في ذكرى احتلال الأحواز العربية

أحمد مظهر سعدو

لحظة خرج الرئيس الإيراني “روحاني” منسحباً من مؤتمر القمة الإسلامي (منذ سنوات) ومعترضاً على إدانة حزب الله، وتصنيفه إرهابياً، كانت قلوب السوريين والأحوازيين، وكذلك العرب والمسلمين الذين يرون باعتداء ايران وميليشياتها على الشعب السوري، والاعتداء اليومي على شعب الأحواز المحتل من قبل ايران، عملا مداناً وارهابياً، فقد أثلجت هذه المواقف للقمة صدر الشعوب المقهورة، ووضعت الأمر عمليا بيد أهله، اذ لم يعد مقبولا ولا معقولا أن يستمر الاعتداء على الشعبين السوري والأحوازي دون موقف واضح، من أهل القمة الإسلامية أو العربية القادمة.. ولأننا اليوم نمر في ذكرى تاريخية مؤلمة لشعوب المنطقة، وهي احتلال أرض الأحواز العربية من قبل ملالي إيران، فانه يجدر بنا التذكير بجذر المسألة ومآلاتها المستقبلية، حيث الربط بين الثورتين السورية والأحوازية أصبح من الأهمية بمكان، لأن العدو واحد، والانتصار عليه انتصار في كل المسارات واضعاف له على جميع الأصعدة.

فيوم انتصف العرب من العجم، ذاك اليوم ظل يوماً معيقاً للفكر الفارسي المهيمن، كما ظل كابوساً غير قابل للانفكاك عن مخيال العقل الباطن لأهل بلاد فارس، قديماً ثم حديثا.. حيث بقي هذا الهاجس يقض مضجع الحكم وأهل الحكم في طهران ، وهذه الهزيمة التي مني بها الفرس من “ذي قار” الى “القادسية” أبقت حلم الإمبراطورية العظمى لـ “كسرى انو شروان” ومن جاء بعده، مجرد أضغاث أحلام، وهم الذين راحوا يركبون صهوة الدين، ليزاوجوا بين السياسة والدين، وليكون الحكم الصفوي، والدولة الصفوية هي الدولة الدينية القومية الشوفينية في نفس الآن، وليكون امتشاق صهوة التشيع، مجرد طريق وأداة، وصولاً الى عودة ذاك المشروع القديم/الحديث الذي لم يبرح العقل الإيراني فيما بعد، حتى بعد انتصار ما سمي بثورة الشعوب في إيران، على شاه إيران، دون إمكانية العودة إلى حالة الإسلام/الدين المسامح والشريعة السمحة، بل ظلت البغضاء الثاوية في مخيال الكيان الفارسي ، دولة الملالي ، وسلطة الفقيه، الذي يلجم بسطوته اللاهوتية، كل تطلع حرياتي نحو الاستقلال لعرب الأحواز، أم سواهم من الشعوب التي تحكمها طهران، بل تحكمها أقلية فارسية ممسكة بزمام الحكم ومتحكمة بالبلاد والعباد.

اليوم وبينما تمر علينا ذكرى احتلال (الأحواز) هذا البلد العربي، الذي يتم جغرافيا الخليج العربي من الطرف الآخر، ويحيط بالعراق كالسوار بالمعصم. الأحواز الذي تحتله إيران هو بلد عربي غارق بالتاريخ منذ ما قبل الميلاد/ 400/سنة قبل الميلاد، ومنذ الإمبراطورية العيلامية، ثم ابان الإسلام وما بعده، وصولاً الى الاحتلال التام من قبل الإيرانيين عام / 1925/ بمؤامرة واضحة بين الشاه والتاج البريطاني.

95 عاماً والأحواز العربية محتلة، من دولة استعمارية اسمها إيران، حيث تم تغيير تسميتها من الأحواز الى (خوزستان) على يد (رضا شاه) بعد احتلالها عام /1925/، من خلال خدعة أدت لاعتقال أميرها (خزعل الكعبي) حيث قام الشاه باحتلال الأحواز، مع حملة إبادة لشعبها بدأت بمذابح هائلة. كما عانى شعبها من الإيرانيين ألوانا وأصنافا شتى من العذاب والقهر والاضطهاد.

استمرت سياسة التوحش الإيراني حتى وقتنا الحاضر، وبشكل أكبر، مع وصول سلطة الملالي الى سدة الحكم في طهران، حيث راحوا يهجرون شعب الأحواز من مناطقهم ويستبدلونهم بآخرين من الفرس، لأن مناطق العرب الأحواز يقع بين ظهرانيهم النفط في معظمه. فقد تم توطين الفرس مكان العرب، كما عملوا على تغيير المسميات العربية للشوارع، والمناطق الأحوازية الى مسميات إيرانية، ومنعوا تعلم اللغة العربية، مع إجبار الناس على تعلم الفارسية، ويمنع الشعب الأحوازي من ارتداء الملابس العربية، والعقال العربي، ويمنعوهم من تسمية أطفالهم بالأسماء العربية، ويصادرون المياه الأحوازية ويستجرونها الى مدن فارسية.

الأحواز التي تبلغ مساحتها (375) ألف كيلو متر مربع، يتركها جوارها العربي غارقة في دمائها ونهب ثرواتها، ومحو هويتها، ولجم صوت الحرية فيها، والكيان الإيراني يمارس شتى أنواع التعذيب والقتل والسجن والاعدام بحق شعب الأحواز أو من تسول له نفسه أن يشارك في نشاط ما من أجل نيل الاستقلال عن دولة الاحتلال الإيراني.

ويوم فكر الشعب الأحوازي القيام بثورته وانتفاضته انقض عليه الحرس الثوري الإيراني وقوات (البسيج) فقتلوا منه العشرات، حيث انتفض الشعب العربي الأحوازي عدة مرات ضد المحتل الإيراني، منذ /1928/ حيث سيطر الأحوازيون على الإقليم لستة أشهر بقيادة الشيخ محيي الدين الزئبق، وتوالت الانتفاضات في عقد الثمانينات من القرن الفائت. فقوبلت بالعنف المفرط، والقتل والتشريد والاعتقال، ولا تزال سجون إيران تغص بالعرب الأحوازيين الذين وقفوا في مواجهة الاحتلال الإيراني البغيض.

الأحواز اليوم المتحفزة لثورة مباركة جديدة تواكب الثورة السورية، وتتساوق معها ضد عدو مشترك واحد، الأحواز هذه، يُحرم أهلها من شغل الوظائف العامة، ونيل الدرجات العليا، ويتم اهمال مناطقهم اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، رغم اكتناز مناطقهم بالثروات، فيها كميات كبيرة من النفط، تصدر إيران من حقول الأحواز خمسة ملايين برميل نفط، إضافة الى البتروكيماويات، والأرض الزراعية الخصبة، وفيها أكبر موانئ إيران لتصدير النفط عبر الخليج العربي.

حدود الأحواز مع العراق تبلغ/500/ كليو متر، ولها حدود على الخليج العربي تقدر ب /900/ كيلو متر.

واليوم وبينما تتحرك قوى سياسية وطنية عدة في الأحواز وتتلاقى جميعا لتحصيل حقها في تقرير المصير والاستقلال عن الاحتلال الفارسي، وحيث تتشابك الثورة الأحوازية بمسارات الثورة السورية، وتلتقي معها في أكثر من ساحة، وفي مجمل حالات الحراك الاستراتيجي، كان لابد من تعاون مباشر بين كلا الثورتين وصولاً الى انتصار سياسي وميداني على هذا العدو الاحتلالي الكولونيالي، الذي يدخل اليوم الأرض السورية بقوات عدوانية كبيرة، ويُقاتل ويُقتل على أيدي ثوار سورية، في كل أنحاء سورية ..من هنا كان لا بد من تعاون ميداني وبدعم عربي خليجي واضح، لأن الخطر الإيراني لم يعد تصورات سياسية فقط، بل أضحى حالة موجودة على الأرض تهدد دول الخليج قاطبة، وليس فقط الأحواز أو العراق أو سورية .. الخطر الإيراني ماثل أمام الجميع، ويتطاول على مجمل الساحة العربية والمنطقة برمتها، ونحو تركيا أيضا، فالمشروع الإيراني الملالي الكولونيالي يطال المنطقة كلها، دون استثناء، خاصة بعد ان انكشف ذاك الدور، المُدّعي مقارعة الصهيونية، وتحرير فلسطين، أو تحرير الأراضي العربية المحتلة. حيث أثبت الزمن، والثورة السورية كذلك-الثورة الكاشفة -أن الممانعين المقاومين صاروا كذبة كبرى، ولم يعد بالإمكان أن تنطلي على أحد، ولم يعد من أحد يصدقها إذا كان ذو عقل أو تفكير.

في ذكرى احتلال الأحواز لابد من الاشتغال على وحدة المسار، بين ثورة الشعب السوري، والأحوازي، كما لابد من صحوة عربية خليجية، على خطر إيراني سياسي محدق بالجميع، بلا استثناء، ولابد من الاشتغال سياسياً ايضاً، لقبول الأحواز في كل المحافل الدولية والاقليمية كدولة محتلة من قبل الايرانيين، والعمل في اطار تصفية الاستعمار، حسب الأمم المتحدة، فمن حق الشعب الأحوازي المطالبة بالاستقلال، ومن حق الشعب السوري المطالبة بالحرية والكرامة، والاستقلال عن هيمنة الدولة الإيرانية الطائفية، الغارقة في تنفيذ مشروعها الفارسي في المنطقة، وللمنطقة. ويبدو أن العرب قد أفاقوا مؤخرا من ثباتهم، ووعوا أهمية وضرورة التصدي للخطر الإيراني الماثل والشاخص أمام الجميع.

المصدر: مدى سورية                                                        

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى