قراءة في كتاب: مآسي حلب – ١من ٥   الثورة المغدورة ورسائل المحاصرين

أحمد العربي

محمد أبي سمرا وصبر درويش كاتبين متابعين للشأن السوري وخاصة ما بعد الثورة السورية. حيث قرأت كتاب محمد أبي سمرا موت الأبد السوري وكتبت عنه. كذلك كتاب صبر درويش تحية الى حماة وكتبت عنه أيضا. كذلك الكتاب المشترك من اعدادهما مآسي حلب… وكلها كتب ذات طابع توثيقي ميداني في الشأن السوري. مهمة للحفاظ على الذاكرة والتوثيق وليكون شهادة على ما حصل في سورية في سنوات ثورتها على كافة الصعد.

مآسي حلب… كتاب توثيقي ميداني بامتياز. حيث يكتفي المعدان بتدوين المادة التي كتبها ناشطين في قلب الحدث في مدينة حلب وريفها، إبان السنوات الأولى للثورة السورية منذ آذار ٢٠١١م. حتى أواسط ٢٠١٥م.

يبدأ الكتاب من مقدمة يستعرض فيها المعدّان واقع تأخر إلتحاق مدينة حلب في الثورة السورية، وكيف انخرطت بعد ذلك بالثورة. و التأثير القوي للريف وطلاب جامعة حلب في بداية التظاهر، ومن ثم الانتقال الى بقية أحياء حلب الاكثر فقرا وشعبية في قسمها الشرقي. وكيف تطورت التفاعلات وعنف النظام وتوسع التظاهر، لتنقسم حلب الى قسم شرقي محرر وقسم غربي تحت سيطرة النظام، وليدخلوا في متتاليات العمل العسكري وتداعيات التحرير على حلب الشرقية، وعنف النظام والحصار والتدمير والقصف والتشريد، كل ذلك سيتحدث عنه ناشطون من قلب الحدث بكل تفاصيله شهادات وثّقها المعدّان.

  • حلب بين الجامعة والريف.

تم الحديث عن حلب وخصوصيتها التاريخية. فهي عريقة عراقة دمشق، كما انها العاصمة الاقتصادية لسورية. وسكانها الذين يصل تعدادهم في الريف والمدينة الى ما يزيد عن الخمسة ملايين انسان.

إن استجابة حلب لما حصل في درعا واعتقال الأطفال الذين كتبوا على جدران مدارسهم ومن ثم قتلهم، وبداية حراك التظاهر ضد النظام اعتبارا من أواسط آذار ٢٠١١م. و انتقال شعلة الثورة الى اغلب المدن السورية وتريث مدينة حلب قد شكل ندبة نفسية عند السوريين وحتى الحلبيين المتعطشين للثورة.

كان للمزاج الشعبي الحلبي اعتباراته، فلا يزال يعيش الحلبيين في ذاكرتهم وقائع الصراع بين النظام والطليعة المقاتلة في ثمانينات القرن الماضي، التي كان من نتائجها على الحلبيين؛ آلاف من المقتولين في مجازر طالت أحياء كثيرة فيها. إضافة للاستقرار الاقتصادي النسبي. وزاد على ذلك تسليم الملف الامني لحلب إلى ماهر الأسد رئيس الفرقة الخامسة ببنيتها الطائفية وسمعتها القمعية منذ كانت تسمى سرايا الدفاع وقائدها رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد، بما يترسب في ذاكرة الناس عن القمع والوحشية التي أدار بها القتل والاعتقال في صراع الثمانينات في حماة وحلب وجسر الشغور وسجن تدمر… الخ. بما خلفه من تدمير في حماة خاصة وعشرات آلاف الضحايا والمعتقلين والمفقودين على مستوى سورية كلها.

يضاف إلى ذلك اعتماد النظام في حلب على بعض العائلات التي امتهنت التهريب والإتجار بالمخدرات وكانت أدوات بيد النظام في أعماله القذرة مثل عائلة بري وغيرها. حيث سارع النظام لاطلاق عملية بناء مجموعات من الشبيحة. وهم قوة شبه عسكرية غير نظامية ستكون أدوات في قمع التظاهر الجنيني الذي بدأ في بعض الاحياء وانطلق من الجوامع، وتم سحقه بقوة على يد هؤلاء بإدارة الاجهزة الأمنية. قبل حضور جيش النظام واستلامه الملف الأمني في حلب خاصة بعد تحولها من السلمية إلى الصراع المسلح. بين النظام وفصائل الجيش الحر.

  • البنية المجتمعية الحلبية.

يطل هذا الفصل على القوى المجتمعية ذات الحضور الإجتماعي وهم :

١- الصوفية:

 الحاضرة بمدارسها المختلفة  في حلب بسبب عراقتها وقدمها. خاصة أن للصوفية عمق تاريخي منذ العثمانيين. اضافة لكون الصوفية ذات نزعة مجتمعية محايدة سياسيا، او للدقة تتجنب السياسة والاقتراب منها. وهي بهذا الواقع تكون آمنة لمتبعيها من بطش السلطة والأمن. اضافة الى واقع الارتباط السري أو العلني بين كل او اغلب التعبيرات الدينية من متصوفة او أئمة جوامع او رجال دين مؤثرين  في سورية مع الأجهزة الأمنية طوعا او كرها، وذلك عبر عقود. منذ استولى حافظ الأسد على الفضاء المجتمعي السوري كاملا منذ بداية حكمه عام ١٩٧٠م. شاملا السياسي والديني والثقافي والأهلي والمدني… الخ.

٢- مشجعي كرة القدم:

كما تحدث الكتاب عن ظاهرة الشباب مشجعي كرة القدم، حيث تواجد في حلب فرقا متنافسة بينها داخل المدينة، ومنافسة لغيرها في بقية المدن السورية، كانت هذه ايضا احدى اشكال الاستقطابات المجتمعية قبل الثورة.

٣- الإسلاميين المشيخيين التقليديين.

كذلك تحدث عن الإسلاميين الذين يتبعون المشايخ الموزعين في المدينة. طبعا مع التأكيد على القطيعة مع الإخوان المسلمين المحكومين بالأعدام. مع العلم ايضا بأن هؤلاء المشايخ ملتزمين بعدم الاقتراب من السياسة وأن يأخذوا بالتوجيهات التي تأتيهم من الاجهزة الامنية ووزارة الأوقاف، وأن أغلبهم يرتبط بعلاقة مع الاجهزة الامنية، هذا اضافة للتغلغل الأمني مخبرين وعناصر أمن بين المصلين في حلقات المشايخ. وهذا معمم على مستوى سورية كلها. منذ عقود.

٤ – موقع عكس السير:

وهناك في حلب قام احدهم بإنشاء موقع عكس السير على الانترنت، ظهر يتابع الأخطاء في الدولة والمجتمع. وكان تحت رعاية مستترة من السلطة، خاصة أنه بقي لا يقترب من الرئيس او الجيش او الامن في نقده ومتابعاته. وهو مثله مثل بعض المسلسلات التلفزيونية التي اعتمدت أسلوب التنفيس الاجتماعي وإظهار أن هناك متابعة للأخطاء وان هناك حرية رأي. كان هذا الموقع حتى ما قبل الثورة يظهر النقد للوضع العام. ولكن في الثورة كشف عن تبعيته للأمن، وأصبح مسؤول الموقع أحد قادة مجموعات الشبيحة. وبذلك سقطت عنه ورقة التوت وفضح امام متابعيه.

٥- المنتديات الأدبية:

كما ذكر الكتاب بعض المنتديات الادبية التي نشطت على هامش الواقع الثقافي في حلب. على محدودية انتشارها ونخبوية أفرادها، واختراقها من قبل الأمن.

  • حضور الجامعة والأحياء الشعبية في حراك التظاهر في حلب.

عاش الكثير من الشباب الحلبي التواق ان يلتحق في ركب التظاهر والحراك ضد النظام السوري اسوة ببقية المدن الثائرة. لكن ما ذكرنا من أسباب ومعوقات جعلت ذلك صعبا. لكن حركة الشباب في جامعة حلب الذين ينتمون لكثير من المدن السورية، خاصة الشمال اضافة لمدينة حلب؛ هناك طلاب من دير الزور وإدلب وحماة..الخ و ريفهم جميعا. تحرك هؤلاء الطلبة في الجامعة بأعداد متواضعة في البداية، وكان الأمن والشبيحة لهم بالمرصاد، اعتقل الكثير واستعمل معهم العنف المفرط. كما باشر بعض الشباب المندفع التظاهر في الأحياء الشعبية مثل سيف الدولة وصلاح الدين، وذلك على شكل مجموعات مستفيدين من بعض المساجد كمكان تجمع أسبوعي في كل صلاة جمعة. و كان النظام يواجه محاولات التظاهر هذه بالعنف من قبل الاجهزة الامنية والشبيحة، ومع تزايد الحراك وتوسع نقاط التظاهر واستعمال العنف والسلاح الحي من النظام، وسقوط ضحايا من المتظاهرين. جعل الحراك يتوسع وتلتحق به الحاضنة الشعبية خاصة في تشييع الشهداء. وهكذا توسعت المظاهرات في حلب واصبحت حاضرة في وسائل الاعلام. وشارك فيها العنصر النسائي بكثرة خاصة فتياة الجامعة، متجاوزين التحفظ الاجتماعي في مجتمع محافظ. وأصبح المتظاهرين يحلمون أن تتوسع تظاهراتهم وتكبر وتستطيع الوصول الى ساحة سعد الله الجابري في مركز المدينة. لكن النظام جعل ذلك مستحيلا على المتظاهرين. سواء من خلال العنف المفرط الذي قام به بحق المتظاهرين واستعمال السلاح الحي وسقوط الضحايا من المتظاهرين. أو سد الطرق المؤدية للساحة، ثم قام النظام باحتلال الساحة ومنع الوصول اليها.

  • حلب: عنف النظام وبدايات تشكيل مجموعات الجيش الحر.

لم يستطع الشباب المندفع بالتظاهر سلميا في جامعة حلب واحيائها المتظاهرة. ان يستمر متمسك بالسلمية في مواجهة عنف النظام واستعمالة السلاح الحي في مواجهة المتظاهرين وسقوط الضحايا. لذلك بدأت تظهر دعوات للتسلح وتولدت مجموعات مسلحة صغيرة بسلاح فردي لتحمي المظاهرات اولا ثم لتكون ندا لقوى الأمن والشبيحة. اعتمد النظام استراتيجية تصعيد ضد المتظاهرين والحاضنة الشعبية الحلبية. وبدأ يشيع عن الثوار انهم اسلاميين متشددين وإرهابيين وانهم ضد المكونات الأخرى في سورية العلويين والمسيحيين والأرمن… الخ. وقام النظام بإجلاء العلويين والأرمن من مناطقهم كإجراء احترازي. كما اعتمد على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ال ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني في سورية ليقوم بدور الأمن والشبيحة في مواجهة المتظاهرين خاصة في الأحياء التي يتواجد بها أكراد، حيث كان الكثير من الشباب الكردي ملتحقا بالمظاهرات و منتميا للثورة السورية.

وهكذا بدأ يحصل الفرز المجتمعي بحيث تركز اغلب التظاهر وكذلك تشكيل مجموعات الجيش الحر في أحياء حلب الشرقية الفقيرة مثل صلاح الدين وسيف الدولة..الخ. وركز النظام حضوره وقوته على أحياء حلب الغربية التي تحوي الطبقة الثرية الحلبية.

كما احتل النظام الجامعة ومنعها من أن تكون بؤرة للتظاهر والثورة. كما سيطر على السكن الجامعي الملحق بها.

وهكذا اصبح واقع انقسام حلب الى شرقية يسيطر عليها الثوار الذين جاؤوا من الأرياف المجاورة لها، وحلب الغربية التي ركز النظام سيطرته فيها، ودخلت حلب بشقيها في دوامة عنف مسلح دامي سيكون له تبعيات قاسية على الناس، خاصة في حلب الشرقية حيث سيطرة الجيش الحر. استباحها النظام قتلا وتشريدا لأهلها وتدميرا لها عبر سنوات دامية مؤلمة.

  • استجابة حلب لتطور الحراك الثوري وعنف النظام.

لم يتقبل النظام السوري تطور التظاهرات وامتدادها داخل حلب. باشر على الفور بتنفيذ خطة امنية تعتمد على الشبيحة اضافة للأمن المستنفر اساسا. فقد بدأت تظهر وجوها جديدة وبسطات في المواقع العامة بحيث تكون مجرد ستار تواجد امني كثيف يتعامل مباشرة بالعنف والاسلحة البيضاء وحتى الرصاص الحي، كانت بعض العائلات مثل عائلة بري وبعض الاكراد الذين يعيشون في قاع المجتمع ويسمون الماردل، التي امتهنت التهريب والأعمال الخارجة عن القانون أدوات النظام وشبيحة في مواجهته للمظاهرات. كل ذلك جعل أغلب أهل حلب ينكفئون على أنفسهم يتحصنون في بيوتهم يراقبون ما يحصل وينتظرون القادم بخوف وحذر. واقترن ذلك عند أهل حلب في نزعة استحواذ للمواد الغذائية والاستهلاكية خوفا من القادم. خاصة أن ذاكرة اهل حلب لم تشفى بعد مما حصل معهم في أحداث الثمانينات من القرن الماضي والظلم والبطش والقتل الذي طال الالاف من اهل حلب وحماة وغيرهم من المدن السورية. وكان من تبعات ذلك إغلاق حلب الحيوية التي يضج ليلها اكثر من نهارها، فقد كسدت أسواق العاهرات والقوادين وموزعي المخدرات، وانتشرت المخابرات في المدينة الساكنة التي أصبحت تغلق باكرا وتنام على خوف. كما بدأت تظهر معالم ازمة معيشية تطال كل الناس وحتى اصحاب رؤوس الاموال والصناعيين والتجار الذين توقفت أعمالهم بشكل كامل تقريبا. كما بدأ يظهر اختلاف في تعاطي حلب المدينة مع الحراك الثوري حيث كانوا أقرب للسلمية والطرح الوطني المدني الديمقراطي. بينما ظهر على ريف حلب التوجه الباكر للتسلح وتشكيل الكتائب المسلحة مثل التوحيد والفتح. والتي ظهر عليها توجه إسلامي شعبي قائم على التدين الفطري. وهكذا بدأت تتوسع المواجهة المسلحة بين كتائب الجيش الحر وبين النظام بداية في الريف ثم انتقلت اولا بأول الى احياء حلب الشرقية. وبدأت تظهر في حلب مظاهر الفاقة والازمة المعيشية حيث بدأ الناس يبيعون مقتنياتهم ليستمروا بالعيش، حيث طال ذلك الكثير من الموسرين والتجار واغنياء حلب الكبار الى وقت قريب.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى