العائلة السورية. الحياة بأقل من دولار يومياً

محمد كساح

يشكو أحمد وهو مواطن يعيش في دمشق ويعيل أسرة مكونة من 6 أفراد من عدم قدرته على الإنفاق لشراء حتى بعض المواد المعيشية الضرورية، فراتبه الذي لا يتجاوز 75 ألف ليرة سورية (أقل من 20 دولاراً حسب سعر الصرف الحالي) لا يكاد يكفي لشراء الخبز وبعض الخضار الرخيصة كالبطاطا والملفوف ودفع فواتير الكهرباء والماء والانترنت.

مقارنة بموظفي حكومة النظام السوري يُعدّ راتب أحمد جيداً. يحصل مروان الموظف في إحدى دوائر الحكومة في العاصمة على راتب شهري يبلغ 45 ألف ليرة، لا تكفي سوى لشراء الخبز والمواد التموينية التي تباع عبر البطاقة الذكية وبعض الاحتياجات الصغيرة. لذلك يواظب مروان على الوقوف في طوابير بيع الخبز يومياً منذ الثالثة صباحاً وحتى السابعة.

ومع الانهيار الذي طاول العملة المحلية بعد تخطي سعر الدولار الواحد ال4000 ليرة، شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا غير مسبوق، وهذا ما جعل احتياجات الأسرة للمال لتغطية النفقات الأساسية يتضاعف.

وكانت إحصائية صادرة في العام 2018 قد حددت متوسط الإنفاق التقديري للأسرة السورية ب325 ألف ليرة سورية شهرياً حسب  المكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام. وبعد الانهيار الذي طاول الليرة مع بداية العام 2020 وصلت تكاليف سلة الاستهلاك الأساسية لأسرة من خمسة أشخاص في دمشق إلى 660 ألف ليرة وفق دراسة لجريدة “قاسيون” الموالية في نهاية أيلول/سبتمبر 2020.

لكن مئات المواطنين لا ينفقون في الشهر أكثر من 80 ألف ليرة بسبب جمود الأجور التي ارتفعت بشكل لا يتوازى مع التضخم الحاصل، ما يعزز الفرق الشاسع بين حاجات الأسرة ودخلها.

الأسباب الرئيسية

يعزو الباحث الاقتصادي يونس الكريم أسباب التدني غير المسبوق في مستوى إنفاق الأسرة القاطنة في مناطق النظام، إلى تقلص القدرة الشرائية نتيجة عوامل متعددة مثل التضخم  وانخفاض قيمة العملة السورية وتفشي البطالة وانخفاض الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة للمواطنين. ويشير أيضاً إلى التدمير الممنهج الذي تسببت به آلة الحرب التي قلصت القدرة الإنتاجية للمخابز والمصانع، إضافة للعقوبات الاقتصادية التي طاولت القطاع المصرفي وعرقلت عمليات الاستيراد والحركة التجارية، وأخيرا ظهور أمراء الحرب الذين باتوا يسيطرون على مقاليد القرار السياسي والاقتصادي في الدولة ما جعلهم يحتكرون سلعا ً وخدمات مهمة للمواطنين ويرفعون أسعارها.

ويقول ل”المدن”، إن الزراعة توقفت تقريبا في سوريا بعد أن كانت تؤمن فرص عمل ل17.6 في المئة من السكان، إضافة للصناعة التي كان يعمل فيها 23 في المئة، كما توقفت العمالة السورية في لبنان والتي كانت تمد المواطنين السوريين بحوالات مالية تقارب 2 مليار دولار.

وأدّى التنافس السياسي بين أجنحة النظام إلى إصدار قوانين أثّرت على الدخول وعلى سعر العملة، مثل ملاحقة شركات الصرافة والحوالات وإغلاق الجمعيات الخيرية ومحاولة حلفاء النظام السوري السيطرة على مؤسسات الدولة السيادية التي تدعم الاقتصاد.

ويرى الكريم أن “غياب أفق حل سياسي مع انهيار سعر الصرف أدى الى تدني قدرة المواطنين على الاستمرار بتغطية احتياجاتهم” و”باتت السلعة بحاجة لدفع كميات كبيرة من العملة المنهارة للحصول عليها، وهو ما أرهق المواطنين”.

تعزيز الخصخصة

خفّضت موازنة العام 2021 مستوى الانفاق على المواطنين ليتراجع بنسبة 70 في المئة عن موازنة العام 2011. وحددت الاعتمادات المرصودة للرواتب والأجور والتعويضات في الموازنة الجديدة ب1018 مليار ليرة سورية، واعتمادات الدعم الاجتماعي ب3500 مليار ليرة، والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية ب50 مليار ليرة، والاعتمادات لصندوق دعم الإنتاج الزراعي ب50 مليار ليرة، والدقيق التمويني ب700 مليار ليرة، والمشتقات النفطية ب2700 مليار ليرة، والطاقة الكهربائية ب1800 مليار ليرة، وهي أرقام متواضعة للغاية مقارنة بسعر الصرف الحالي.

وبدأ قرار تقليص نفقات الدولة على المواطنين حتى قبل الثورة السورية وتحديداً مع الولاية الثانية لبشار الأسد والتي تزامنت مع تصريحات مسؤولي النظام حول مؤسسات الدولة الخاسرة، وآبار النفط التي قاربت على النضوب، فبدأ الاتجاه نحو خصخصة مؤسسات الدولة، ثم بدأت الموازنة تضعف مع بداية الثورة عاماً بعد آخر، لا سيما بعد تخلي النظام لحلفائه عن مؤسسات كثيرة كان من الممكن أن تؤمن القطع الأجنبي للموازنة العامة كالفوسفات والنفط والمعابر الحدودية والمرافئ.

ويتوقع يونس الكريم أن يقود انخفاض إنفاق الدولة على الأفراد إلى جعل مؤسسات الدولة غير قادرة على القيام بواجباتها ومن ثم الاتجاه نحو خصخصتها ومنحها للقطاع الخاص الموالي للنظام. ويقول إن لجوء النظام لعقد صفقات مبالغ فيها مع أمراء الحرب جعلهم يستحوذون على عقود ضخمة مثل القمح الذي بدأ بشرائه من القطاع الخاص بمبالغ تزيد عن السعر العالمي ب30 دولاراً للطن الواحد.

انخفاض مستوى الإنفاق للأسر السورية قد لا يكون تأثيره كبيراً على عملية بيع الحاجات الأساسية اليومية والتي يسيطر على تجارتها أمراء الحرب. لكن في المقابل تتقلص بشكل يومي القدرة الشرائية للموظفين مع استمرار تدهور سعر الصرف وعدم قدرة النظام على كبح التدهور، ما يؤدي إلى نتيجتين أساسيتين، ازدياد فقر السوريين، والتوجه أكثر نحو خصخصة مؤسسات الدولة.

 

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى