هي رحلة سريعة في عالم ميشيل كيلو الغني المتعدد المجالات والأنشطة والمبادرات، فهو الصحفي ’المترجم ’المفكر السياسي ، المناضل الشجاع ، الذي جمع في شخصه مزايا السياسي الجسور, و مزايا المفكر والرؤيوي ,وقليلا ما تجتمع هاتان الصفتان في مناضل واحد. في /1979 / كنت طالبا في جامعة حلب حين تعرفت للمرة الأولى على صوتي الراحلين ميشيل كيلو، وممدوح عدوان، ومثقفين ومفكرين آخرين، في حديثهم العلني أمام أهل الحكم والجبهة الوطنية التقدمية، تعرفت وجيلي عليهم من خلال شريط كاسيت، نسخه وتداوله وتناقله الطلاب المهتمون بالشأن العام بمحبة واعجاب وحماس. كان ميشيل ورفاقه في ذلك اليوم وذلك الموقف شجعانا وعميقين، وكانوا واضحين في تحليلهم وتشريحهم ورفضهم لبنية وطبيعة وسياسة نظام الحزب الواحد وما يمارسه من قمع واستبداد وفساد وافساد وتمزيق للوحدة الوطنية. كان تبني شعار الديمقراطية البرجوازية جرأة فكرية نادرة في ذلك الزمان، زمن هيمنة ايديولوجيا الديمقراطية الشعبية حسب الفهم الشيوعي الستاليني السائد يومها، وبنسختها الاشتراكية المتأخرة في بلدان العالم الأخير.
التقيت به لاحقا حوالي العام /1998/ وما بعدها، عدة مرات كضيوف في مكتب الأستاذ حسن عبد العظيم. وكان صاحب رأي نقدي جريء وغير مجامل، ليس في نقد السلطة والنظام السياسي الحاكم فقط، ولكن في نقد المعارضة أو “المعارضات” وأفكارها واحزابها، وحساسياتها فيما بينها، وتضخم ذواتها الحزبية والعقائدية، وضعف روحها التحالفية، لذلك كان لا حقا واحدا من مؤسسي لجان احياء المجتمع المدني، ثم اعلان دمشق، وغيرها من المبادرات بعد الانفجار الشعبي /2011/. بكل مالها وما عليها.
وكان اعتقالنا معا نحن الأشخاص العشرة الذين وقعنا على اعلان بيروت – دمشق، دمشق -بيروت، في/ 5/5/2006/ في سجن عدرا محطة جديدة للتعارف بيننا، والتعرف على ما تكتنزه روحه من قيم المحبة والوطنية والإنسانية.
بعد الانفجار السوري الكبير /2011/ رغب ميشيل كغيره من محبي سوريا بدفع الأمور نحو تسوية سياسية سلمية مع اهل الحكم، و لكن للأسف اختار النظام الحل الأمني والعسكري منذ البداية لمواجهة الحراك الشعبي الذي بدأ سلميا واصلاحيا، ولكن بعد ذلك ساد العنف والعنف المضاد والطائفية والطائفية المضادة، وتعددت التدخلات الخارجية فعقدت المشهد، وضاعت الرؤية الصاحية عن الجميع، وتحول الصراع من مستوى سوري – سوري الى حروب وصراعات إقليمية ودولية تتخذ السوريين أدوات، وتتخذ من سوريا ساحة ومسرحا، ميشيل كغيره من رموز المعارضة كانت له مقاربات صائبة ومقاربات خاطئة ,عصفت به كما بالبلاد كلها عواصف السياسات الدولية المضادة غالبا لمصلحتنا بالتغيير الديمقراطي ,لكن وصيته الأخيرة للسوريين بأن تكون الدولة الوطنية السورية دولة الكل الاجتماعي ,هي البدوة الأولى والأسبق والأهم عندهم, وأن تكون سوريا لكل أبنائها دون تمييز , وأن نقرأ مصالحنا الشخصية والحزبية والعقائدية بدلالة المصلحة الوطنية لا العكس ,كانت تلك الوصية مسك الختام الذي نثره فقيدنا العزيز قبل رحيله المحزن , لعل هذه الوصية تكشف عن رغبته بإجراء نقد جذري ومراجعة شاملة للتجربة الشخصية ,والتجربة العامة ,هل كان سيوضح مقولته: ” لقد ضحك علينا الأمريكان “؟ هل كان بصدد كلام أخير عن السلاح والإسلام الجهادي؟ ,لو امتد به العمر. علينا واجب اكمال تلك المهمة المحورية , فثورة لا ترى وتعالج اخطاءها هي لابد متحولة الى ثورة مضادة .
تأبين أبو ايهم فرصة لتأبين أحبة اخرين غادروا دنيانا بالوقت نفسه. الأحباء تيسير الحاج حسين وحبيب عيسى, رحيلكم موجع يا أبناء سوريا الاوفياء لقيم الخير والحق والعدل والمواطنة، أنتم منارات لا ينطفئ ضياؤها.لأرواحكم السلام ولذكراكم العطر.