في عام 1978، وقعت مصر معاهدة كامب ديفيد مع “إسرائيل”، وهي أول اتفاقيه -علنيه على الأقل – مع الكيان المحتل، وهي الاتفاقية التي اعتبرت خيانة لحقوق الشعب الفلسطيني، لذلك، عقدت الدول العربية مؤتمراً في بغداد في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، وقررت مقاطعة مصر وتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية، ونقل مقر الجامعة إلى تونس.
تم اتخاذ هذا القرار لأن الدول العربية شعرت بأن مصر قد خانت قضية فلسطين من خلال التوقيع على المعاهدة، وبالتالي، يجب أن يتم معاقبتها.
في تشرين الثاني /نوفمبر عام 2011، تم اتخاذ الإجراء نفسه ضد سوريا، عندما قرر وزراء الخارجية العرب تجميد عضويتها في الجامعة العربية بسبب لجوء نظام الأسد إلى الخيار العسكري لإخماد الثورة الشعبية المناهضة لحكمه. كان الهدف من هذا الإجراء هو إجبار النظام السوري على التراجع عن استخدام القوة ضد المدنيين، وإيقاف العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، وقال نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية حينها إن الجامعة العربية تسعى “منذ أربعة أشهر لوقف العنف” ولكن مساعيها “لم تثمر” ولذلك تم اتخاذ هذا القرار.
انتهت المقاطعة العربية لمصر رسميا إثر مؤتمر الدار البيضاء الطارئ في أذار/مارس عام 1990 الذي عقد في المغرب، وعاد مقر الجامعة العربية إلى القاهرة، أي بعد 12 عاماً من المقاطعة، مع أن الأسباب التي أدت الى المقاطعة كانت ما تزال موجودة بل زاد عليها تبادل السفراء في شباط /فبراير1980، ولحقتها الدول العربية التي شاركت في مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد بين 30 من تشرين الأول و1 من تشرين الثاني/ نوفمبر جنباً إلى جنب مع إسرائيل وكان هذا المؤتمر وما تلاه فاتحة لتطبيع العلاقات العربية مع الاحتلال الإسرائيلي والسير قدما على خطا مصر نفسها (كامب ديفيد)، وما كان يعتبر بالأمس القريب خيانة لحقوق الشعب الفلسطيني وتفريطا بقضية العرب الأولى، أصبح الآن محل تسابق بين الأنظمة العربية أيها يكسب ود الإسرائيليين أكثر.
في 7 من أيار / مايو 2023 قرر وزراء الخارجية العرب إنهاء العزلة السورية وإعادة سوريا الى جامعة الدول العربية، وكأن شيئاً لم يكن أي بعد 12 عاماً من المقاطعة، مع أن الأسباب التي أدت إلى المقاطعة ما زالت موجودة بل زاد عليها استخدام النظام السوري ليس للعنف المفرط فحسب بل لم يترك سلاحاً موجودا في ترسانته إلا واستخدمه ضد المدنيين، بل واستقدم ميليشيات إيران الطائفية وعصابات فاغنر الروسية، لتجرب أيضا أسلحتها في صدور السوريين، إضافة إلى 13 مليون مهجر ومليون من الشهداء وعشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين في السجون.
كما حدث مع مصر في بداية التسعينيات يحدث مع سوريا اليوم، فجامعة الدول العربية تندم على قرار المقاطعة وتعود لسوريا وتلحق بها لتكون بوابتها لإيران التي أكدت زيارة رئيسها لسوريا قبل أيام أن سوريا أقرب لمحافظة إيرانية منها لدولة عربية ذات سيادة، وظهر الأسد وهو يتحدث عن وقوف نظام أبيه إلى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية وضد العراق وضد كل العرب رغم كل المغريات والتهديدات، كما ظهر الإيراني مهنئاً نظام الأسد على نصره رغم العقوبات والتهديدات، نصر كان قد أكده من قبل الأمين العام للجامعة العربية حين صرح أن الأسد قد ربح المعركة في سوريا، لكن فاته أن خسارة رئيس ما لمعركة أمام شعبه هي محل تقدير في دول تحترم نفسها وسيادتها، وفاته أيضا أن الأسد لم يربح المعركة ضد الشعب السوري فحسب لكن ربحها أيضا ضد هذه الأنظمة التي هي العدو الأول لشعوبها.
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه وجامعة الدول العربية التي لحقت بمصر على خطا التطبيع، تعيد الكرة مع نظام الأسد، وأن الثور الهائج وبعد طرده من الحظيرة لحقت به كل الحظيرة، أخشى أن تشكل هذه العودة مقدمة لقمع بقية الشعوب العربية إذا فكرت يوما بالخلاص والتطلع إلى الحرية والديمقراطية، وإيذانا لدور إيراني- فارسي في بقية الدول العربية بعد أن بدأ في 4 عواصم عربية، وإعادة لإحياء الإمبراطورية الفارسية ولكن بجهد ومال عربي هذه المرة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا