الأسد في حُلّته العربية الجديدة

مهند الحاج علي

يرى النظام السوري في زيارة وزير خارجيته فيصل المقداد الى سلطنة عُمان، فوائد على 3 مسارات: أولاً، التفاوض الروسي-الإسرائيلي-العربي حول الوجود الإيراني، وثانياً، اختزال العملية السياسية السورية بانتخابات رئاسية صورية، وثالثاً، تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاساتها على الأرض.

في المسار الأول، سياسة التسويق الأسدية لإعادة سوريا الى “الحضن العربي” الدافئ والحنون، مبنية على افتراضات متعددة، على رأسها إعادة التوازن للعلاقات الخارجية لسوريا، بما يُمكنها من إدارة أفضل للدور الإيراني والحد منه. كما أن الدور الإيراني في سوريا مبني ليس فقط على الدعم العسكري، بل أيضاً المالي (قروض محدودة) والاقتصادي (توفير مشتقات نفطية للسوق المحلية). وأي دعم مالي أو اقتصادي عربي سيُخفف بطبيعة الحال من الاعتماد على إيران.

من جهة ثانية، يُعيد النظام السوري انتاج واستهلاك سردية جديدة، وهي أن الحرب الماضية كانت في مواجهة المشروع التركي والإخواني، وبالتالي فهي على تماس مع “تحديات” مماثلة في أنحاء المنطقة. ومثل هذا الاصطفاف يُتيح بعض الازدواجية في المواقف، أي أن يقف الأسد في محورين: عربي معادٍ للإخوان وإيراني مُمانع.

لكن هذا التسويق عربياً، رغم فائدته الأولية لناحية توفير بعض الشرعية للنظام، لم يُثمر، نتيجة العقوبات الأميركية والأوروبية والطوق المفروض ضد أي نشاط اقتصادي أو مالي. لن تكون الدول العربية قادرة على توفير غطاء مالي لتحل محل إيران في هذا المجال.

يبقى الدور الإسرائيلي. وسلطنة عُمان هنا معبر بين محاور المنطقة، وهي موقع عمليات التفاوض في المنطقة بين كافة الأطراف. لهذا، قد تكون هذه الزيارة مُقدمة لصفقة ما على مستوى التخفيف من الوجود الإيراني، مقابل مساعدات سياسية ومالية (إنسانية) محدودة. ومثل هذا الاتفاق يحصل بالتفاهم مع الجانب الإيراني، بما أن طهران ما زال دورها أساسياً في توفير مشاة النظام (حطب الحرب) وأيضاً تعويمه مالياً.

في المسار الثاني، يرغب النظام في تعزيز “شرعيته” العربية لتوفير غطاء إقليمي للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي محطة رمزية لجهة أنها تقتل أي أمل بعملية انتقالية يُعتد بها، بعد حسم مسألة بقاء بشار الأسد في سدة الرئاسة. تزامن هذه العملية الانتخابية مع بعض الانفتاح العربي، يُوفر بعض الشرعية الإقليمية لها، سيما في ظل اتصالات التهنئة المرتقبة. بالعادة، مثل هذه الانتخابات بعد عشر سنوات من الحرب تخللتها جرائم ضد الإنسانية (ارتكبها النظام نفسه)، تتطلب ردود فعل قاسية من الإقليم والمجتمع الدولي على حد سواء. هذه الزيارة إلى سلطنة عُمان خطوة أولية في هذا الاتجاه.

المسار الثالث، وهو الانهيار الاقتصادي والمالي مع وصول سعر صرف الدولار الى مستويات غير مسبوقة، يزيد من حاجة النظام الى تسوية (إقليمية) ولو كانت محدودة الطابع، من أجل التخفيف من وطأة الانهيار والحصول ربما على مساعدات إنسانية تُتيح إدارة أفضل للأزمة.

في نهاية المطاف، للنظام فوائد عديدة في مسار التطبيع مع المنطقة العربية. بإمكان النظام إيجاد بعض التوازن في العلاقة مع إيران، ليس بالضرورة للحد منها، بل لتحسين شروط التفاوض معها والاستفادة أكثر من العلاقة. والأهم بالنسبة للنظام الأسدي، بإمكان المنظومة العربية اسباغه بشرعية مفقودة دولياً، ولا بد أن تشمل نشاطاً اعلامياً لغسل الصورة السابقة للنظام وجرائمه الماثلة في آلاف الضحايا، ملايين اللاجئين، والمدن والمناطق المنكوبة عمرانياً.

 

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى