إدلب: القضاء على “حراس الدين” في ميزان الحسابات المحلية والتركية

منهل باريش

اصطدمت القوات التركية في إدلب، بالهجوم على إحدى دورياتها على طريقM4  بالقرب من بلدة محمبل ظهر الخميس، وأسفر الهجوم عن مقتل جنديين تركيين فارق أحدهما الحياة فور استهداف العربة التي تقلهم، فيما قضى الآخر بعد إسعافه، وجرح جندي ثالث معهما.

وأكدت وزارة الدفاع التركية أن الرتل تعرض لهجوم صاروخي من جماعة متطرفة، في منطقة خفض التصعيد في إدلب. مضيفة أنها “ردت بالمثل على الهجوم، وضربت أهدافاً محددة في المنطقة”.

وعقب الهجوم، بدأ الجيش التركي والجبهة الوطنية بنشر نقاط حراسة وتوزيع مخافر حراسة فردية على جانبي الطريق. ويتوقع أن تعهد قيادة العمليات التركية إلى الجبهة الوطنية للتحرير من أجل حمايته ومنع الفصائل المتطرفة من زرع عبوات متفجرة على الطريق. وبعد ساعات على نشر المحارس تعرض بعضها، الجمعة، في عدة نقاط إلى التكسير من قبل عناصر مجهولة.

وفي السياق، أنشأت تركيا نقطة مراقبة كبيرة في منطقة بسنقول الاستراتيجية على طريقM4  بين أريحا ومحمبل والتي تعتبر أعلى المرتفعات في المنطقة وتشرف على أرض واسعة غرب محمبل وريف إدلب الغربي وسهل الروج، بهدف المراقبة والتحكم في أمن الطريق، وإبعاد الفصائل المشاغبة أو المتطرفة التي تسعى إلى إعاقة تنفيذ البرتوكول الإضافي لاتفاق سوتشي، الذي وقع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان  في الخامس من آذار/مارس الجاري.

وسألت “القدس العربي” المصادر الميدانية حول استهداف الرتل التركي، لتقول إنه جرى عبر “تفجير عبوتين ناسفتين مزروعتين على جانب الطريق، وأن الاستهداف لم يكن بواسطة قذيفة صاروخية”. وأشارت المصادر إلى أن هيئة “تحرير الشام” والجبهة “الوطنية للتحرير” استدعت مؤازرات إلى مكان الاستهداف، وطوقت القوات التركية وقوات المعارضة بلدة محمبل، من دون معرفة تفاصيل حول المجموعة المهاجمة. ونفت المصادر المحلية حصول اشتباك وبررت “إطلاق الرتل التركي النار في الهواء من أجل تخويف المهاجمين”.

ونفى مسؤول العلاقات الإعلامية في هيئة “تحرير الشام” تقي الدين عمر في تصريح لـ”القدس العربي” خبر “التعرف على المجموعة التي استهدفت الرتل التركي” أو اعتقالها.

واتهم ناشطون أحد مجموعات   تنظيم “حراس الدين” بشن الهجوم على الدورية التركية، لكن قيادة “الوطنية للتحرير” أحاطت القضية بكتمان ولم ترشح تفاصيل إضافية تتعلق بمصير المجموعة المهاجمة. فيما اتهمت مصادر في “حراس الدين” النظام السوري وخلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” وفضلت قيادة “الحراس” تجنب التعليق رسميا عن معرفتها بالحادثة.

وفي وقت سابق، تعرف نشطاء على مقاتلين ملثمين بثوا أشرطة مصورة على طريق M4 يتبعون لفصيلي “حراس الدين” وجماعة “أنصار التوحيد” هددوا فيها الروس وتعهدوا بمنع تسيير الدوريات الروسية التركية المشتركة على الطريق.

وأتى التفجير، عقب إزالة القوات التركية للسواتر الترابية التي تقطع طريق حلب-دمشق M4 الذي يشير إلى عزم تركيا على المضي في فتح وتشغيل طريق الترانزيت، والوفاء بتعهداتها لروسيا، وتجنيب المنطقة مصير ريفي إدلب الجنوبي والشرقي.

فرص تحرير الشام

يبدو أن أنقرة اتخذت قرارا بإبعاد هيئة “تحرير الشام” عن الممر الأمني، حسب اتفاق المعايير الذي أنضج في أنقرة بعد اجتماعات الخمسة أيام. وهو ما يفسر محاولتها إعاقة فتح الطريق على مرحلتين، الأولى بدأت من خلال دعم الحركة المدنية الاحتجاجية والتحريض عليها، وتخصيص آليات لنقل النازحين من مخيمات الشمال لحضور الاعتصامات على الطريق، وحضور عناصر الجهاز الأمني كمحتجين مدنيين وامتطاء موقف النشطاء الذين احتجوا على فتح الطرق، مشترطين فتحها بانسحاب قوات النظام إلى ما بعد حدود نقاط المراقبة التركية، وعودة اللاجئين إلى سراقب ومعرة النعمان ومناطق شرق طريق حلب-دمشق M5 وريف إدلب الجنوبي.

وتتمثل إعاقة هيئة “تحرير الشام” الثانية، باللعب بورقة التنظيمات الأكثر تطرفاً (جبهة أنصار الدين، وجماعة أنصار الإسلام، وحراس الدين، وأنصار التوحيد) والتي ترفض أي اتفاق سياسي وتصنف الجيش التركي بالجيش العلماني الكافر، وتفتي بقتاله، وهي الفصائل التي ولدت بعد موافقة تحرير الشام على السماح لتركيا بنشر نقاط المراقبة الـ12 نهاية أيلول (سبتمبر) 2017 جزء منها غادر البنية القيادية ممثلا بالتيار الأردني الذي يتزعمه الشرعي العام السابق في جبهة النصرة سامي العريدي، وجزء غادر التحالف معها مبكرا بسبب تفرد الجولاني بالقرار ممثلاً بجبهة “أنصار الدين” التي استقال قائدها أبو عبد الله الشامي  من مجلس شورى هيئة “تحرير الشام” مطلع شباط (فبراير) 2018. وتوجهت تلك الفصائل إلى تشكيل غرفة عمليات “وحرض المؤمنين” في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2018 والتي جاءت تعبيرا عن رفض وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة منزوعة السلاح الثقيل حسب اتفاق سوتشي.

وسيذهب الاستثمار، بورقة “حراس الدين” الموالي لتنظيم القاعدة وزعيمها، أيمن الظواهري إلى أقصاه بكل تأكيد، فهيئة “تحرير الشام” تريد أن تظهر أنها شرطي السير الأقدر على تأمين طريق M4 وفرض الأمن عليه وخلق البيئة الآمنة لاستعادة حركة الترانزيت عليه، ومع الفوضى العارمة على الطريق، يصر أبي محمد الجولاني على تقديم أوراق اعتماده ليصبح شريكا على الطريق، ويمكنه تجاوز عقبة تصنيفه من خلال نشر عناصر تتبع لوزارة الداخلية في حكومة الانقاذ التي تواليه.

وتشير الرسائل الأخيرة لقائد “الهيئة” في مقابلته مع مجموعة الأزمات الدولية إلى أن التنظيم مستعد إلى قصقصة أظفاره وتقديم التنازلات المطلوبة منه إقليميا ودولياً شريطة رفع تصنيفه منظمة إرهابية.

ولن تمانع فصائل الجبهة “الوطنية” من القضاء على “حراس الدين” في حال اتخذ القرار التركي ببدء المعركة ضدها، وكانت “تحرير الشام” رأس حربة القتال. ومن المرجح أن عدة فصائل داخل ائتلاف “الوطنية” تسعى لسد الفراغ وخطف لقب قيادة الوطنية من التيار الإخواني، المتمثل بـ”فيلق الشام” مستغلاً الغضب التركي على قيادة الوطنية، والذي أفضى إلى إبعاد العقيد فضل الله الحجي، قائد الجبهة الوطنية للتحرير وقائد الجناح العسكري في “فيلق الشام” والذي اعتبر لسنوات طويلة الفتى المدلل لدى المسؤولين الأتراك عن الملف السوري. وعلى رأس المرشحين الآن “أحرار الشام” و “صقور الشام”. فيما يسعى فيلق “الشام” إلى عرقلة القرار التركي بإعادة العقيد الحجي، ووضع واجهة أخرى وعدم خسارته قيادة الوطنية.

وتفضل تركيا عدم مواجهة أي من الفصائل المتطرفة بشكل مباشر، وتجنب مقتل المزيد من جنودها أو تعريضهم للخطر. وتخشى أن تؤدي المواجهة مع تلك الفصائل إلى حرب طويلة تمنع تطبيق ملحق اتفاق سوتشي الأخير، وهو ما يعطى الروس ذريعة لبدء قضم جديد والسيطرة على طريق M4 من دون اشراك تركيا في الدوريات على غرار ما حصل على طريق M5. ناهيك عن أن الفصائل الجهادية تلك تملك أغلبية كبيرة من المقاتلين الأجانب وعلى رأسها حراس الدين. وتملك عقيدة قتالية كبيرة على غرار مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” إضافة إلى اعتبارها امتدادا لتنظيم “القاعدة” الدولي، وهو ما سيضع أبي محمد الجولاني في حرج كبير أمام جنوده من غير السوريين.

وما يصعب القضاء على “حراس الدين” هو توقيعها اتفاق منع اعتداء في غرفة عمليات “وحرض المؤمنين” أي أن المواجهة لن تكون ضد “الحراس” وحدهم وإنما ستتوسع لتصل إلى كل الكتائب الجهادية الصغيرة غير المنضوية في التشكيلات ومنهم “أنصار التوحيد” والأوزبك و”أجناد القوقاز”.

في نهاية الأمر، فإن قيادة تحرير الشام وتيار السياسة الشرعية داخلها، تواجه صعوبة في تبرير عملية القضاء على الفصائل الجهادية الأخرى، وقد تؤدي المواجهة إلى خسارة عدد كبير من المقاتلين المحليين أو المهاجرين العرب والأجانب. فالخوض في تلك الحرب بالنسبة لقيادة “تحرير الشام” يجب أن يكون ثمنه كبيرا للغاية، أقله إزالة تصنيفها كمنظمة إرهابية في تركيا، لكن حتى هذا القرار سيكون صعبا على أنقرة ويتطلب عملية إعادة تدوير نفسها وإطلاق تسمية جديدة وحلاقة لحيتها وإزاحة الجولاني وقادة الصف الأول عن الواجهة، أو حل نفسها وهذا أمر مستحيل. فالفصائل الجهادية لا تحل وإنما يتم القضاء عليها أو تختفي.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى