كل النشاط على المستوى الدبلوماسي في المنطقة لا يفصل بين الملفين اللبناني والسوري، مع الأفضلية للثاني. والأرجح أيضاً أن الحلول، عندما تتوافر، لن تكون غير منسجمة.
لجهة النشاط الدبلوماسي، لا يفصل الكرملين بين الملفين السوري واللبناني، ولكن ذلك لا يعني ربطهما كمتساويين بل يتعامل مع لبنان كحالة مُلحقة. من المطلوب (والمتاح) أيضاً، سورياً، العمل على محاولة الإعادة إلى جامعة الدول العربية، وفتح الباب أمام بعض الاستثمارات المالية لتجنيب النظام شبح الانهيار الشامل.
في المقابل، ستعمل روسيا على الحد من الوجود الإيراني في سوريا. لكن هذا العمل ليس واضح المعالم، وليس معروفاً كيف سيتبلور على الأرض، وهل سيتعاون الإيرانيون معه أم لا. ذلك أن سوريا تبدو اليوم كمجموعة دشم وثكنات عسكرية دولية، أكثر منها كدولة قابلة للحياة. نقاط أميركية في مقابل أخرى روسية، مواقع إيرانية تتعرض لضربات إسرائيلية، وقوات تركية على تماس مع الجميع. لا حلول نهائية في سوريا، بل مجرد مخرج من المأزق الحالي، وإطار لإعادة انتاج النظام ودوره وعلاقاته.
لكن ما المخرج الممكن من قفص العقوبات الأميركية والأوروبية، والرفض المطلق للنظام بصفته مسؤولاً عن جرائم حرب؟ ترى موسكو المخرج من خلال المساومة على الورقة الإيرانية، وأيضاً من خلال اجتراح دور سوري جديد في لبنان. عملياً، وعلى المستويين، تُريد روسيا إعادة انتاج النظام السوري كضمانة تحول دون مزيد من التمدد الإيراني في الداخل (وفقاً لإطار نفوذ إيراني أقل مقابل المال)، ومستقبلاً، كلاعب يضمن دوزنة الدور الإيراني في لبنان. الشق الأول ممكن، وموسكو وفرت دلائل على قدراتها عبر التنسيق مع الجانب الإسرائيلي في ضرباته وفي عمليات التبادل السريعة (دون المرور بالجانب الإيراني)، وأيضاً في منع أي ردود من جانب الحدود السورية.
يبقى الشق الثاني. كيف تُظهر موسكو لدول عربية فاعلة وإسرائيل، فائدة النظام (ومعه موسكو)، في لعب دور يضبط النفوذ الإيراني في لبنان؟ هذا الدور اليوم نظري، ولا قدرة على تنفيذه في أرض الواقع، سوى بمزيد من التدهور في لبنان مقابل الإمساك بزمام الأمور في الداخل السوري.
عملياً، حقيقة أن لروسيا دوراً دبلوماسياً في الملف اللبناني، يعني أن ترتيب الأولويات يعود اليها، والملف السوري موقعه في المقام الأول بلا منازع. والأرجح أن الحل السوري، لجهة إبقاء النظام على ما هو عليه، مع السلطات المحلية (وفقاً للقانون السوري) والتفاهمات الدولية (تركية-روسية-خليجية-أميركية) سينسحب على لبنان أيضاً. تفاهم دولي حول شكل الحكومة وتوازناتها (تدويل)، مع لامركزية وفقاً للدستور اللبناني (مجالس أقضية).
لكن إلى ذلك الحين، لا يبدو الوضع اللبناني آيلاً الى موقع محسوب. ذاك أن خط الإنهيار في قيمة العملة اللبنانية وأيضاً في جدار المواد المدعومة من الوقود الى الخبز، وصل الى مرحلة حرجة جداً تطاول كل مناحي الحياة وعلى رأسها الأمن. غالبية الناس ممن تتقاضى رواتب الحد الأدنى، غير قادرة على أن تشتري سلة غذائية متكاملة تتضمن مواد الطهي (الزيت) والنشويات والبروتين (من الحبوب، وليس اللحوم)، من دون مساعدة.
ومثل هذا الواقع يفتح بوابة من العوامل الخارجة عن الحسبان، وتعقيدات أكثر عمقاً مما لدينا الآن.
المصدر: المدن