لا يوجد أمام النظام السوري الذي فشل حتى الآن في تغيير موقف الاتحاد الأوروبي الموّحد الرافض للتطبيع معه قبل تقدم المسار السياسي، غير استثمار علاقاته السابقة ببعض الدول الأوروبية، معولاً على عدم وجود سياسة موحدة للدول الأعضاء، لدفع الاتحاد لإجراء مراجعة بموقفه من الملف السوري.
إذ كشفت الأيام الأخيرة، عن مقاربة جديدة يتبعها النظام السوري، لاختراق الموقف الأوروبي، من خلال الطلب من بعض الدول الأوروبية بينها النمسا ورومانيا وإيطاليا واليونان، فتح حوار معه، لتجنب اتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية ضده.
جاء ذلك في رسالة خطية أرسلها المقداد في منتصف آذار/مارس 2021، قبيل انعقاد مؤتمر بروكسل، إلى وزراء خارجية تلك الدول، دعاهم فيها إلى “منع اتخاذ أي مواقف جديدة ضمن إطار الاتحاد الأوروبي، لأنها تشكل عائقاً أمام الحوار المنشود، والعودة الطوعية والآمنة للاجئين، في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي”، بحسب ما جاء في نص الرسالة.
وقال مصدر خاص على صلة بالحكومة الرومانية، ل”المدن”، إنه سبقت هذه الرسالة، تحركات دبلوماسية من جانب النظام في عدد من الدول الأوروبية، أثمرت عن توقيع اتفاقيات بروتوكولية في شأن التعليم والصحة والتجارة، مع النمسا وهنغاريا، والتعليم والصحة مع رومانيا.
وقلّل المصدر من تأثير هذه الاتفاقيات، لأنها جاءت خارج نطاق أو موافقة الاتحاد الأوروبي، وقال: “لا زال الاتحاد الأوروبي مثابراً على موقفه من التطبيع والحوار مع نظام الأسد”، ويأتي رفض الاتحاد الأوروبي لدعوة المقداد، وإن كان بطريقة غير مباشرة، ليؤكد ثبات الموقف الأوروبي الموحد، وفق المصدر ذاته.
ويرى المحلل السياسي والخبير بالسياسات الأوروبية أسامة بشير أن الاتحاد الأوروبي لا يزال متشدداً في موقفه من النظام، بحيث يرفض الاتحاد الحوار مع النظام، من باب إعادة اللاجئين السوريين، أو من أبواب أخرى.
ورداً على سؤال عن سبب اختيار المقداد لدول محددة، يقول بشير ل”المدن”، إن “النظام اختار الدول التي لم تقطع علاقاتها معه بشكل كامل، أو التي لها مواقف ليّنة منه، ليقول إن هناك دولاً أوروبية لا زالت تعقد الاتفاقيات معه”، ويضيف “حتى لو فتحت هذه الدول حواراً مع النظام، فذلك لا يعني شيئاً، لأنها دول ضعيفة القرار في الاتحاد الأوروبي”.
وفي السياق ذاته، يقول عضو البرلمان الألماني السابق جمال قارصلي ل”المدن”، إن تحركات النظام الدبلوماسية نحو دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، لا تشكل ثقلاً سياسياً، “هي بالون اختبار لاكتشاف مواقف الدول الأوروبية المؤثرة، من الملف السوري”.
ويرى قارصلي أن النظام يحاول معرفة مدى تأثر سياسات أوروبا في المنطقة، بعد تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لقرار البيت الأبيض، الإدارة التي تتعاطى بشكل جديد مع العديد من ملفات الشرق الأوسط. وليس مستحيلاً من وجهة نظر قارصلي، أن ينجح النظام في اختراق مواقف عدد من الدول الأعضاء، مشيراً إلى عدم وجود بنية صلبة للسياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي يضم 28 دولة.
لكن ذلك، لا يعني أن هناك تغيراً في الموقف الأوروبي الموحد تجاه النظام السوري، بحيث لا زالت هناك محددات واضحة وشروط يجب على النظام الالتزام بها، وفي مقدمتها تقديم تنازلات للحل السياسي، كما يؤكد قارصلي، ويضيف: “لا يستطيع أي طرف باستثناء روسيا، تحمل عبء النظام وخصوصاً من الناحية الأخلاقية”.
ولم يستغرب قارصلي أن لا يأتي أي رد على رسالة المقداد حتى من الدول الأوروبية التي تربطها علاقات معه، مثل رومانيا وهنغاريا، لأن جرائم النظام والأدلة الموثقة بحوزة الدول على ارتكابه إياها، تجعل التطبيع معه بمثابة المجازفة الأخلاقية.
وفي منتصف آذار/مارس، أعرب أعضاء في البرلمان الأوروبي عن قلقهم إزاء استمرار المأزق السياسي في سوريا، وعدم إحراز تقدم في إيجاد حل سياسي، معتبرين أن الانتخابات الرئاسية التي يخطط النظام لها “تفتقر للمصداقية في نظر المجتمع الدولي”.
المصدر: المدن