مع اقتراب الذكرى العاشرة للثورة السورية، تشهد محافظات الجنوب السوري اضطرابات أمنية وتظاهرات تعكس التململ الشعبي الكبير من استمرار النظام في سياسته القمعية، ومن التردي الكبير في الحالة المعيشية الذي يضرب مختلف المناطق الخاضعة لسيطرته، عشية انتخابات رئاسية في مايو/أيار المقبل، تهدف لإبقاء بشار الأسد في السلطة.
وشهدت بلدة أم باطنة في محافظة القنيطرة، مساء أول من أمس الثلاثاء، تظاهرة ضد النظام على خلفية اعتقال شابين من أهالي المنطقة، وفق الناشط محمد الحوراني، الذي أشار في حديثٍ لـ”العربي الجديد” إلى أن العشرات من أهالي أم باطنة قطعوا الطرقات بالحجارة والإطارات المشتعلة. وأوضح أن أسباب الاعتقال غير معروفة، لافتاً إلى أن الشابين قاما بإجراء “تسوية” عقب سيطرة النظام على المحافظة.
والقنيطرة من أصغر المحافظات السورية مساحةً وسكاناً، من محافظات الجنوب السوري الذي يضم أيضاً محافظتي درعا والسويداء. وتشهد قرى وبلدات القنيطرة اضطرابات بسبب اعتقال أجهزة النظام مدنيين، في سياق سياسة النظام القائمة على الترهيب. وكانت فصائل المعارضة السورية في القنيطرة قد أجرت تسويات مع النظام تحت رعاية روسية، تبيّن لاحقاً أنها بوابة لقوات النظام وأجهزته الأمنية للعودة إلى المنطقة، والقيام بعمليات انتقام واسعة النطاق بحق أهالي المناطق التي بقيت لسنوات خارج سيطرته.
في المقابل، تشهد محافظة درعا حالة رفض لإعادة ترشيح الأسد في الانتخابات الرئاسية. وأطلق ناشطون في المحافظة حملة بعنوان: “نحو العصيان لإسقاط الطغيان”، تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وإسقاط النظام، وتدعو أهالي درعا للقيام بعصيان وإضراب مدني سلمي رفضاً للانتخابات. في السياق، يوضح الناشط من “تجمّع أحرار حوران” أبو محمود الحوراني، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن الحملة “تستهدف إقناع الموظفين في دوائر النظام الحكومية بالعصيان”، مضيفاً أن “راتب الموظف لا يتعدى الـ 15 دولاراً بعد الانخفاض الشديد لسعر الليرة السورية”. ويشير إلى أن الهدوء يسود حي درعا البلد داخل المدينة، بعد أن أطلق النظام أخيراً سراح أحد الشبان، الذي اعتُقل في شعبة التجنيد في حي القابون بدمشق، أثناء محاولته استصدار معاملة تُثبت أنّه وحيد لأهله، وهو ما تسبب بموجة احتجاجات عارمة.
ولا تزال محافظة درعا تحت وطأة عمليات اغتيال متنقلة، تطاول العديد من الأشخاص الذين كانوا في صفوف فصائل المعارضة السورية أو متعاونين مع أجهزة النظام الأمنية على حد سواء. وذكرت مصادر محلية لـ “العربي الجديد” أن عنصراً في فصيل “جيش اليرموك” قُتل، أمس الأربعاء، مع ابنه على يد مجهولين في بلدة أم ولد في ريف درعا الشرقي. ونوّهت إلى أن أصابع الاتهام تتجه نحو مجموعة مسلحة تتبع جهاز الأمن العسكري، وهو الجهاز الأكثر فتكاً بالمدنيين بين أجهزة النظام الأمنية المتعددة. وسبق لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أن أوضحت في تقرير لها، صادر في فبراير/شباط الماضي، أنه تم تسجيل أكثر من 370 حادثة اغتيال في محافظة درعا، طاولت في غالبيتها قادة وعناصر سابقين في المعارضة المسلّحة، بين شهري إبريل/نيسان وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضيين.
وكانت محافظة درعا شهدت انطلاقة الثورة السورية في 15 مارس/ آذار من عام 2011 بسبب اعتقال أجهزة النظام أطفالاً كتبوا عبارات مناهضة للنظام السوري ورئيسه، متأثرين في حينه بالربيع العربي الذي اجتاح عدة بلدان في ذاك العام. ومن المتوقع أن تشهد المحافظة احتجاجات وتظاهرات مناوئة للنظام في الذكرى العاشرة للثورة التي ستحل بعد عدة أيام. وكانت فصائل المعارضة في درعا قد أبرمت اتفاقات تسوية مع النظام الذي لم يلتزم بها، محاولاً اقتحام مدن وبلدات لإخضاعها، ولكنه كان يتراجع امام رفض الجانب الروسي.
وإلى الشرق من محافظة درعا، تشهد محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية من السكان، حراكا رافضا للانتخابات الرئاسية، وأعلن القائمون على حملة “بدنا نعيش” أنهم بصدد الاستعداد للعودة إلى الشارع احتجاجاً. وكانت هذه الحملة قد بدأت مطلع العام الماضي اعتراضاً على تردّي الأوضاع المعيشية في السويداء، التي تعد من المحافظات السورية قليلة الموارد.
وفي السياق، أصدرت “قوات الحماية الدرزية” ما سمته “البلاغ رقم واحد”، أول من أمس الثلاثاء، حذّرت فيه من دفع وابتزاز “طلبتنا والموظفين بالسويداء للمشاركة في حملة الترشيح الصورية”. وأشارت إلى أنها ستمنع استخدام الأماكن العامة ومؤسسات “خدمة للطواغيت”، مضيفة أن “أحرار السويداء قالوا كلمتهم: لا للذل لا للعار.. نعم لنهج الأحرار”.
من جهته، ذكر الصحافي نورس عزيز، وهو من أبناء محافظة السويداء، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “هناك حالة رفض شعبي عارمة لإعادة ترشيح بشار الأسد في انتخابات الرئاسة المقبلة”. ورأى أن اغتيال شيخ حركة “الكرامة” الشيخ وحيد البلعوس في منتصف عام 2015، كان بداية حالة الرفض للنظام، مع توجيه أصابع الاتهام نحو أجهزة النظام بالوقوف وراء حادث الاغتيال، الذي أودى بحياة العشرات في حينه. وأوضح أن الجيل الجديد في محافظة السويداء “يرفض بالمطلق الحالة الأمنية التي تحكم المحافظة”، مشيراً إلى أن النظام “تعمّد تفعيل دور العصابات المحلية للقيام بعمليات تصفية بكل المعارضين للنظام”. واعتبر أن هناك محاولات قتل للبنية القيمية والعادات والتقاليد الموجودة لدى الدروز السوريين. وأوضح أن المحافظة شهدت خلال سنوات الثورة عدة حملات رفض للنظام وسياساته، منها حملتا “خنقتونا”، و”حطمتونا”، وآخرها حملة “بدنا نعيش”، مضيفاً: السويداء تضم أكبر كتلة يسارية معارضة لهذا النظام، وقد جرت عملية تعتيم على الحراك الثوري في المحافظة منذ عام 2011 وحتى اليوم.
المصدر: العربي الجديد