المخدرات.. سلاح الأسد الموازي لتدمير المجتمع

عدنان علي

ثمة عملية تدمير منظمة تجري للمجتمع السوري بعيدا عن قذائف المدفعية والبراميل المتفجرة، تتم في وضح النهار من خلال تغييب وعي الضحية ووعي المجتمع، وتواطؤ ما يفترض أنها دولة ومؤسسات مسؤولة عنهما، الفرد والمجتمع.

ما نتحدث عنه هو التفشي الواسع للمخدرات في عموم المناطق السورية، وخاصة في الجنوب الذي يعتبر ممرا لتهريب هذه السموم إلى دول الخليج العربي، عبر الأردن.

وما يجعل هذا السلاح فتاكا، ليس وفرته الواسعة في كل مدينة وحي وزقاق، بل رخص ثمنه نسبيا، لأن ما يباع داخل سوريا هو الأنواع الرديئة المصنعة من مواد كيماوية ضارة جدا بصحة الإنسان، وتؤدي سريعا إلى الإدمان وإلى تدمير ملكات المدمن العقلية، وقدرته على التحكم بتصرفاته، وهو ما يفسر كثيرا من الجرائم المنتشرة اليوم في سوريا، خاصة في مناطق الجنوب، من عمليات قتل وسرقة واغتصاب، تتم في ظروف غامضة، وتنسب غالبا خطأ إلى دوافع سياسية، بينما هي في الحقيقة محض جرائم جنائية، أو تصفيات بين العصابات الضالعة في هذه التجارة المربحة جدا، والمدمرة جدا.

ولم يعد خافيا أن الجهات التي تقف خلف هذه التجارة تدور كلها في فلك النظام السوري، وفي مقدمتها رأس الحربة “حزب الله” الذي يعد “المنتج” والمورد لمعظم حشيش الكيف في لبنان، ويتعاون مع مخابرات وضباط النظام لإدخال بضاعته إلى السوق السورية، وخاصة الجنوب السوري في محافظتي درعا والسويداء عبر عناصره المنتشرين هناك، وبالتعاون مع “الفرقة الرابعة” والمخابرات العسكرية.

وفضلا عن ضرب البنية المجتمعية في الجنوب، وعموم المناطق المعارضة للنظام، بل وعموم سوريا، حيث لا يمكن لأحد ضبط حركة تنقل المخدرات بين المحافظات السورية، فإن الهدف الآخر والمهم لهذا التحالف (حزب الله، الفرقة الرابعة، المخابرات العسكرية، ومتعاونين محليين) هو جني المال الوفير نظرا للكميات الضخمة التي يجري تداولها في وعبر الأراضي السورية، والتي تشمل أيضا حبوب “الكبتاغون” المصنعة في سوريا ولبنان، حتى إن بعض التقارير الصحفية وصفت سوريا بأنها باتت البلد الأول في العالم في إنتاج هذه الحبوب، حيث باتت تجارة المخدرات تسهم في تمويل النظام وميليشياته وحزب الله، خاصة بعد أن جف أو تراجع التمويل القادم من إيران بعد تشديد العقوبات الأميركية عليها. وقدرت مصادر متطابقة عوائد تجارة المخدرات في سوريا سنويا بمئات ملايين الدولارات.

وحسب تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة فإن سوريا باتت مركز انطلاق شحنات ضخمة من المخدرات إلى دول عربية وأوروبية، بينها عملية ضبط شحنة في يوليو تموز الماضي في إيطاليا قادمة من ميناء اللاذقية تضم 84 مليون حبة “كبتاغون” وتصل قيمتها إلى مليار دولار، بحسب الشرطة الإيطالية التي وصفتها بأنها أكبر عملية من نوعها في العالم. وقبلها أعلنت الشرطة اليونانية عن ضبط شحنة مماثلة قادمة من سوريا قدرت قيمتها بنصف مليار دولار.

إن ما نعرفه عن تفشي المخدرات في مجمل المناطق السورية، هو مجرد ملاحظات لا تخطئها العين لنتائج هذه الظاهرة على الأرض، في ظل غياب الدراسات والإحصائيات عن نسب المتعاطين، وغياب الدور المفترض لـ “الدولة السورية” في مراقبة ومعالجة هذه الظاهرة. والأنكى أن هذه الحكومة، أي أجهزتها الأمنية والعسكرية ضالعة في هذه العمليات لجهة تهريب المخدرات من وإلى سوريا، وتوزيعها في الداخل السوري، وقبل ذلك مساهمتها في تصنيعها وتوضيبها وتخزينها، عبر شبكات معقدة من التجار الصغار، مستفيدة من حالة الحرب والفوضى الأمنية.

وحسب معطيات مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، فإن نسبة قليلة من عمليات تهريب المخدرات على مستوى العالم يتم ضبطها، وهي تتراوح في الدول التي تشدد الإجراءات بين 1 و3 حالات من أصل عشرة. وفي الحالة السورية ومع غياب الدولة، بل وانخراط أجهزتها في تجارة المخدرات، فإنه تضبط عملية واحدة فقط بين كل 20 عملية تهريب للمخدرات. أي أن الكميات التي يتم تهريبها عبر الأردن ومنها إلى السعودية تقدر بعشرات الأطنان سنويا من الحشيش وعشرات الملايين من حبوب الكبتاغون، وهي من الأنواع المرتفعة الثمن والجودة.

أما ما يوزع في سوريا، فهي الأنواع الرديئة من حبوب “الكبتاغون” التي يدخل في تصنيعها منشطات شديدة الإدمان تتسبب وفق الخبراء في تغييرات لا رجعة فيها في دوائر الدماغ والتحكم في الانفعالات، ما يسلب قدرة الشخص على التفكير، إضافة إلى “حشيش الكيف” وهو السائل المجفف من المادة الصمغية الموجودة على سيقان وأوراق نبات القنب، لكن ما ينتشر منه في سوريا هو الحشيش المزيف بسبب رخص ثمنه، لكنه أشد خطورة على الصحة من الحشيش الطبيعي.

إن نظام الأسد لم يكتف بما تسبب فيه من دمار للمدن والبلدان في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، وهو يضيف إلى ذلك جريمة أشد خطورة عبر تدمير المجتمع السوري، وخلخلة مرتكزاته من خلال النشر المنظم للمخدرات الرخيصة والرديئة، بهدف جني الأموال، والانتقام من المناطق التي ثارت عليه، وصولا إلى ترك المجتمع السوري فريسة سهلة أمام حليفته إيران التي تعمل منذ عقود للسيطرة عليه، وتحويل سوريا برمتها إلى تبعيتها المطلقة.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى