واصلت قوات النظام السوري تصعيدها في الشمال الغربي من سورية، بضوء أخضر روسي، لتطاول حملة القصف المدفعي أمس الإثنين معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، في تصعيد إضافي يؤكد هشاشة التفاهمات الروسية التركية حول الشمال السوري، بما بات يهدد بسقوط اتفاق موسكو الموقّع بين الطرفين في حال لم يستطيعا احتواء الوضع. وعلى الرغم من هذا التصعيد، لا يزال من المستبعد حصول تقدّم لقوات النظام على الأرض، لما لذلك من تداعيات على مختلف جبهات القتال الهادئة، فيما يرى مراقبون في هذه التطورات رسائل روسية-تركية متبادلة، خصوصاً أن التوترات وصلت إلى محيط بلدة عين عيسى في منطقة شرقي نهر الفرات الخاضعة.
وواصلت قوات النظام أمس الإثنين قصفها على مناطق في محافظة إدلب ومحيطها، واستهدفت فجراً بالمدفعية والصواريخ مناطق في محيط بلدة كفر عمة في ريف حلب الغربي، كما قصفت مناطق في محيط مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، موقعة أضراراً مادية في ممتلكات المدنيين. في المقابل، قصفت فصائل المعارضة المسلحة و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) مواقع لقوات النظام والمليشيات التابعة له على محور سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي المتاخم لريف إدلب الجنوبي الغربي. وفي السياق، أكد الدفاع المدني السوري، التابع للمعارضة، في بيان له الأحد، أن مدنياً قُتل نتيجة غارات جوية روسية استهدفت معملاً للإسمنت ومعمل الغاز في أطراف مدينة سرمدا، وكراجاً للشاحنات في منطقة باب الهوى الحدودية في ريف إدلب الشمالي.
وعلّق مجمع أريحا التربوي الدوام في المدارس أمس الإثنين “بسبب القصف الذي تتعرض له منطقة أريحا”، وفق بيان له. وكانت قوات النظام قد أخرجت مستشفى بلدة الأتارب في ريف حلب الشمالي الغربي عن الخدمة عقب قصف أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين.
ودفعت التطورات المتلاحقة في الشمال الغربي من سورية، وزارة الدفاع التركية لمطالبة روسيا بكبح التصعيد العسكري “على الفور”، ووقف قصف قوات النظام لمناطق في إدلب. ويؤكد التصعيد أن التفاهمات الروسية التركية حول الشمال الغربي من سورية والموثقة في اتفاق موسكو، المبرم في مارس/آذار من العام الماضي في العاصمة الروسية، هشة، ويمكن تقويضها كلما اختلف الجانبان حول مسائل تخص الشمال السوري برمته.
ولا يمكن عزل التصعيد في محيط بلدة عين عيسى شرقي الفرات الخاضعة لسيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، عما يجري في ريفي إدلب وحلب. وذكرت مصادر محلية أن فصائل المعارضة المرتبطة بالجيش التركي استقدمت تعزيزات إلى مواقعها القريبة من بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، ما ينذر بتجدد القتال على هذه البلدة الاستراتيجية كونها تقع في قلب منطقة شرقي الفرات وتعد هدفاً للجيش التركي. وكانت “قسد” قد رفضت في الشهر الأخير من العام الماضي تسليم عين عيسى إلى قوات النظام بناء على طلب روسي لتفادي عملية عسكرية تركية واسعة للاستحواذ على البلدة.
وتعيد التطورات في ريف إدلب إلى الأذهان محاولات النظام في الربع الأول من العام الماضي التوغل أكثر في الشمال الغربي من سورية وصولاً إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، والذي يعدّ من المعابر الرئيسية وشرياناً اقتصادياً هاماً لمحافظة إدلب ومحيطها. وتتمركز قوات النظام ومليشيات محلية وإيرانية تساندها على بعد نحو 20 كيلومتراً عن معبر باب الهوى الحدودي. ولكن من المستبعد حالياً لجوء قوات النظام إلى هذا الخيار لأن ذلك يعني انهيار التفاهمات التركية الروسية بشكل قد يؤدي إلى انزلاق جميع الأطراف إلى أتون صراع دموي جديد.
وفي هذا الصدد، استبعد القيادي في فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، العقيد مصطفى البكور، أي تقدّم لقوات النظام على الأرض في الوقت الراهن، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد” أن “الظروف الدولية ليست مناسبة لتحريك الجبهات الراكدة”. وحول أسباب التصعيد من قبل النظام والجانب الروسي، رأى البكور أنه “يأتي في إطار رسائل متبادلة بين روسيا وتركيا يدفع السوريون ثمنها”، مضيفاً أن “نظرة إلى الأحداث الأخيرة تُظهر أن التحرك التركي في محيط عين عيسى تكثف بعد فشل المفاوضات مع الروس، في مقابل تصعيد عسكري روسي قرب الحدود التركية وضد مناطق تقع تحت الحماية التركية”.
وكشف أن المراصد في شمال سورية “رصدت دخول الطيران الروسي الأراضي التركية حتى مدينة الريحانية أثناء قصفه ريف إدلب الشمالي الأحد”. وأعرب عن اعتقاده بأن التصعيد “بمثابة رسائل من الجانب الروسي إلى المجتمع الدولي الذي أعلن رفضه إعطاء الشرعية للانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية ما لم تكن بإشراف الأمم المتحدة وتشمل كل السوريين”، مضيفاً: “مضمون الرسالة أن لروسيا اليد الطولى في سورية ولن يحصل إلا ما تريده”. وتابع بالقول: “القصف الروسي رسالة للسوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال أنكم لن تكونوا في أمان إلا إذا كنتم تحت سيطرة الأسد، حتى ولو كانت دول مثل تركيا ضامناً لكم”. كما أدرج البكور التصعيد الروسي في سياق محاولات “رفع معنويات النظام المتهالك وحاضنته الشعبية بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب في مناطق سيطرته”.
وكان الجانب الروسي قد استفز الجانب التركي في الآونة الأخيرة أكثر من مرة بقصف محطات تكرير بدائية للبترول في منطقة “درع الفرات” والتي تعد منطقة نفوذ تركي بلا منازع، ما يؤكد اتساع الهوّة بين الطرفين حول مختلف القضايا التي تخص الملف السوري. ويأتي التصعيد العسكري في الشمال الغربي من سورية مع اقتراب موعد انتخابات رئاسية ينوي النظام إجراءها منتصف العام الحالي لإبقاء بشار الأسد في السلطة لسبع سنين مقبلة.
من جهته، أكد المحلل السياسي التركي طه عودة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الجانب التركي لن يسمح لقوات النظام بالتقدم في عمق محافظة إدلب وصولاً إلى الحدود السورية التركية، مشيراً إلى أن التطورات المتسارعة التي يشهدها الشمال السوري في الآونة الأخيرة “مؤشر كبير على عودة التوتر من جديد على الرغم من التفاهمات التركية الروسية الأخيرة في أستانة والمتعلقة بتثبت وقف إطلاق النار”. وأشار إلى أن تصعيد قوات النظام هو بإيعاز من روسيا، مضيفاً: “هذه محاولة من موسكو للتهرب من الالتزام بتعهداتها مع أنقرة في الجولة الأخيرة من مسار أستانة والمتعلق بإخراج قوات سورية الديمقراطية من منطقة عين عيسى والمناطق الحدودية مع تركيا”. واعتبر أن التصعيد “يؤكد الانزعاج الروسي من الغارات التي شنّتها الطائرات التركية خلال اليومين الماضيين ضد قوات قسد ومواقع النظام السوري، رداً على استهداف ولاية كليس في جنوب تركيا الأسبوع الماضي”، مضيفاً أن الخلافات التركية الروسية ومراوغة موسكو أسهمتا بشكل كبير في عودة التوتر من جديد إلى المنطقة والمرشح للارتفاع في الأيام المقبلة.
المصدر: العربي الجديد