مرثيَّة لمقام الوردهْ

يوسف صياصنة

(ألقيت في الذكرى الأربعين لوفاة الدكتور جمال الأتاسي)

موحشٌ بعدكَ الحمى

دامعٌ بعدكَ القصبُ

أبَّنتُكَ سَوائحٌ

من عيون

بها نَصَبُ

يا حبيباً!!!

يحلُّ في كلّ

قلبٍ

وقلبُهُ

العربُ..

***

لا تجرح عطرَ

الوردَهْ..

السَّيد أوغَلَ

في الغَيْبةِ

يَستنهضُ أشياخَ الأُمَّةِ

يُعطيهم عهدَهْ..

هذا وقتُ الرُّؤْيا

ندخلُ أسجافَ

اللَيل

ونُعلي

في محرابِ القدس

السَّجْدةُ..

من يسألُ: كيفَ؟!!!

نقولُ: القاتلُ

يُقتلُ…

“والرَّدَّةُ

بالرَّدَّهْ..”

لا تحزنْ…

فالسَّيدُ أوصانا

أن نرفعَ عهدَ

الإنسانِ

ونُطلقَ

أطيارَ

الوحدةُ..

أحبابُ الشَّام

مآذِنُها

فرسانُ الحرفِ

وأهلُ السَّيفِ

من” الزَّلاقةِ”

حتى” ذي قار”

ضيوفٌ

في بستان القلبِ

يمين الخاصرةِ الثَكلى

للعاصي……

لو أدري..

من أعصى

في الحقِّ

من الآخرِ

لارتحتْ…

فالعاصي والعاصي

يمتدَّان

بأعراقِ الرُّوحِ

كما البلسمِ

ينطقُ شعراً

لو مسَّ جلالُهما-

التّمثالُ…

سيَّانَ

إذا كنتَ

بجفن العاصي

تأخذكَ الرُّؤيا،

أم ملاحاً

تَستهدي نجمَ الصُّبح

عشيقاً

يغفو مرتاحاً

في جفن جمال…

يا الغائب!!!

والحاضرُ

في عطرِ اللّوْزِ

وفي الكَبّادِ

أمْدُدْ كفّكَ

بايعناك على الحق،

نُجَدّدُ،

فالغيمُ

تجرَّعَ حزنكَ

بالتِّهطالُ..

لا تحزنْ

ما قلتَ؟!

يورَّثُ كالجوهرِ

للأجيال..

مَنْ يُصحي هذا النَّائم

كي يسقط

بين النَّاس

و يعطيهم

من عطر شمائلهِ

أنْفالْ..

ما شِختَ

وكلن لا أدري

من أشرعَ بابَ الرِّيحِ

لتطفئَ فانوسَ الأيامِ

بقلبكَ

كي تُرسلكَ الدُّنيا

للرُّوحِ المُبْدِع

مرسالْ..

قد كنَّا

حينَ تَحَارُ الدَّمعة

بينَ الجفن

وبينَ العين

نَجيءُ إليكْ..

وحينَ يضيقُ الصَّدرُ

بحزن اللَّوعَةِ

والبَيْن

نجيءُ إليكْ..

وحين يملُّ الصَّبْرُ

الفرقة بين اثنين

نجيءُ إليكْ..

وحينَ يطيرُ حمامُ القلبِ

ويَزْحَمُ أيكتَهُ

طُرَّاقُ الفَجْرِ

نجيءُ إليك..

وحين يُحاصرنا الخوفُ

ويدهمنا السَّيلُ

نجيءُ إليك..

وحينَ تضيقُ الأبوابُ

ويُطبقُ عتمُ اللَّيلِ

نجيءُ إليك…

وحينَ تسيلُ دماءٌ

حرَّمها اللهُ

على المؤمن

إلّا بالحقِّ

نجيءُ إليكْ…

***

توصينا بالأقربِ

فالأقربِ

فالأقربْ..

والأوْلى بالمُدْيَةِ

من يطلق صاروخاً

للرَّأس

بلا إنذارِ

ومن تسلعُ

-في جنح الليل-

كما العقرب..

ذاك المُتَجَبِّرُ

-في البيتِ الأبيض-

عَشَّاقاً

توصينا بالأقربِ

فالأقربِ

قد كنتَ النَّبعَ الصَّافي

في صحراءٍ تَمتَدُّ

من الأبْهَر

للأبهر

حتّى خلجان الأبيض

والأحمر

حتّى أحضان المغربِ

والمَنْدِبِ

تَروي المَغْلولَ

اللائبَ كأساً

حَلتْهُ الحكمة

بالسُّكَّر

يالظّامىءُ!!!

والنَّهرُ أمامَكَ

لا تشربُ قبلَ الطَّيْرْ..

ولا تَسقي بُستانَكَ

من نبع الغيرْ..

في الحَضْرَةِ

تسقينا

من فنجانكَ

صفواً

نَسقيهِ لمنْ ساروا

كالسَّيفِ العَاري

في رمضاء الحقِّ

فصاروا

جُنْدَهُ..

من بابكَ فتنا

في سرِّ النَّجْوى

ندعو بلقيس

تقصُّ شريط الحُلم

وتُغلقُ بابَ الرِّدَة..

في حمصَ أتَذكْرُ

كيفَ وقفنا

نقرأ فاتحة الأشياء

ونوصيكَ

بحلِّ الأكفان

وتسأل السَّائل

من أنت؟!!!

وعن حال الأُمَّةِ

من بابِ الخُلدِ

المُشْرَع للأحبابِ

رأيتُ الدَّمعة

في عينيكَ

تَشُقُّ الوردةَ

تنسابُ

كمشكاةِ العرَّافِ

تُبدِّدُ وجهَ الظُلمةِ

من بابِ الحزن

رأيتُ الباكينَ اليُثمَ

ودمعَ الباكين

بلا دمعهْ..

من لا يبكيكَ؟!!!

ليسألَ أهلَ الذكْر

ويَستفتي- في دير الرُّهبان-

الشَّمْعَهْ..

ما خنتَ الأحبابَ

ولا فرَّطْتَ

بليل الحاطبِ بالأهل

وبالسُّمْعهْ..

يا قسَّا!!!

أخطأهُ المحرابُ

فشَقَّ

فجاجَ المعمورةِ

بيْعَهْ..

كان الأرْهَفَ

والأنْحَفَ

والأعْلمَ

والأحْلمَ

والأعْنَفْ..

لا يَظلِمُ

بل يُظلمُ

كانَ

الأحْنَفْ

في الدَّربِ

يشيلُ عن الخَلق

الأحمالَ

ويوصيهمْ

بالأضعفِ

فالأضعفْ..

من يحملُ عنهُ السَّيْفَ

المكسورَ ببابِ القَلبِ

ويُبدلهُ

بالأثقفْ؟!!!..

من يركبُ ظهرَ الرِّيح

إذا هبَّت من قانا؟!!

من يحملُ شوقَ المَجْدِل للرَّامَة؟!!!..

من يستقصي أخبارَ الرُّوح

المشروخَةِ

في جزر العربِ العشرين

المفتونينَ بقسمتهم

ويدينُ الكَفِّ القسَّامَه؟!!!..

يا طيرَ الياقوتِ الآتي

من فجر الأنسابِ

أستفتي ريشَكَ

رمل”الرّبْع الخالي”

مزرابِ الزَّيتِ المَقلوتِ

إلى الآخر

من بطن الأرض

إلى ياقاتِ مصانعهمْ

هل” بيكو “

رواية المُتَنَبِّي؟!!!

أم رسَّامٌ

للوحيِّ المُنْزلِ

يُعلنُ من قصر السُّلطان

خرائط موتانا

أم”بوذيٌّ”

حاورَه النِّفطُ

فأعلنَ

إسلاَمهْ؟!!!!..

يا طيرَ الياقوتِ

النَّارنجُ ببرِّ الشَّام

يعيدُ قراءَةَ

أشعار النَّرجس

“خَدْقَ” نوافير النِّيل

قراءةَ زخرفةِ

الأبوابِ

“اليُوكَ”

الموقدَ

والحَطبَ

المقطوعَ

من الأطرافِ

العليا

والسُّفلى

والبردَ السَّاكنَ

في أقدام”الشَّكْعَة”

وابن”رواحة”

و”الرِّبَذه”..

من يعطينا

في هذا القرن

الموشوم بقتل الأطفال

الرُّضَّع- عمَّنْ خطَّ

خرائطنا فوق الرَّمل

بإصبعهِ

نُبذة؟!!!

هل مات” لنرحمهُ؟!!!

أم لا زالَ

يُعيدُ القسمة

فينا بالسِّكين

ويرمينا للطَّير الجَارح

فِلْذه؟!!!..

هل صارَ الرَّبَّ

يُقسِّمُ أطيانَ المعبدِ

بينَ الطُّرَّاق

وينسى عبَّاد اللَّيل

بلا دير يؤويهم

من برد الغُربَةِ؟ّ!!!

أو محرابٍ

يجمعهم- إن جُنَّتْ

أشواقُ الزَّاهدِ

بالصُّحْبَةِ-

من خَطَّ حدودَ ممالكنا

في الرَّملِ- بإصبعِهِ

يرضعُ- من ثدي البَارجة الكُبرى-

التّرياقَ

ويستأنسُ بالصَّاروخ

الطَّازَج

يرحلُ قبلَ الفجر

إلى بغدادَ

يُقبَلُ وجنتها

يوقظها من نومٍ

ما اعتادتْهُ

يَسقي أجداثَ عمائرها

يزرعُ أشتالَ الموتِ الغَضِّ

كدمعةِ دوريِّ

حاصرهُ القرُّ

ولا يدري

من أغلقَ

شبَّاكَ النَّخلةِ

يبحثُ في أحياء الكَرخ

الكوفة

في رحم العاقر عن طفلٍ

ما عرفَ الثديَ

ولا الجُمَّارُ..

من

يبحثُ

للطِّفلِ

القادم

عن ماءٍ عذبٍ

عن ثدي ما نَشَّفَ

عن عكَّازين

وعن مسمارْ؟!!..

كي يفقأ عينَ القاتِل

والخَاتِل

والصَّامتِ

والشَّامتِ

والمبطنِ

والمُظهرِ

والسِّمسارْ..

من يرفعُ

عن بغدادَ العارْ؟!!!

لو كانت تدري

أنَّا

ما أبَّنَّا أطفال الكَرْخِ

لثارتْ بلقيسُ

وردَّتْ أشعار َنزارْ..

من يكسرُ أطواقَ العُزلةِ

عن شَعْبِ

يشربُ كأسَ الموتِ

الأحمرِ

ليل

نهار؟!!!..

يا جسرَ الحَقِّ

نُعيدُ قراءةَ رؤياكَ

كلاماً تورقُ فيه النَّارُ..

وتخضرُّ الصَّحراءُ

ويمشي عَرَّافاً

في شريان اللَّحن

المزمارْ..

أقصُصْ عن علم

الآتي…

واجرح بالقصِّ الصَّادق

خذَّ الوردِ

وقلِّمْ

أشواكَ

الأزهارْ..

ما بعد السّلمِ؟!!!

يبينُ

بخارطةِ العرَّافِ

جَرادٌ

يأكلُ قوتَ النَّاس

اليابس

والأخضرْ..

لا يدري قارٌ

أم مَرْمَرْ..

تذروها

ريحٌ

صَرْصَرْ..

ذَرْذَرَةٌ

للكُلِّ

وللجزءِ

تَذوبُ بزقِّ العطشانِ

كما السُّكَّرِ

نشربُها

من جامِ العَرَّافِ

ببابِ الصُّبحِ

ولا نسكرْ..

الغائبُ

يسألُ:

كيفَ تركتَ الشَّامَ؟!!!

نقولُ: بعتمِ الرُّؤيا

فينيقُ العربِ

الآتينَ

من الآتي

لا نبكيهِ

بل

نعزفُ ما قال

بمزمار الفجرِ

فتهمي غيثاً عشتارْ..

تأتيهِ

بفيضِ أمومتها

حاملة دجلة،

مفتاحَ الصُّبحِ،

وصدقَ أبي ذرٍّ،

والغَارْ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى