بقيت تقوم بمهامها ما بين عامي .1986 / 2001، أي قبل بناء محطة الفضاء الدولية الراهنة والتي بنيت مستعينة بجهود وخبرة علماء الفضاء السوفييت الذين جذبتهم واشنطن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتوقف برامج الفضاء السوفييتية “، وعمدت الصين هذا العام إلى البدء في بناء محطتها الفضائية المأهولة والمتطورة ” تيناهي” بعد أن راكمت خبرات فضائية معتبرة حيث أطلقت الكثير من الأقمار الصناعية وأرسلت روادها إلى الفضاء كما أرسلت مركبة إلى المريخ، واحضرت من القمر صخورا. وأطلقت في العام 2011 محطتها الفضائية الصغيرة “تيان قونغ 1″، التي أنهت مهمتها العام 2016 بعد أن فقدت السيطرة عليها، ثم دخلت الغلاف الجوي واحترقت في العام 2018.
وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد أعلن العام الفائت عن إنشاء وحدة عسكرية خاصة بأمن الفضاء “تتولى الدفاع عن المصلحة الحيوية للولايات المتحدة وتتصدى للتهديد التي تمثله الصين في هذا القطاع”.
وقد يبدو مهما ان نستحضر أن بدء عمل محطة الفضاء الصينية المأهولة العام القادم يترافق مع وجود أزمة تمويل حقيقية في برنامج محطة الفضاء الدولية التي بلغ عمرها 21 عاما والتي تم تمديد عملها الى العام 2030
الضجة الإعلامية والدعائية في جوهرها جزء من جهود الولايات المتحدة في التصدي للصين، لكن يبدو أن واشنطن لم تستوعب بعد حقيقة أنها أمام حقبة جديدة من تطور المجتمع الدولي ، وإذ لم تستطع أن تتعامل معه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي من موقع الانفراد بالقرار والمسؤولية والسيطرة ، فإنه لم يعد بإمكانها أيضا التتعامل معه من موقع الهيمنية
والصدراة، وستكون ملزمة الى التعامل مع هذا الوضع الدولي الجديد من موقع المشاركة القبول بالتشاركية في كل المجالات والقطاعات قبل أن تفقد الفرصة لتحقيق ذلك، وفي هذا الوضع فإن الصين هي التحدي الرئيس
9 / 5 /