أصدر النظام السوري مرسومًا تشريعيا يقضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 22 مارس (آذار) 2020. كإجراء احترازي لتخفيف اكتظاظ السجون السورية بالسجناء، في الوقت الذي يشهد فيه تسارعا في القرارات الحكومية الاحترازية لمواجهة تفشي فيروس كورونا، رغم مواصلة وزارة الصحة بدمشق تأكيدها عدم تسجيل أي إصابة بالفيروس الجديد لغاية يوم أمس الأحد.
ووسع مرسوم العفو العام، أمس، درجة العفو عن بعض العقوبات التي لم تكن مشمولة في المراسيم السابقة، مع إلغاء بعض الشروط، وذلك حسب نوع ودرجة الجرائم المرتكبة. كما اشتمل المرسوم على الاستثناءات غير المشمولة بالعفو، وعلى شروط محددة وواضحة للاستفادة من أحكامه.
ويرى حقوقيون سوريون أن من سيستفيد من المرسوم هم المدانون في قضايا جنائية مثل تجار المخدرات والمهربين ومزوري الأوراق الرسمية، أو المدانون بجرائم أقل مثل أصحاب مخالفات السير والمتخلفين عن العمل، وأنه لن يطال المعارضين للنظام إذ في الغالب توجه للمعتقلين منهم ثلاث تهم دفعة واحدة، بحسب ما أورد المحامي السوري ميشال شماس على مواقع التواصل أمس.
من جانبه صرح وزير الإعلام، أن فيروس كورونا «ليس مزحة»، مطالبا وسائل التواصل الاجتماعي بالتكاتف مع الإعلام في المرحلة الراهنة، بينما فضحت فيديوهات مسربة رداءة مراكز الحجر الصحي التي خصصتها الحكومة للمشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا. فبعد فضيحة مركز الحجر الصحي في الدوير المفتقر لأبسط شروط الحياة العادية، جاءت فضيحة المركز الذي افتتح في فندق مطار دمشق الدولي، حيث أظهر فيديو قاعة مزودة بأسرة معدنية بدون شراشف فوقها، وتتوزع حقائب الملابس على الأرض. كما أظهر الفيديو أحد المحتجزين وهو يقول: جاءوا بنا من السيئ (مركز الدوير) إلى الأسوأ (فندق المطار)، مؤكدا أن هناك خمسين شخصا في الغرفة ولا توجد أغطية تقيهم من البرد.
وسيطرت حالة من الذعر والغموض على الشارع السوري، مساء يوم أول من أمس، بعد إصدار الحكومة قرارا بإغلاق الأسواق والمحلات التجارية باستثناء الأفران والمخابز ومحلات الأغذية والصيدليات. وبينما أغلقت الأسواق في مختلف المحافظات السورية مع حلول أول ساعات المساء، وتسيير دوريات شرطة لضمان تنفيذ القرار، فتحت أسواق دمشق محلاتها وبقي الازدحام فيها حتى ساعة متأخرة من ليل السبت – الأحد، وبدا المشهد أقرب إلى يوم وقفة العيد مع فارق هيمنة الرعب على الوجوه. أحد سكان العاصمة وكان في سوق الميدان الشعبي يتسوق ما أمكنه من مؤن للحجر الصحي، قال: «لغاية الآن لا نستطيع تقدير حجم الخطر، الحكومة تقول لا توجد إصابات بالكورونا، وفي الوقت نفسه تلزمنا بالبقاء في البيوت وتشل الحركة في البلاد». ويضيف أن الذعر الأكبر لدى الناس ليس الإصابة، وإنما «الجوع الذي سيتسبب به الحجر الصحي على الغالبية العظمى من السوريين، فقراء معظمهم يعمل بقوت يومه وإذا لم يعمل سيموت، والحكومة لم تعلن لغاية الآن عن خطة واضحة لمواجهة هذا الخطر ولا ما ستؤول إليه الأوضاع بعد تطبيق الحجر».
الحقوقي عصام التكروري تحدث في برنامج (المختار) على إذاعة المدينة إف إم، عن (تحدي الأمعاء الخاوية) الذي سينجم عن الحجر الصحي في سوريا، وقال: «لقد تبين بعد أسبوع من تلك الإجراءات المفصلية أن ما بات يدفع شريحة من الناس للخروج من بيوتهم، لم يعد «الاستهتار»، وإنما الحاجة للعمل بشكل مضاعف من أجل الحصول على الطعام الذي تزايدت أسعاره خلال أسبوع واحد لتصبح أكثر رعبا من فيروس كورونا».
والتكروري سبق واتهم الشعب السوري في البرنامج ذاته قبل يومين، بـ«الاستهتار» حيال خطر الوباء العالمي فيما تبدي الحكومة «جدية» كبيرة، ودعا إلى تشكيل خلية أزمة لمواجهة تداعيات انتشار كورونا وقال بأن عدم تسجيل إصابات لا يعني عدم وجوده وتفشيه في سوريا.
وخلت، يوم أمس الأحد، معظم أسواق دمشق كالحميدية والصالحية والحمرا والجسر الأبيض والطلياني وأسواق مشروع دمر، من المشترين، بينما امتدت طوابير أمام الأفران إلى مسافات طويلة. كما اكتظت الصيدليات، ولوحظ ازدحام غير اعتيادي في سوق الهال (سوق الخضار والفواكه والأغذية المركزي) في العباسيين وسط حالة من الوجوم العام، جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمعقمات والأدوية ولوازم الوقاية الصحية بشكل جنوني. كما شوهدت فرق البلديات تقوم برش المعقمات في الشوارع الرئيسية وأماكن الاكتظاظ، إضافة لانتشار فرق متطوعين من المنظمات الأهلية توزع في بعض المناطق مساعدات غذائية وطبية، في ظل تواصل صدور القرارات والتعاميم الحكومية لاستكمال الإجراءات الاحترازية، فتم أمس، إيقاف باصات النقل الداخلي في محافظات حلب وحمص واللاذقية وطرطوس، حتى إشعار آخر. كما أكدت وزارة النقل أن الرحلة الجوية من موسكو إلى دمشق، يوم أمس الأحد، هي آخر رحلة بعد أن تم وقف الطيران من وإلى سوريا. فيما أهابت وزارة المالية بدمشق بالمواطنين عدم الازدحام على الصرافات أمام المصارف، فمن المؤكد أنها ستبقى تعمل من الساعة السابعة صباحا وحتى الساعة الثانية عشرة ليلا.
المصدر: الشرق الأوسط